تشهد المناطق السورية كلها موجة جديدة من الإصابات بكوفيد-19، لكنّ الوضع الأسوأ يُسجَّل في العاصمة دمشق، إذ امتلأت كلّ الأسرّة في الأقسام المخصّصة لكوفيد-19 في المستشفيات الحكومية. من جهتهم، يتوجّه الأغنياء إلى المستشفيات الخاصة التي تتقاضى مبالغ طائلة لا يستطيع تأمينها السوريون بمعظمهم. وتتزامن هذه الموجة مع اقتراب فصل الشتاء في سورية والذي تكثر فيه الأمراض التنفسية في الأساس، من قبيل الإنفلونزا التي غالباً ما يتمّ الخلط ما بين أعراضها وأعراض كوفيد-19 وتتمّ معالجتها أحياناً بالأدوات نفسها، وفي حالات معيّنة يحتاج المصاب بها إلى استشفاء ووصل بأجهزة التنفّس الصناعي.
أفادت الطبيبة سوسن علي الاستشارية في الأمراض التنفسية في مستشفى الأطفال الجامعي بدمشق في حديث إذاعي بأنّ إصابات عديدة رُصدت في صفوف الأطفال بالتهاب القصيبات الشعرية، خصوصاً في المدارس، الأمر الذي تسبّب في ضغط على مستشفيات العاصمة دمشق. وأشارت إلى أنّ أعراض المصابين به لا تقلّ خطورة عن الإصابة بكوفيد-19، والاستشفاء قد يستغرق وقتاً طويلاً. وأشارت علي إلى أنّ المستشفى يستقبل يومياً ما بين 10 و15 طفلاً فقط مصابين بكوفيد-19، إلى جانب عدد من المصابين بأمراض تنفسية أخرى. وفي أحيان كثيرة، تُستخدَم أقسام أخرى لمعالجة المصابين بكوفيد-19، كون المستشفى يحتوي 10 أسرّة مخصصة للأطفال موزّعة على غرفتَين، وهي ممتلئة بشكل كامل منذ أكثر من شهرَين. وتابعت علي أنّ ثمّة وفيات بين الأطفال بسبب فيروس كورونا الجديد، تُسجَّل في المستشفى بشكل أسبوعي، لافتة إلى أنّ المعدّات والأدوية متوفّرة ضمن الإمكانات، علماً أنّ ثمّة ضغطاً كبيراً على الكوادر الطبية.
من جهته، قال عضو الفريق الاستشاري لمكافحة فيروس كورونا الجديد التابع للنظام، نبوغ العوّا، إنّه في الوقت الحالي “نشهد هجوماً شرساً للفيروس التنفسي المخلوي البشري ولحالات التهاب القصيبات الشعرية، نتيجة الخلط بينه وبين إصابات كوفيد-19 في المدارس، في ظل غياب للإجراءات الاحترازيّة والوعي الصحي”. وأشار إلى أنّه “كان من المفترض على وزارة التربية التشديد أكثر على الناحية الصحية في المدارس، وإيجاد آليّة لمنع أيّ تلميذ تظهر عليه أعراض المرض من الدخول إلى حرم المدرسة”. وشدّد العوا على أنّ إصابة واحدة كفيلة بإصابة المدرسة بالكامل، لافتاً إلى أنّ خطورة الفيروس تطاول الأطفال والخدّج، لكنّه لا يسبّب وفيات إلّا في حال كان المريض يعاني من مشكلات صدريّة مزمنة أو حادة.
أحمد قويدر مواطن سوري توفيت والدته في أحد مستشفيات دمشق الخاصة، يقول لـ”العربي الجديد”: “عجزت عن تأمين سرير لوالدتي في المستشفيات الحكومية، فنقلتها إلى مستشفى خاص”. لكنّه يشير إلى أنّه لم يستطع إخراجها عندما توفيت “إلا بعد دفع نحو مليون ليرة سورية (نحو 2000 دولار أميركي) عن كلّ ليلة، ما عدا أثمان بعض الأدوية التي لم تكن متوفّرة واشتريتها على حسابي الخاص”. وبحسب قويدر، فإنّ “مصابين كثيرين باتوا يتلقّون العلاج في المنازل، وثمّة خوف بين الأهالي من ارتفاع أعداد الوفيات بين صفوف المصابين، خصوصاً أنّ كثيرين يتوفّون في منازلهم من دون أن تُدرَج أسماؤهم على قوائم المصابين لدى وزارة الصحة”. بالتالي، بالنسبة إليه، فإنّ “الأرقام التي يعلن عنها النظام للمصابين والمتوفين غير دقيقة، فهي أكبر من ذلك بكثير”.
ويكشف مصدر طبي من العاصمة دمشق لـ”العربي الجديد” أنّ “ثمّة نقصاً في أعداد المسحات المستخدمة في الكشف عن الإصابة بكوفيد-19″، مشيراً إلى أنّ “امتلاء الأسرّة أدّى إلى عزوف المصابين بالفيروس عن مراجعة المستشفيات، خوفاً من الإصابة بأمراض أخرى قد تكون أكثر خطورة، خصوصاً الفطر الأسود الذي بات يتفشّى في مناطق سيطرة النظام”. وبحسب المصدر نفسه، فإنّ “الإحصاءات المتعلقة بكورونا الصادرة عن وزارة الصحة غير دقيقة لسببَين. أوّلهما النقص الحاصل في المسحات، والثاني أنّها لا تشمل المصابين والمتوفين الذين لا يراجعون المراكز الطبية الحكومية”.
في السياق نفسه، قال مدير الهيئة العامة لمستشفى دمشق (المجتهد) أحمد عباس إنّ نسبة إشغال العناية المشدّدة ما زالت 99 في المائة، مشيراً إلى وجود 60 مصاباً بكوفيد-19 في المستشفى حالياً، من بينهم 16 مريضاً في العناية المركزة بالإضافة إلى 16 مريضاً في القسم المخصص للمصابين بالفطر الأسود. أضاف عباس في حديث إلى وكالة أنباء النظام الرسمية “سانا” أنّ الطاقة الاستيعابية لمستشفى دمشق المخصّص لمرضى كورونا تصل إلى 90 سرير عزل، من بينها 18 سرير عناية مركزة، لافتاً إلى أنّ المستشفى يستقبل حالياً الحالات المتوسطة والشديدة فقط.
المصدر: العربي الجديد