لا تزال الميليشيات الإيرانية في سوريا تعيش تحت وقع صدمة المغادرة المفاجئة للجنرال أحمد مدني الملقب “الحاج جواد غفاري”، والذي كان يتولى قيادة قوات “الحرس الثوري” الإيراني في سوريا منذ سنوات خلفاً للجنرال حسين همداني الذي قتل في عام 2016 بظروف غامضة.
ورغم أن السردية الإيرانية حاولت وضع خروج غفاري من المشهد السوري في إطار انتهاء مهمته وعدم وجود أسباب خلافية مع القيادة السورية حول شخصية الجنرال المغادر وتوجهاته ولا سيما بخصوص العلاقة مع القوات الروسية من جهة وكيفية التعاطي مع القوات الأميركية والتركية من جهة أخرى، إلا أن تحركات القوات الإيرانية في مناطق عديدة أهمها ريف الرقة حيث انسحبت ميليشيات تابعة لإيران من مدينة معدان بعد أيام قليلة فقط من مغادرة غفاري في منتصف شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، فضلاً عن وصول أوامر عاجلة بإجراء تغييرات في بعض مناصب قيادة “الحرس الثوري” الإيراني في سوريا، ساهمت في زيادة التخبط في صفوف الميليشيات الإيرانية على خلفية عدم وضوح حقيقة ما يجري، وما إذا كانت مغادرة غفاري بالفعل مجرد إجراء روتيني مرتبط بانتهاء مدة خدمته أم أن ثمة أسباباً سياسية تقف وراء الاستغناء عن مهمات جنرال من وزنه في هذا التوقيت الحساس الذي يسبق استئناف المفاوضات حول الملف النووي الايراني.
وفي هذا السياق، ذكرت مصادر إعلامية سورية معارضة أنه وصلت إلى قيادات “الحرس الثوري” الإيراني في سوريا عبر قيادات إيرانية موجودة في العراق أوامر عاجلة بضرورة إجراء تغييرات جوهرية في هيكلة الجهاز الأمني التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني في سوريا. وتسببت سرعة وصول هذه الأوامر وطريقتها غير المعتادة باستخدام القناة العراقية في حدوث بلبلة واسعة داخل المكاتب الأمنية التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني.
ومن المتوقع أن تشمل التغييرات المطلوبة ما يقارب 20 ضابط أمن موزعين على مراكز حساسة في كل من مطار التيفور العسكري ومدينة تدمر إضافة إلى مواقع أخرى في الرقة والقامشلي.
وبحسب موقع “عين الفرات” المتخصص بمتابعة أخبار المنطقة الشرقية في سوريا، فإن التغييرات الأولية شملت كلاً من ازدشير ريزان، إيراني الجنسية وهو مسؤول أمني في مطار التيفور العسكري شرق حمص، والمدعو حاج دهقان أبرز المسؤولين الأمنيين والقائم على شؤون التحركات العسكرية في بادية حمص الشرقية عموماً وهو عراقي الجنسية، إضافة إلى مسؤول ثالث، يدعى أبو صلاح العتيق، وهو أحد المسؤولين الإيرانيين في مدينة تدمر ومشرف على ملفات المنتسبين إلى “الحرس الثوري” الإيراني منذ دخولهم شرق حمص.
وأضاف الموقع أنَّه من المتوقع خلال الفترة المقبلة إنهاء الملفات الأمنية وتسليمها للمسؤولين الجدد ومن ثم نقل المسؤولين القدامى إلى العراق وإيران.
وقد ربط بعض المراقبين هذه التغييرات باستراتيجية إيرانية جديدة لمواجهة الغارات الإسرائيلية والسعي إلى تقليل الخسائر الناجمة عنها، كما ربطها البعض الآخر بهجمات تنظيم “داعش” في باديتي الرقة ودير الزور وضرورة تفادي تعريض حياة الأمنيين الإيرانيين لأي خطر من جرائها.
غير أن تزامن هذه التغييرات مع تطورات أخرى أهمها استعداد طهران لخوض غمار مفاوضات صعبة حول ملفها النووي، إضافة إلى تهديد أنقرة بعمل عسكري في شمال سوريا وما استتبعه ذلك من مساعٍ تبذلها جهات عدة لتطويق التهديدات التركية، دفع إلى الاعتقاد بأن مغادرة غفاري المشهد السوري يمكن اعتبارها لحظة مفصلية سوف تستغلها إيران لإدخال تعديلات على استراتيجيتها السورية تتضمن التراجع خطوة وإفساح المجال أمام القوات الروسية لتحتل صدارة المشهد في مواجهة التطلعات التركية من جهة وإدارة ملف إخراج القوات الأجنبية من سوريا من جهة أخرى.
وكان لافتاً أن هذه الخطوات الإيرانية جاءت في أعقاب اجتماع عقده مستشارون إيرانيون وضباط روس في مطار التيفور شرق حمص بهدف إيجاد طريقة لتفادي الضربات الإسرائيلية على هذا المطار الاستراتيجي الذي تحول إلى نقطة نفوذ إيرانية. وما تسرّب عن الاجتماع الأمني الذي استمر لما يقارب الثلاث ساعات بحسب مصادر سورية معارضة أن المستشارين الإيرانيين طالبوا الضباط الروس بمشاركتهم في الحضور العسكري في بعض المواقع التي يطاولها الاستهداف الإسرائيلي، غير أن الضباط الروس رفضوا هذا العرض واعتبروا أن الطريقة الوحيدة لإيقاف الضربات الإسرائيلية هي في إخلاء القوات الإيرانية من المطار وهو ما رفضه غفاري الذي كان حاضراً في الاجتماع بحسب المصادر السابقة.
المصدر: النهار العربي