كثف إعلام النظام السوري خطابه الذي يروج لرفع العقوبات الغربية المفروضة على البلاد، بسبب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في البلاد طوال سنوات الحرب. ونشرت قناة “سوريا دراما” أغنية طلبت فيها من الاتحاد الأوروبي بالتحديد، رفع العقوبات عن دمشق.
وكررت الأغنية مع ألحان شعبية: “للاتحاد الأوروبي. ربكن نفسه ربي. اتقوا الله فينا وارفع الحظر علينا”، وأكملت: “شوفو شو صاير فيكن. مو شماتة الله ينجيكن. مو ضروري يصير فينا بسببكن اللي صاير فيكن”. وهي اللهجة نفسها التي يتحدث بها إعلام النظام في برامجه السياسية الأكثر جدية، والتي وجدت في أزمة فيروس كورونا المستجد، فرصة للمطالبة برفع العقوبات عن البلاد، من منطلق “إنساني”.
والحال أن الأغنية من أداء المغني الشعبي طوني قوبا، الذي قدم في البرنامج نفسه “خليك بالبيت”، قبل أيام، أغنية “رح نخلص من كورونا” التي انتشرت على نطاق واسع بسبب كمية الرداءة التي احتوتها، وتعاملها مع المرض الذي يهدد البشرية كأنه عدو خارجي أو واحد من “العصابات الإرهابية المسلحة” وتضمنت عبارات مثل “خرطشلي هالبخاخة عقملي يللي جنبك”.
في السياق نفسه، انتشرت مقاطع فيديو لعدد من الممثلين السوريين الموالين لنظام الأسد، الذين ظهروا في مقاطع فيديو قصيرة طالبوا فيها برفع العقوبات عن “الشعب السوري”، ومن بينهم وفاء موصللي وغادة بشور وسوسن ميخائيل وسحر فوزي وآخرين. كما نشرت مواقع سورية وأخرى حليفة، روسية ولبنانية وإيرانية، أخباراً زعمت اقتراب رفع العقوبات الغربية عن سوريا.
وأكد مصدر مسؤول في وزارة الخارجية في حكومة النظام، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام عربية، أن التصريحات التي تصدر عن بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي حول الدعوة للتخفيف من العقوبات، “مازالت في إطار العمل السياسي ولم ترق بعد إلى مستوى العمل الحقيقي والفعلي لرفع هذه العقوبات”، وكرر الحديث الرسمي عن أن “الإتحاد الأوروبي هو شريك أساسي في حصار سوريا حتى الآن رغم المخاطر التي يفرضها انتشار وباء كورونا في هذه المرحلة”.
أتى ذلك تعليقاً على تصريحات نقلها موقع “روسيا اليوم” الممول من الكرملين، الأسبوع الماضي، لمفوض الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية جوزيب بوريل في مؤتمر صحافي، قال فيها أن “عقوباتنا لا تعرقل تقديم المساعدات الإنسانية، ونتعهد بأن تتخذ بقية الدول الخطوة ذاتها للتأكد من إمكانية إيصال المعدات الطبية التي تخضع للعقوبات”، وأوضح أن الحديث يدور في الدرجة الأولى حول سوريا وفنزويلا وإيران وكوريا الشمالية، مشدداً على دعمه لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لرفع العقوبات التي تستهدف القطاعين الصحي والإنساني في زمن جائحة فيروس كورونا.
ورغم أن التصريحات حقيقية وليست مزيفة، إلا أن السياق الذي وضعت فيه كان مضللاً، لأن العقوبات تتضمن عادة إعفاء للمساعدات الإنسانية مثل الغذاء والدواء، وتقوم الأمم المتحدة بالتعامل مع النظام السوري في قضايا إنسانية، من بينها كورونا، لكن تقارير صحافية غربية اتهمت مسؤولي النظام بالتربح والكسب الشرعي في قضايا تتعلق بفساد ضمن توزيع المساعدات الأممية.
في ضوء ذلك، قالت مصادر عربية مطلعة على الموقف الأوروبي، في حديث مع “المدن”، أن موضوع رفع العقوبات كان قيد التداول منذ فترة كاحتمال وارد، لكن مسألة نضوجه العملي وتطبيقه تبقى خاضعة للعديد من المعطيات والوقائع، وخصوصاً ما يتعلق بمسألة “التعامل مع الإرهاب وفلول الإرهابيين” ومسألة إعادة الإعمار في البلاد ومسألة التوازن في العلاقات لجهة فك الارتباط بين دمشق وطهران بشكل تدريجي.
وأضافت المصادر أن كل الأمور مجمدة حالياً لانشغال الجميع بالعزلة القسرية بسبب أزمة فيروس كورونا، لكن الامور مفتوحة بشدة لمعطيات حساسة وجدية، خصوصاً لما له علاقة بصفقة القرن والموقف الأوروبي الشامل.
ويتطابق المشهد مع حملات إعلامية موازية يقوم بها نظام الملالي في طهران يدعو فيها لرفع العقوبات الأميركية المفروضة على طهران. وتتطابق هذه الحملات الدعائية في كونها تحيل كل المشاكل الداخلية في الأنظمة المعنية إلى العقوبات الخارجية، حيث اعتبر نظام الأسد، كما يظهر بوضوح في الأغنية، أن سبب تفشي وباء كورونا، في حال حصوله، يعود للعقوبات الأوروبية فقط. وليس إلى عوامل داخلية في النظام نفسه مثل الفساد وغياب الشفافية ورداءة النظام الطبي الذي يعاني المشاكل حتى قبل الثورة السورية العام 2011.
وهنا يبقى الموقف الأميركي حاسماً، ونشرت مجلة “ناشيونال إنترست” موضوعاً مطولاً قبل أيام، حول الاستراتيجية الأميركية في سوريا، قالت فيه أنه “إذا انتشر فيروس كورونا في سوريا فمن هذا المنطلق قد تفكر الولايات المتحدة في مستوى معين من تخفيف العقوبات لتخفيف المعاناة”.
ورأت المجلة في سياق تبريرها لفكرة رفع العقوبات عن دمشق، أن الثابت الوحيد في التقارير الأميركية ذات الصلة حول سوريا هو “أن العقوبات إلى جانب الاقتصاد المتدهور القائم على الحرب خلقت ظروفاً معيشية أكثر صعوبة بالنسبة للسوريين العاديين من أسوأ مراحل الحرب نفسها. كما أن السوريين على الأرض هم في أمس الحاجة إلى المساعدة، ويعانون أمراضاً خارجة عن نطاق الحرب المباشرة بما في ذلك السرطان والسكري والأمراض التي تم استئصالها من قبل مثل الجدري والسل الذي أصاب الصغار والكبار على حد سواء”، حسب تعبيرها.
ويقول المسؤولون الأميركيون أن العقوبات ليست لإحداث تغيير في النظام وإنما لتغيير في السلوك. كما أن مستوى الثقة بين الولايات المتحدة ونظام الأسد يكاد يكون معدوماً، لكن إذا كانت هناك مصالح واضحة يمكن تحديدها مقابل وجودها، فهناك من هم في واشنطن ودمشق على استعداد للاستماع. ومن السهل معرفة ما تريده دمشق من الولايات المتحدة: تخفيف العقوبات، خصوصاً في مجالات الصحة والتعليم، من مواد البناء إلى إعادة بناء المستشفيات والمدارس إلى المعدات الطبية وأجهزة الكمبيوتر للطلاب.
ويكرر المسؤولون في نظام الأسد بشكل، أن أولوية هذه العقوبات المذكورة هي إزالة الشخصيات السياسية ورجال الأعمال السوريين. ويركز الرأي الغربي المروج لرفع العقوبات عن دمشق، إلى أنه يمكن لمعظم الأشخاص الخاضعين للعقوبات، الحصول على ما يريدون من خلال قنوات السوق السوداء القائمة، وأن المساعدة في ظل أزمة كورونا ستنقذ الأرواح، وربما يفتح مساحة لمزيد من المساعدات الإنسانية في قطاعات أخرى.
والسؤال الأساسي هنا هو “ماذا تريد الولايات المتحدة؟” وما الذي يمكن أن تطلبه واشنطن في سياق أي صفقة متخيلة. وقد يكون هدف السياسة الخارجية لإدارة ترامب على المدى الطويل في سوريا هو رؤية انخفاض كبير في التأثير الإيراني في البلاد، لذلك فإن هذا الهدف إلى جانب المساعدة في عودة الصحافي المختفي في سوريا أوستن تايس، قد يصنع حواراً أميركياً سورياً ينتج عنه رفع جزئي للعقوبات.
وبحسب “ناشيونال أنترست”، يمكن بعد ذلك تكثيف هذه الديناميكية حتى يتم رفع العقوبات المحددة مقابل إصلاحات في الحكم المحلي وسيادة القانون وحقوق الملكية والقضاء على التجنيد الإجباري للاجئين العائدين والتعاون في إجراءات مكافحة الإرهاب، ثم الوصول إلى البنود باهظة الثمن لتخفيف العقاوبات النظامية ومسألة إيران. ويمكن أن تكون حالة السودان نموذجاً حيث تعاملت إدارتا الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب مع حكومة معزولة بالمثل وعوقبت مراراً وتكراراً. ثم رأى المسؤولون الأميركيون أن العقوبات لم تكن ناجحة، وأن عملية التنازلات المتبادلة على مراحل أفضل لمصالح الولايات المتحدة.
المصدر: المدن