لبنان… الانهيار الأخير “يمدّد” لعون ويكرّس “سلطة حزب الله”

ابراهيم حيدر

وصلت الأزمة اللبنانية إلى مستوى لم يعد حلّها في يد القوى السياسية والطائفية اللبنانية، المنقسمة والمتصارعة، بينما وصل الانهيار في البلد إلى طوره الأخير حيث لم يعد بمقدور اللبنانيين العيش تحت وطأة أعباء متزايدة أطاحت بمداخيلهم مع تهاوي الليرة اللبنانية وانهيارها غير المسبوق أمام الدولار الأميركي. المسؤولون اللبنانيون باتوا عاجزين عن الإمساك بخيوط اللعبة، وليس لدى اي منهم تصور عما سيكون الوضع عليه في البلد خلال المرحلة المقبلة، والتي تحمل الكثير من الاستحقاقات في الشأن اللبناني، منها الانتخابات النيابية المهددة بالإلغاء أو بالتأجيل، على رغم إصرار المجتمع الدولي على إجرائها. هذا العجز له أسبابه التي تبدأ بالتمترس والاصطفاف لحماية المكتسبات والمصالح التي حققها كل فريق سياسي وطائفي ومحاولات تعديل موازين القوى والإمساك بالقرار لحسابات ضيقة ضد مستقبل الشعب اللبناني والبلد عامة.

يمكن الحديث عن سيناريوات للوضع اللبناني في المرحلة المقبلة تستند إلى التطورات الإقليمية والدولية وتنطلق من توقعات تشير إلى أن البلد مقبل على تغيير في بنيته، لا يرتبط باستئناف الحكومة لجلساتها أو إجراء الانتخابات، بل بالانفجار من خلال توترات أمنية وفوضى وصولاً إلى تفكك السلطة السياسية وإعادة تركيب النظام، والشواهد كثيرة على ذلك. في المشهد الراهن، الحكومة معطلة إلى أجل غير مسمى بسبب إصرار “حزب الله” على الإطاحة بالمحقق العدلي في انفجار المرفأ طارق البيطار، فيما أمد الأزمة مرشح لأن يطول، إلى موعد الانتخابات النيابية المقررة في آذار (مارس) المقبل أو ترحيلها الى أيار (مايو) 2021، وإذا أجريت فهي لن تحل المشكلات المعقدة. الحكومة لن تكون قادرة إذا استأنفت جلساتها خلال أشهر قليلة تفصلنا عن الانتخابات، وأيضاً الانتخابات الرئاسية، على تحقيق أي انجاز، طالما يستمر الخلاف حول الملفات الأساسية وتأخذ المعارك أبعاداً طائفية ومذهبية واصطفافات خطيرة في ظل الانقسام الأهلي والطائفي وتمترس القوى وخطوط التماس. فالتفكك طاول كل مؤسسات الدولة، وبات الحكم في أيدي الأطراف الأهلية، والمقرّر فيها “حزب الله”، إلى حد بات الخارج يتعامل مع لبنان من خلال فرقائه المقرّرين في السلطة وعلى الأرض، وليس من خلال الدولة.

يبدو أن المرحلة الفاصلة عن الانتخابات، ستكون الأخطر وسط الرهان على تطورات في المنطقة تلي المفاوضات النووية، وما يمكن أن تحمله من تصعيد لتحسين أوراق التفاوض وتثبيت النفوذ. لذا الصورة المستقبلية للبنان لن تكون واضحة قبل أشهر، ولا قدرة لدى أحد على تحديد الوجهة التي سترسو عليها الأمور في البلد، إلا إذا تطورت الأوضاع نحو اقتتال أهلي أو حوادث أمنية متفرقة وفوضى تستدعي عندئذ التدخل لصياغة حل برعاية إقليمية ودولية.

إذا سادت الفوضى ولم تتمكن الحكومة من استئناف جلساتها، وجرى تأجيل الانتخابات النيابية، فإن رئيس الجمهورية ميشال عون لن يغادر القصر الجمهوري ولن يترك البلد للفراغ كما قال في تصريح له، ما يعني أنه سيتمسك بالسلطة إلى حين ضمان مصالح تياره السياسي. والواقع أن حالة الانهيار التي يعيشها لبنان وتعطيل الحكومة، يفتحان على تكريس الفراغ. فمنسوب المخاوف يرتفع من احتمالات الإطاحة بالانتخابات النيابية، وأيضاً بالرئاسية، إذ إن ميشال عون فتح معركة الرئاسة باكراً ووجه رسائل في اتجاهات عدة، وهدفه تكريس معادلات تتجاوز مسألة الحكومة، والاشتراطات لعودتها، أي البحث منذ الآن عن تسوية رئاسية قبل انتهاء ولايته، أو لا يغادر قصر بعبدا. وهو قلَب كل الأولويات، ففي ظل التخبط في الموضوع الحكومي والمقايضات المطروحة، فتح المعركة الأصل التي لم يعلنها خلال السنوات الخمس الماضية من العهد، ويعني ذلك أنه يريد ضمان وصول رئيس “التيار الوطني الحر”، صهره جبران باسيل الى موقع الرئاسة عبر تسوية قائمة على المقايضة، أي أن لا انتخابات في آذار (مارس) المقبل، وربما أيضاً في أيار (مايو) 2021 ما لم يتم الاتفاق مسبقاً على الاسم الذي يعتبره وريثاً للعونية، وإلا يحدث الفراغ والتعطيل، ويستمر عون في السلطة.

وبينما تتواصل الأزمة مع السعودية ودول الخليج، بنتائجها الكارثية على لبنان، يستمر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في ممارسة مهماته بلا حكومة، ولا يستقيل، بل يحاول أن يراكم مكتسبات خاصة، بعدما اقتنع أن استقالته لن تعطيه مردوداً سياسياً بالعلاقة مع السعودية ولن تمكنه من تكريس اسمه مرجعية في البيئة السنّية، لكنه يسعى إلى تعويم وضعه دولياً بالاستعاضة عن تعطيل حكومته بعقد لقاءات في الخارج والتفرج على حال الانهيار الذي يعصف بالبلد.

في المقابل يستمر “حزب الله” بحجز الحكومة، وهو يضع أولويته الانخراط في ما تقتضيه المصلحة الإيرانية من مشاريع في المنطقة، وخياراته تصطدم مع دول الخليج، لذا يتشدد من ضمن سياسته التي تستتبع البلد للإيرانيين، وتعزيز وضعهم في المعادلة الإقليمية، وبالتالي يرفض ما يعتبره تنازلاً أمام السعودية ودول الخليج باستقالة وزير الاعلام قرداحي أو التوقف عن الحملات في انتظار ما يمكن أن تحمله التطورات في المنطقة.

لكنه اليوم يبقى الطرف الوحيد المتحكم بمسار الأمور داخلياً والذي في إمكانه بفائض قوته إما جرّ لبنان الى قواعد الاشتباك الإقليمي أو سحبه. أمام هذا الواقع يبدو البحث عن مخرج سياسي ملائم شديد التعقيد، وحتى اليوم لم تسعَ القوى الدولية إلى التدخل لإنتاج تسوية شاملة. لذا يبقى البلد معلقاً خلال الأشهر المقبلة في الفوضى والصراعات والانهيار إلى حين الاتفاق على سلّة متكاملة للوضع اللبناني ومنها توزيع النفوذ إذا لم تصل المفاوضات في المنطقة ومعها الملف النووي إلى طريق مسدود، وهذه السلة ترتكز على الاتفاق لانتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة، إضافة الى إعادة التركيب السياسي بما يشمل التعيينات ومراكز السلطة ومؤسساتها في لبنان، تماماً كما حدث بعد الاتفاق النووي في 2015 والذي فتح الطريق إلى تسوية انتخاب ميشال عون لرئاسة الجمهورية في 2016 مع عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، لكن ذلك الاتفاق كان لمصلحة قوى الممانعة، فكيف سيكون التركيب الجديد للنظام خلال الأشهر المقبلة، أم أن لبنان سينتهي إلى التفكك وحكم القوى الأهلية الطائفية؟

الحل في لبنان غير مفتوح حتى الآن على التسويات. فلا توافق داخلياً لبنانياً على مخرج للأزمات المتناسلة. وعليه يمكن لعون أن يرفع سلاح البقاء في قصر بعبدا وعدم ترك البلد للفراغ، ومعه تستمر الفوضى إلى أن تحين لحظة الفرج للخروج من الجحيم؟

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى