(سورية في عصر حافظ الأسد وكذلك بشار الأسد لاعب إقليمي مهم في القضية الفلسطينية وفي لبنان ومع إيران ودول الخليج العربي، بالتوافق أو المزاحمة مع الإرادات الدولية عبر عقود.)
– الفصل الرابع:
بشار الأسد والسياسة الخارجية.
اولا. صنع قرار السياسة الخارجية.
.لقد تابعنا سابقا أن سورية في قلب الاستقطابات الإقليمية في المنطقة. فهي على تماس مباشر مع فلسطين التي اغتصب جزء منها واصبح دولة (إسرائيل)، ثم بعد حرب 1967 احتلت بقية فلسطين ومعها بعض الأراضي العربية. سيناء والجولان السوري، ولن ينسى السوريين ولا حافظ الأسد -وزير الدفاع وقتها- مرارة ما حصل ولو انه تغطى بمقولة: أن سوريا لم تنهزم رغم خسارتها لأرض الجولان؛ بل انتصرت لأن (إسرائيل) عجزت عن إسقاط الحكم (الثوري) في سوريا. وكذلك القضية الفلسطينية وكونها قلب حراك المنطقة، والعمل الفدائي والحضور السوري فيه هيمنة وبطشا، ولبنان وكونه مسرحا لصراع داخلي وإقليمي، ضحية اعتداءات دائمة من (إسرائيل) خاصة بعد سنة 1970 حيث احتضن العمل الفدائي الفلسطيني. وكذلك العلاقة السورية مع العراق (وسلوك الاخوة الاعداء)، وتحالف حافظ الأسد مع إيران بعد حركة الخميني 1979، والوقوف معها ضد العراق في الحرب بينهما التي استمرت لسنوات… الخ. كل ذلك كان في ذهن حافظ الأسد عندما وضع نصب عينيه في سياسته الخارجية، ان يعتمد اعلاميا سياسات جذرية عالية النبرة، وممارسة واقعية مصلحية (براغماتية) كل الوقت، فهو حليف للسوفييت، لكنه لا يتورع أن يتوافق مع الامريكان – وضمنا مع الإسرائيليين- في لبنان وغيرها من الملفات، كان يتصرف تجاه القضية الفلسطينية وكأنه وصي عليها، لذلك اختلف مع ياسر عرفات ابو عمار، ودخل في لبنان تحجيم الوجود الفدائي فيها، ثم لإخراجه منها نهائيا، تحت شعار: الحفاظ على الدولة اللبنانية وحماية الثورة الفلسطينية. وكذلك بالنسبة للبنان نفسه؛ دخلت سوريا للبنان برضا أمريكي دولي وبتوافق مع (إسرائيل) كلاعب مؤثر، وسرعان ما أصبحت هي الحاكم الفعلي، أنهت بعض القوى السياسية والعسكرية، وخلقت حزب الله وبعض القوى الأخرى، وهيمنت على كل مفاصل الدولة اللبنانية، وأصبح لبنان ملفا سوريا يدار من دمشق عبر أشخاص بعينهم كضباط جيش أو مسؤولي استخبارات…الخ.
.خاض حافظ الأسد مع مصر حرب تشرين 1973 ضد (إسرائيل)، تحت دعوى تحرير الجولان وخسر مزيد من الأراضي، وأعلن نفسه بطل التحرير بعد أن أعطي مدينة القنيطرة بعد اتفاق فك الارتباط برعاية كيسنجر وزير خارجية أمريكا، وبقي الجولان محتل للان. تحالف مع ايران ضد العراق في حربهما، وربط سوريا بإيران استراتيجيا، وغازل أمريكا ودول الخليج عبر المشاركة في تحرير الكويت من العراقيين، وغيرها من الملفات.
.كان هاجس حافظ الأسد خارجيا في سنواته الاخيرة ان يستعيد الجولان؛ ليترك لابنه ملفا نظيفا بالعلاقة مع (إسرائيل) وليزيل عارا كان ما زال يسكنه، لكن العمر لم يخدمه وكذلك (الإسرائيليين) الذين لم يكونوا جاهزين، وفضلوا أن يسيروا بالاتفاق مع الفلسطينيين واتفاقيات كامب ديفيد وعودة ابو عمار الى فلسطين وتشكيل دولته الفلسطينية (الناقصة). وترك حافظ الاسد ملف الجولان معلقا لابنه بشار الأسد ليتابع بعده.
(كان حافظ الأسد متحكما بالداخل السوري بقوة القمع والتغلغل الاستخباري في المجتمع والتضييق بلقمة العيش. وكان يسوق نفسه إقليميا ودوليا بصفته قادرا على القيام بأدوار تخدم الغرب ومصالحه شريطة أن يكون له حصة من الكعكة السياسية للمنطقة.)
ثانيا. السياسة الخارجية السورية في عهد بشار الأسد.
.كان بشار الأسد قد أدمج في بنية السلطة السورية في حياة حافظ الأسد نفسه، وكان قد سلم أهم ملف وهو ملف لبنان، حيث يتحكم النظام السوري لبنان بالكامل، في التعيينات على كل المستويات، وفي الانتخابات النيابية والرئاسية وفي كل التفاصيل السياسية، وكان حزب الله اللبناني أصبح القوة الضاربة التي يستخدمها النظام السوري لتعديل أوراقه السياسية في الداخل اللبناني، و مع (إسرائيل) ايام مفاوضات السلام الاولى في عهد حافظ الأسد وما بعده، وكان هناك تنافسا سياسيا بين ممثلي النظام السوري في لبنان وبين رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري (رجل السعودية)، وكانت تمر العلاقة بين النظام والحريري بفترات شد ورخي، وحصل التمديد للرئيس اللبناني إميل لحود، ومن ثم صدور القرار الدولي 1559 لاحترام سيادة لبنان. ومن ثم اغتيال الحريري واتهام سوريا بذلك ومطالبتها بالخروج من لبنان وخروجها منه في 2005 كقوة مباشرة عسكرية واستخبارية، وبقاؤه عبر حلفائها وخاصة حزب الله.
.كانت السياسة الأمريكية قد تغيرت وأصبحت هجومية بعد أحداث 2001 وضرب أمريكا من قبل القاعدة، وبدأ النظام السوري يعيد تسويق نفسه مع أمريكا من خلال مساعدتها استخباريا ضد (الإرهاب)، وبدأت أمريكا تدق طبول الحرب للهجوم على العراق، واحتلاله مع بريطانيا في 2003، وكان النظام السوري يلعب مصلحيا مع النظام العراقي المستهدف، ومع الأمريكان ضد (الإرهاب)، ويجيش المقاتلين يذهبوا (للجهاد) في العراق، كل ذلك أعاد الأهمية للدور السوري اقليميا وخفف الضغط الدولي عنه.
(استلم بشار الاسد ملف السياسة الخارجية السورية منذ مرحلة والده وتابعه بعد وفاته و تسلمه رئاسة سورية، وكأن شيء لم يتغير.)
ثالثا. حرب (اسرائيل) في تموز 1996 على لبنان وانعكاسها على الدور السوري.
.كانت أمريكا قد استغلت خطأ بشار الأسد بالتمديد للرئيس لحود لبنان لتصدر قرارا دوليا لحماية لبنان، ويخطئ النظام بقتل الحريري، وسواء كان النظام السوري هو القاتل ام لا، فقد اتهم وبدأت أمريكا تتصرف معه كمقدمة لإنهاء دوره في لبنان، وتحجيم حزب الله، وخاصة ان امريكا اصبحت حاضرة في العراق، وتهدد النظام السوري (الشقيق البعثي ) ، وخرج النظام السوري من لبنان بالعلن عسكريا و استخباريا، و ارادت (اسرائيل) ان تستثمر الموضوع اكثر وشنت حربا في تموز 2006 تستأصل حزب الله او تبعده عن حدودها على الاقل، حصلت الحرب قتلت ودمرت وشردت في لبنان واللبنانيين، لكنها لم تستطع ان تمنع قوة حزب الله من ضرب عمق (إسرائيل) وسرعان ما تحولت حرب الردع إلى مأزق ل(إسرائيل)، سيعيد سوريا لدورها الفاعل: بصفتها هي التي تسيطر على حزب الله وتضمن الاتفاق معه، من هذا المدخل أعاد بشار الأسد تسويق نفسه امريكيا واسرائيليا)، ويضاف لذلك الدور الاستخباراتي السوري مع الأمريكان في مواجهة (الإرهاب)، وكذلك عودة الدفء للعلاقات العربية ، التي كانت قد توترت بعد مقتل الحريري الذي أصبح من الماضي، والسياسة ذاكرتها مثقوبة فلا تتذكر إلا ماتريد وما ينفع الفاعلين فيها.
.لقد استطاع النظام السوري وبشار الأسد ان يسوق نفسه مجددا، رغم أنه ما زال حليفا لإيران وحزب الله، و تجاوز محنة اغتيال الحريري، وأن يستثمر الحرب على العراق واحتلاله وتجييش المقاتلين إليه، ومن ثم ملاحقتهم استخباريا واعتقالهم وبيعهم لأمريكا.
(لقد أثبت بشار الأسد في فترة حكمه عبر عشرة سنوات.حتى.2010 ، أنه مازال مهما للغرب وامريكا (إسرائيل)، ولو أنه أخطأ بعض الأحيان (أخطاء قاتلة).)