كل هذه الجرائم في العراق

ولاء سعيد السامرائي

جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المتجاهلة في العراق في السادس من هذا الشهر استذكر ثوار تشرين ومعهم العراقيون الذكرى الثانية لمجزرة كراج السنك التي اقترفتها الميليشيات الولائية بحق المتظاهرين السلمين اذ هجمت هذه ليلا بطريقة مرعبة على الشباب المتواجد في الطوابق المختلفة وهم نيام فقتلت 27 شاباً بمختلف أدوات القتل المسلحة والبيضاء ذبحاً بالقامات والسيوف او رميا من الطابق السادس او قتلا بالرصاص واجبرت بقوة الأسلحة التي تحملها 150من الشباب العزل من الهبوط من الطوابق العليا لتنقلهم جميعاً ما عدا خمس لم يجدوا مكانا لهم بعربات مخصصة تحملهم الى السجون السرية التابعة لهم في ضواحي بغداد. هذه المجزرة التي اقترفتها الميليشيات الولائية بالتنسيق مع القوات الحكومية التي كانت واقفة تتفرج كما تم توثيقة بالصوت والصورة من قبل الثوار هي واحدة من المجازر وعملية الاختطاف القسري لهذا العدد من العراقيين التي حصلت خلال ثورة تشرين بهدف قمع الثورة ومنع الشباب من ترديد هتاف “إيران برة برة بغداد تبقى حرة”. هذا الهتاف الذي صدحت به حناجر المتظاهرين والذي مزق صورة الاحتلال الإيراني في ساحة التحرير، انتقل صداه عاليا في سماء العراق من بغداد الى الناصرية والبصرة وكربلاء والنجف دون ان يتمكن أي طرف من أطراف الأحزاب إيقافه لا مقتدى الصدر ولا رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي. هذه الجرائم الموثقة والموجودة فديواتها وشهودها يضاف اليها مجزرة جسر الزيتون في الناصرية التي قتلت فيها القوات الحكومية ثمانين شابا وشابة وقتل أكثر من ثمانمائة وأربعة وثمانين شابا وشابة وجرح تسع وعشرين الف منهم في ساحة التحرير لم تجد أيا منها طريقها الى المحاكم رغم رفع عوائل الشباب دعاوى ضد قتلة أبنائهم وخاصة في مدينة الناصرية، ولم يكلف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي نفسه بالوفاء بأي وعد من وعوده التي قطعها لعوائل الشهداء بعد تعيينه بتقديم قتلة ابنائهم واحالتهم للقضاء كما وعد ولا حتى بالتحقيق بالاغتيالات المستمرة والمجازر والتهجير القسري الأخير في قرية بحر الامام ومجزرة المقدادية التي لم تنقطع! لقد قامت منظمة هيومن رايتس ووتش بنشر تقرير حول جزء من الجرائم التي تحصل في العراق منذ بضعة سنوات حتى تاريخ 2020 وتشير بوضوح الى الجرائم التي اقترفت خلال تظاهرات ثورة تشرين والى جرائم التطهير العرقي والطائفي وإلى المقابر الجماعية التي تمارسها الميليشيات ومعها قوات الحشد الشعبي وتواطؤ القوات الحكومية في القتل والاخفاء القسري والتهجير للعراقيين في المناطق الغربية كالفلوجة والأنبار والموصل وكذلك كركوك حيث تقوم قوات الأسايش وهي مخابرات أربيل الكردية باقتراف جرائم مشابهة لما يجري في باقي مناطق العراق، وتشير في تقريرها الى فقدان بين 250 الف شخص ومليون وارقام بالمئات عن اكتشاف مقبرة جماعية قرب الفلوجة لرفاة 600 شخص ، وتتجاوز الاعداد الحقيقية الالاف من مختطفين ومغتالين ومهجرين بدليل اعداد معسكرات اللجوء والسجناء بوشاية المخبر السري والتهجير التطهير العرقي التي توثقها هيومن رايتس
ووتش. ان تقوم المنظمات الدولية والإنسانية بتوثيق الجرائم بحق المدنيين والعزل والنساء والأطفال والابرياء هو عمل كبير جدا وليس عملا بسيطا يتطلب الكثير من الجهود والمفاوضات مع الحكومات والمؤسسات الحكومية والمسؤولون فيها ورغم ما قدمته هيومن رايتس ووتش حول ما يحدث في العراق من تقارير موثقة الا انها اليوم لا تتعدى الا ان تكون تقارير أممية موضوعة على الرف جنبا الى جنب مع العديد من التقارير والوثائق التي تدين القتلة والمجرمين لا أكثر؟ ان ما حصلت عليه المنظمة الدولية منذ غزو العراق الى اليوم يشكل ادلة أساسية واثباتات مهمة لإحالة وإدانة القتلة والمجرمين قانونيا من قبل المحاكم وخاصة الدولية منها لإيقاف نزيف الدماء العراقية وكل نتائجها الكارثية على الشعب العراقي وحياة الملايين منه. هل هناك أكثر من هذه الأدلة الموثقة لكي تتخذ الإجراءات اللازمة ضد ميليشيات الإبادة الجماعية؟ لقد قامت إحدى المحاكم الألمانية في مدينة فرانكفورت قبل أيام بالحكم على عراقي بالسجن المؤبد وزوجته الألمانية بالسجن عشرة سنوات بتهمة اقتراف جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية لأنه كما تقول الرواية ترك طفلة زوجته الايزيدية التي “اشتراها” البالغة خمس سنوات تموت تحت الشمس عام 2015 .فما بال المحاكم المهتمة بإحقاق الحقوق والبحث عن الجناة وانزال العقاب بهم وبحق في الجرائم التي اقترفوها تتجاهل اذن العدد الهائل والمستمر من الجرائم التي تقترف في العراق بشكل يومي وبأعداد مخيفة ومرعبة من القتلى وجرائم أخرى والتي تمثل حقا جرائم إبادة وجرائم حرب ؟ لماذا لم تقدم لنا هذه المحكمة الألمانية او غيرها من المحاكم الاوربية او الامريكية قادة ومجرمو داعش الاخرين الذين عاثوا في العراق فسادا بحسب الاعلام الغربي وقادته وجنرالات الاحتلال والاطلسي وتنزل بهم العقاب بدل من إعادة ثمانية الاف وخمس مائة وخمس وثمانون، من قبل الحكومة التركية، منهم الى بلدانهم الاوربية التي جاءؤا منها أو تخصيص باب خروج لهم للهروب الى سورية في معركة الموصل من قبل القيادة العسكرية الامريكية حينذاك؟ ان الحكم الذي أصدرته محكمة فرانكفورت يجعلنا نتساءل هل أن الجرائم التي تقترف في العراق تخضع لمقولة مثقاليين لمعياريين؟ هل ان حكم المحكمة هو حقا حكم من اجل احقاق العدالة وانصاف الايزيدية ام انه حكم مسيس غير محايد يأخذ بالاعتبار خطاب الغزو الأمريكي للعراق وأهدافه وخططه الطائفية وتسليط سلاح المظلومية على رقاب العراقيين وباسمها تقترف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية تحت بصر وانظار دول الغزو دون أي رادع ولا حساب وتجاهل كامل؟ هكذا يبدو قرار المحكمة وببساطة شديدة لان المحاكم التي تنشئ من اجل الحكم على الجرائم ضد الإنسانية هي محاكم خاصة جدا واستثنائية تخضع لتشريعات المحكمة العسكرية الدولية وقد تم انشاؤها لأول مرة بقرارات اممية بعد الحرب العالمية الثانية من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي وايرلندا الشمالية والحكومة الفرنسية المؤقتة لمحاكمة أربعة وعشرين قائداً عسكرياً من كبار قادة الجيش الألماني بتهم هي : التآمر وجرائم ضد السلام وجرائم حرب واخرها المفهوم الجديد الذي عرف بمفهوم الجرائم ضد الإنسانية الذي اضيف بهذه المناسبة. الغريب ان المحكمة قد تجاهلت كل الجرائم والتدمير الذي حصل كما تقول سلطة الاحتلال الأطلسي في الموصل والمناطق الغربية وحكمت على شخص واحد فقط أصله يظهر من اسمه المعلن “الجميلي” احدى أكبر عشائر مدينة الفلوجة قلعة المقاومة العراقية والتي تسكنها غالبية من مكون معين، أتهم بجريمة إبادة لتأكيد اتهام لغالبية سكان العراق بتهمة المنظمة الإرهابية داعش. لقد فضح اليوم الفلم التركي “صناعة ” الذي انتجته تركيا بالاستناد على مليون ونصف المليون وثيقة رسمية وحكومية تكشف البلد الذي صنع داعش ومولها وكل المتواطئين معه من دول وشركات وربما كان الاحرى بهذه المحكمة تفحص هذه الوثائق وطلبها من الحكومة التركية لفضح المزيد من الجرائم وإدانة المسؤولين عنها وليس تقديم شخص واحد فقط واختزال الإرهاب به وتعميمه.
مرة أخرى تقوم دول غزو العراق او الدول المشاركة فيه ورغم الدلائل والجرائم الموثقة ضد الشعب العراقي بإيصال رسالة للعالم عبر المحكمة الألمانية وعبر الحكم على شخص واحد في رواية غريبة جدا ، ان من أقترف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية هو مكون معين من الشعب العراقي في حين انه ضحية الغزو والأسلحة المحرمة دوليا خصوصا في الفلوجة ، ضحية التهجير والتطهير العرقي والطائفي الذي تمتلئ به سجون الاحتلال وسجون أحزاب العملية السياسية الذين وباعترافهم قد قتلوا وما زالوا يقتلون مئات العراقيين الأبرياء بالتنسيق مع سلطة الاحتلال الأمريكي الإيراني وخطط غزوها .
ان قرار محكمة فرانكفورت هو استمرار لسياسة الاحتلال الأمريكي في العراق واستمرار لتأليب الشعب العراقي بعضه على البعض الاخر وتأكيد على استمرارها بالنهج الطائفي ودعم العملية السياسية المرفوضة من الشعب العراقي ومن ثورة وثوار تشرين الابطال الذين عاد الشعب العراقي يناديهم بقوة للخروج من جديد لتخليصهم وتحرير العراق من سلاسل الاحتلال الأمريكي ووكيله الإيراني .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى