ثمة حالة إنكار لدى المجتمع العربي حول ” هل توجد قضية للمرأة العربية ؟ ” والقصد قضية مظلومية مستقلة تستحق الاعتراف بها أولا , وفهمها بكل أبعادها التاريخية والنفسية – الاجتماعية ثانيا , والعمل لحل تلك القضية ووضعها في مكانها كجزء من قضية الحرية والعدالة التي تكافح من أجلها الشعوب العربية .
أهم مرجعيات العقل الجمعي العربي في النظر للمرأة هي الفهم الخاطىء للاسلام في موقفه من المرأة .
فالمرأة في الاسلام مساوية في الانسانية للرجل بصورة تامة غير منقوصة , وهذا هو المعنى الوحيد للحديث الشريف ” النساء شقائق الرجال ” فاستخدام كلمة شقيق لاتعني سوى المماثلة والتساوي , فالرجل ليس أفضل من المرأة بل هو شقيقها أي مثلها في القيمة الانسانية وما ينبع من تلك المساواة الأصلية من حقوق وواجبات ترتبط بإنسانية الانسان وكرامته .
أبطل العقل الجمعي العربي ما قرره الحديث الشريف وتركه كونه لايرضي الذكورية الطاغية وانصرف عنه إلى فهم خاطىء للآية الكريمة ” الرجال قوامون على النساء ..” وهنا اكتفى العقل الجمعي العربي بالشق الأول من الآية وأهمل الشق الثاني فكان كمن أخذ بشطر الآية ” لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى ” فاكتفى ب ” ولا تقربوا الصلاة ” .
ولننظر قليلا بتمعن في الآية الكريمة ومدلولها الواضح ” الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ”
فالقوامة هنا ليست مطلقة وليست أصلية بل هي مشروطة ونسبية , فالتفضيل هو ” بمافضل الله بعضهم على بعض ” أي بما فضل بعض الرجال على بعض النساء وليس كل الرجال على كل النساء , ويؤكد ذلك تتمة الآية : “وبما أنفقوا من أموالهم ” .
بالتالي فالرجال الذين يقومون بحماية النساء في المعارك والحروب وينفردون بالعمل والانتاج والنفقة على العائلة لهم حق القوامة التي لاتنتقص من إنسانية المرأة وحقوقها بمعنى أن القرار داخل الأسرة في الأمور الهامة يكون للرجل في تلك الحالة .
لكن ماذا لو كان الرجل في البيت والمرأة تعمل وتنفق على العائلة ؟
هنا اختل شرط القوامة وبالتالي لا يستطيع الرجل الادعاء بأن له القوامة . وحتى حين تشاركه المرأة النفقة على العائلة يختل شرط القوامة أيضا .
وإذا كان الأمر خافياً سابقاً لابتعاد المرأة عن العمل المأجور فهو لم يعد كذلك اليوم , والعائلات في سورية التي تشارك فيها المرأة النفقة من عملها على البيت تشكل غالبية العائلات , وهناك قسم هام من العائلات تنفرد فيه المرأة بالنفقة لمرض الرجل أو غيابه أو موته فكيف يمكن أن نبرر لابن مثل تلك المرأة الشاب أن يعتبر نفسه قواما على العائلة لمجرد أنه رجل وليس امرأة ؟
المصيبة أن ذلك الفهم الخاطىء للقوامة جرى تعميمه بحيث أصبح مرجعية لطغيان الذكورة واحتقار المرأة ودفعها نحو هامش المجتمع , ومازال العقل الجمعي العربي بوعي أو دون وعي يفهم القوامة باعتبارها هدية السماء للرجل الذي فضله الله على المرأة وعليه أن يستخدم ذلك التفضيل المطلق دون حدود .
المصدر: صفحة معقل زهور عدي