تصويب الأفكار المغلوطة

مايكل يونغ

لينا العلي هي مؤسِّسة شركة Bona Smarts LLC الاستشارية في مجال التنمية الدولية في واشنطن العاصمة، ومديرتها. عملت سابقًا في مصارف استثمارية في لندن لفترة تفوق العشر سنوات، وهي منخرطة في مجال تعزيز مقاربات مستدامة ومؤثرة للاستثمارات والمساعدات الدولية. أجرت “ديوان” مقابلة معها في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر للنقاش حول كتابها الصادر حديثًا عن دار بالغريف ماكميلان بعنوان No Truth Without Beauty: God, the Qur’an, and Women’s Rights (لا حقيقة من دون جمال: الله والقرآن وحقوق المرأة). هذا الكتاب جزء من سلسلة أهداف التنمية المستدامة التي تُنشر بالتعاون بين الأمم المتحدة ودارَي النشر سبرينغر نيتشر وبالغريف ماكميلان. ستكون النسخة الإلكترونية من هذا الكتاب متاحة مجّانًا، ويمكن أيضًا شراء النسخة الورقية منه بسعر مخفّض. سيُضاف رابط إلى النسخة الإلكترونية عند صدور الكتاب.

مايكل يونغ: ماذا كان هدفك من وضع هذا الكتاب؟

لينا العلي: بعد أن أمضيت فترة تفوق الخمسة عشر عامًا في العمل على مواضيع النزاعات المجتمعية والوطنية والصراعات العابرة للحدود في مناطق جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تبيّن لي أن ثمة الكثير من الأفكار المغلوطة المتعلقة بمواقف القرآن حيال الكثير من المسائل. وهذه الخرافات والمعتقدات قد تمنع الأشخاص، رجالًا ونساءً، من تبنّي حلول أو إصلاحات ضرورية بسبب شعورهم بالذنب وخوفهم من ارتكاب فعلٍ ما قد يُعتبر خاطئًا من المنظور الديني. وغالبًا ما تكون هذه المخاوف مرتبطة بمسائل مثل مشاركة النساء في مجتمعاتهن المحلية أو في مؤسسات ومبادرات اجتماعية أوسع نطاقًا، فضلًا عن الأشكال التي يمكن أن ترتديها هذه المشاركة.

من هذا المنطلق، أردت جمع وتوليف الأعمال الفذّة لعدد كبير من الباحثين المتميّزين حول موضوع المرأة والقرآن، بدلًا من ترك هذا الخزين القيّم من المعلومات مبعثرًا يصعب البناء عليه والاستفادة منه. وتوخيًا للدقة والشفافية، أضفت بعض الأفكار الجديدة التي راودتني خلال هذه العملية، وأوضحت ذلك في الكتاب كي لا يتم الخلط بينها وبين أفكار الباحثين الآخرين المنشورة سابقًا. وقرّرت أيضًا أن أسلّط الضوء على كل المسائل التي يتم التمييز على أساسها بين الرجال والنساء، والتي تُنسب عمومًا إلى القرآن وتطال سبعة عشر موضوعًا، بدءًا من طاعة المرأة لزوجها ومرورًا بالقيادة السياسية والدينية ووصولًا إلى حقوق الميراث والشهادة القانونية والعنف الأسري وغيرها. يسعى هذا الكتاب لأن يشكّل مرجعًا شاملًا لكل من يريد الحصول على إجابات على التساؤلات التي تراوده من دون عناء.

يونغ: تحرصين على التمييز في كتابك بين ما هو إسلامي وما هو قرآني، وهذه النقطة أساسية في المقاربة التي اتّبعتها. هلّا تشرحين أهمية ذلك؟

العلي: تشير لفظة “قرآني” إلى الأمور المذكورة في القرآن، بينما تعبّر صفة “إسلامي” عن كيفية تطوّر الإسلام عبر الزمان والمكان. وفقًا للدين الإسلامي، استمر نزول الآيات القرآنية على النبي محمد ما يقارب ثلاثة وعشرين عامًا، وكُتبت على الرقاع أثناء نزول الوحي، ثم جُمع القرآن كاملًا في مصحف واحد بعد عامَين من وفاة الرسول بأمرٍ من أبو بكر الصديق، أول الخلفاء الراشدين. وقد شكّل هذا المصحف، بعد واحد وعشرين عامًا على وفاة النبي، أساس النسخة المعتمدة اليوم من القرآن.

أما مفهوم “إسلامي” فيشير إلى الإرث التراكمي من التاريخ الإسلامي على مدى أربعة عشر قرنًا، وما شهدته هذه الحقبة الطويلة من التقلّبات وتنوّع الأعراف والتوجهات والإنجازات والقصور على وقع الظروف والثقافات والتحديات الكثيرة التي طرأت. حدث أننا أضعنا طريقنا مع توالي الفصول التاريخية، حتى أصبحت أي مسألة تطلق عليها السلطات القائمة في مكان وزمان معيّنين صفة “إسلامية” تستمد شرعيتها من ذاتها باعتبارها نقطة انطلاق لا تقبل الجدل. وقد طالت هذه الظاهرة غير الحميدة عددًا كبيرًا من القضايا، ليس فقط تلك المتعلقة بشؤون المرأة، في الكثير من المجتمعات. لذا، علينا أن نضع كل ما تُنسب إليه صفة “إسلامي” تحت مجهر القرآن لتقييمه قبل الموافقة على إعطائه هذه التسمية.

يونغ: ما الخلاصات التي توصّلت إليها حول دور المرأة في القرآن بعد الأبحاث التي أجريتها حول الحديث النبوي؟

العلي: هذا الجانب من البحث هو أكثر ما فاجأني في الحقيقة. فمن جهة، يظهر الحديث النبوي أن النبي محمد تبنّى مواقف متحرّرة حيال قضايا المرأة وآمن بالمساواة بين الجنسين، ليس فقط قياسًا بما كان سائدًا في ذلك الزمن، بل حتى بمعاييرنا نحن وما تشهده الكثير من المجتمعات المسلمة في أيامنا هذه. لقد أدّى النبي محمد رسالته على أكمل وجه وبثّ الحياة في كلمات القرآن. وإذا جمعنا كل الآيات المرتبطة بالمرأة معًا، نلحظ توجّهًا يُشار إليه في الولايات المتحدة بمصطلح “التمييز الإيجابي”، ويتمحور حول الاعتراف بدور المرأة وحمايتها وإدماجها ونصرة حقوقها.

إضافةً إلى ذلك، يبيّن ما كُتب في الحديث النبوي أن بعض الآيات التي تدافع عن حقوق المرأة أُنزلت استجابةً لنوع من الحراك الاجتماعي الذي قادته النساء آنذاك، إذ طالبن بالحق في الميراث، والتصدّي لأعراف مجحفة بحقهن كتلك المتعلقة بالطلاق، وتساءلن حتى عن سبب استخدام القرآن صيغة جمع المذكر السالم لمخاطبة المؤمنين، ما يمكن أن يدفع البعض إلى الشك بما إذا كانت رسالته تشملهن أصلًا!

لكن، من جهة أخرى، إن ما ورد في كتب الحديث من أقوال للنبي محمد عن النساء هو مزيج متنوّع من الآراء والمواقف التي لا تبدو كلها متناغمة مع رسالة القرآن أو مع أفعال النبي نفسه. وصحيحٌ أن الأقوال التي تحطّ من قدر المرأة من بين تلك “المنقولة بشكل موثوق” لا يتجاوز عددها الخمسة أو الستة، بيد أنها هيمنت على الخطاب السائد على الرغم من وفرة الأدلة التي تدعم المساواة الروحية والاجتماعية بين النساء والرجال. وتجدر الإشارة إلى أن الحديث النبوي جُمع بعد وفاة النبي بفترة طويلة تراوحت بين قرنين وثلاثة قرون، وأن هذه المجموعات تتضمّن أيضًا أقوالًا وشروحات وتعليقات لآخرين.

يونغ: ما تقييمك لأوضاع حقوق المرأة في الكثير من المجتمعات المسلمة اليوم؟

العلي: بعد أن كانت المجتمعات المسلمة تسبق سائر المجتمعات بقرون، لا بل بأكثر من ألف عام في بعض القضايا، مثل الحق في الطلاق، وحقوق الملكية والميراث، وحتى الزواج المدني أو المختلط بين الأديان، تخلّفت عن الركب وعادت لسخرية القدر إلى جاهلية ما قبل الإسلام في الكثير من القضايا الأخرى. والصادم في الموضوع أننا نلقي اللوم على الله، الذي نجاهر بأننا نحبه أعظم الحب، بدلًا من أن نتحمّل مسؤولية خيارات مجتمعاتنا، وهذا بالفعل مخيّب للآمال.

يونغ: تعقيبًا على السؤال السابق، ثمة انطباع منتشر في الغرب عن أن الإسلام يقلّل من شأن المرأة. وأنت تسلّمين بأن بعض المجتمعات المسلمة تعامل النساء على أنهن “من الدرجة الثانية”، لكنك تشدّدين على أن القرآن يتبنّى وجهة نظر مغايرة تمامًا. هل بإمكانكِ إيضاح هذه الفكرة؟

العلي: من المهم أن نبدأ بطرح السؤال الصحيح: ما هي، بحسب القرآن، غاية الله من خلق البشر على الأرض؟ الجواب هو كي نكون ممثلين عنه أي خلفاءه، وهو سبحانه يحدّد لنا كيف: عبر المضيّ في نشر الرأفة والمحبة، وتجنّب الممارسات اللاأخلاقية، وعبادة الله وتقديم الصدقات، وطاعة الله ورسوله، والعمل على تنقية قلوبنا. ويقول القرآن: “المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض”، وبالتالي يبدو واضحًا أن منع النساء من الانخراط الكامل في شؤون العالم أو حرمانهن من الإرادة الحرة يُعتبر ببساطة مخالفًا لوصايا الله الواردة في القرآن.

يونغ: لماذا جعلت كتابك متاحًا للجميع بشكل مجاني؟

العلي: كان هدفي من هذا الكتاب أن أضع الدراسات الأكاديمية المتعلقة بقضايا المرأة في متناول القرّاء العاديين من مختلف الخلفيات والمجالات الذين قد لا يملكون الوقت أو الرغبة أو القدرة على قراءة مثل هذه الأعمال مباشرةً من المصدر. لا يتبدّى هذا المجهود من خلال لغة الكتاب وأسلوبه وطريقة عرضه للمواضيع فحسب، بل أيضًا في كونه متاحًا لجميع القرّاء أينما كانوا. آمل أن أبعث السرور في قلوب الناس ولا أريد أن يقف سعر الكتاب أو صعوبة إيصاله عائقًا أمام قراءته.

المصدر: مركز مالكولم كير- كارنيغي للشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى