دخل قطاع الدواء في سورية في أزمة خانقة منذ مطلع العام 2020، من جراء تراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، وزادت جائحة كورونا الطين بلة، لتترك آثارا فادحة على صناعة الدواء المحلية، سرعان ما انعكست على انقطاع الكثير من الأصناف من الأسواق، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية تفوق القدرة الشرائية للمواطن السوري بكثير.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد دخلت البلاد في أزمة دواء حقيقية، مطلع العام الجاري، مع إعلان العديد من معامل الأدوية التابعة للقطاع الخاص، والتي تغطي حاجة السوق المحلية بأكثر من 70 بالمائة، أنها لم تعد قادرة على تحمل الخسائر الفادحة التي تتكبدها، نتيجة تراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار إلى 3500 ليرة، فيما تطلب منهم الحكومة تسعير الأدوية وفقا للسعر الرسمي البالغ 1225 ليرة.
وبناء على ذلك، أعلنت العديد من معامل الأدوية التوقف عن الإنتاج، إلى حين إعادة النظر في أسعار الأدوية، مع تصحيح سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، وتقليص الفجوة مع سعر السوق السوداء.
وبالفعل، قام النظام السوري، في منتصف الشهر الرابع من العام الجاري، برفع سعر صرف الدولار الرسمي إلى 2500 ليرة، كما قامت الحكومة برفع أسعار أكثر من 11 صنفا دوائيا بنسبة تراوحت بين 40 و50 بالمائة، وذلك في منتصف الشهر السادس من العام الجاري.
ورغم ذلك، فإن أصحاب معامل الأدوية واصلوا احتجاجهم على الأسعار، ووصفوها بأنها “لاتزال غير عادلة”، وبأنهم يتحملون خسائر كبيرة، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأولية التي يستوردونها.
تبادل الاتهامات
وفيما أعلن رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية، الدكتور رشيد الفيصل، في آخر تصريحات له لصحيفة “الوطن” الموالية للنظام، أن الكثير من الأنواع الدوائية لم تعد متوفرة في الأسواق، وعلى رأسها المضادات الحيوية وأدوية كورونا، والمراهم، وغيرها من الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة.
ارتفاع جديد في أسعار المحروقات والأغذية شمال غربي سورية
وبين الفيصل أنه بسبب اختلاف سعر الصرف بين الواقع والسعر الذي حدده المصرف المركزي، أصبحت الصناعة الدوائية في خطر، بسبب عدم مقدرة الصناعيين على الاستمرار في تحمل الخسائر الكبيرة، حيث إن شركات الصرافة تبيع الدولار لاستيراد مستلزمات الصناعة الدوائية بسعر 3490 ليرة، في وقت تم تسعير الأدوية على أساس 1630 ليرة للدولار.
وأوضح الفيصل أن “تكاليف إنتاج الدواء لا تتعلق فقط بالمواد الأولية التي يتم استيرادها وتدخل في مكونات الزمرة الدوائية، بل هناك ارتفاع في أسعار المواد الأخرى، من مواد تحليل وفلاتر وقيمة معدات وكهرباء ومازوت وأجور يد عاملة”.
في غضون ذلك، نفى المسؤولون في القطاع الصحي التابع للنظام وجود أي أزمة في توفر الدواء في الأسواق المحلية، بالإضافة إلى عدم فقدان لأي من الأنواع الدوائية في الصيدليات، بما في ذلك المضادات الحيوية، وفقا لمعاون وزير الصحة رزان سلوطة.
كما أكد المدير العام للشركة الطبية العربية “تاميكو”، فداء علي، وهي الشركة الوحيدة التي تملكها الدولة في سورية من بين نحو 100 معمل للقطاع الخاص، أن “هناك مخازين كبيرة وكافية لدى الشركة، ولا نقص في كميات الإنتاج ولا المواد الأولية اللازمة لإنتاج أي صنف من الدواء”، مؤكداً أن “وكلاء الشركة يبيعون الصيادلة أي كمية يحتاجونها ويطلبونها من أي زمرة تنتجها الشركة”.
ووسط تبادل للاتهامات بين القطاع الخاص والمسؤولين عن القطاع الدوائي في حكومة النظام، استطلع “العربي الجديد” آراء الناس والصيادلة، حول حقيقة فقدان الكثير من الأصناف الدوائية، بالإضافة إلى وجود سوق سوداء للدواء، كما هو متداول على وسائل التواصل الاجتماعي.
ارتفاع جديد في أسعار المحروقات والأغذية شمال غربي سورية
يقول زياد، الذي يعيش في دمشق، إنه منذ أكثر من عام يعاني من تأمين دواء الضغط والسكر لوالده المسن، حيث إنه يضطر شهريا لزيارة عدد كبير من الصيدليات، وقد يصل الأمر به للانتقال إلى محافظة أخرى، من أجل تأمين مؤونة والده الشهرية من الدواء.
أزمة في الأسواق
ويضيف زياد، لـ”العربي الجديد”، أن المشكلة الفعلية في تأمين دواء والده بدأت بالتحديد بعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان في أعقاب انفجار مرفأ بيروت في مطلع الشهر الثامن من العام الماضي، مشيرا إلى أنه “سابقا كانت الأدوية القادمة من السوق اللبنانية عبر التهريب تسدّ فجوة كبيرة من أزمة الدواء في السوق السورية، على الرغم من ارتفاع أسعارها الكبير بالمقارنة مع الأسعار المحلية للدواء، لكن بعد ذلك التاريخ أصبح الدواء نادرا مع إعلان الصيدليات عن عدم توفر الكثير من الأصناف، ملقية بالمسؤولية على مستودعات الأدوية التابعة للدولة، التي لا تزودها سوى بكميات قليلة لا تكفي الحاجة الفعلية”.
ويختم المواطن السوري أنه “في العام الماضي، كانت تبلغ تكلفة أدوية والدي نحو 15 ألف ليرة شهريا، أما الآن فإنها تصل إلى أكثر من 80 ألف ليرة، وبالكاد نستطيع الحصول عليها، بعد رحلة بحث طويلة”.
أما الصيدلاني الدكتور هيثم فيقول إن “السوق السوداء للأدوية في سورية لم تعد تخص الأدوية المهربة، وإنما الأدوية المنتجة محليا، بسبب أن الصيدلي لا يحصل على الكمية التي يطلبها وبالسعر المحدد من وزارة الصحة، ما يضطره في هذه الحالة إلى شراء الدواء بضعف سعره، عبر وسطاء من معامل الأدوية التابعة للقطاع الخاص، التي ترفض طرح كميات كبيرة من إنتاجها في الأسواق، بحجة أن التسعيرة الرسمية غير منصفة وتتسبب بخسارتهم، وهو ما يدفع الصيدلي في هذه الحالة لرفع السعر على المستهلك”.
ويوضح الدكتور هيثم، لـ”العربي الجديد”، أنه إذا طلب من موزع الأدوية 100 علبة من نوع معين، فإنه لا يحصل سوى على 5 علب، وبضعف سعرها الرسمي، مؤكدا المعلومات التي تتحدث عن ندرة الكثير من الأصناف الدوائية من الأسواق، وبالذات المضادات الحيوية وأدوية الأمراض المزمنة، كأدوية الضغط والسكر وغيرها.ي
حكومة الأسد تسعى لاستيراد مليون طن قمح وسط تفاقم أزمة الخبز في سورية
الصيدلي الدكتور نزار من ريف درعا يقول لـ”العربي الجديد”، إن “جميع المضادات الحيوية نادرة، وكذلك المراهم على اختلاف أنواعها، وقطرات العيون وأدوية الأمراض غير الشائعة، وما هو متوافر اليوم هو الأدوية الجنسية والمكملات الغذائية غير الضرورية لحياة الإنسان، وقلتها لا تشكل خطراً على حياته”.
وعن توافر الأنواع الدوائية الخاصة بمعالجة مرضى كورونا، يقول الدكتور نزار إنها “في الأغلب مكملات غذائية وفيتامينات، وهي متوافرة، وكذلك الأزيثرومايسين، لكن بشكل قليل جداً”.
وحتى العام 2019، كانت وزارة الصحة التابعة للنظام تقول إن معامل الأدوية المحلية، البالغ عددها 96 معملا، تغطي أكثر من 90 بالمائة من حاجة السوق المحلية، والباقي يتم تغطيته عبر الاستيراد. أما في العامين الأخيرين، فتشير مصادر مطلعة، لـ”العربي الجديد”، إلى أن النسبة تراجعت كثيرا، و”لكن ليس على حساب الاستيراد، وإنما على حساب الندرة”.
وتملك الدولة معملاً وحيداً للأدوية، هو شركة “تاميكو”، وهي تغطي نسبة لا تزيد عن 5 بالمائة من حاجة السوق المحلية.
المصدر: العربي الجديد