شمس العرب تسطع من الشرق!!

عبدالرحيم خليفة

جملة الأحداث الأخيرة في بلدان الربيع العربي، بموجتيه الأولى والثانية، بقدر ماتثير من الإحباط لدى قطاعات واسعة من الشعوب العربية، وحتى بعض النخب المثقفة، الفاعلة في أوساطها، الإجتماعية والسياسية، بقدر ماتعطي جرعات من الأمل والتفاؤل لآخرين، وتدفعهم لمزيد من الفعل الإيجابي، بثقة تامة بحتمية النصر والتغيير.

فقد كان لانقلاب عسكر السودان وقع الصدمة على الشعب السوداني، وعموم شعوب المنطقة، لما مثلته ثورة السودان من نموذج مبهر في إسقاط نظام حكم البشير، ولتجربة الحكم بين المدنيين والعسكريين، ولكن فشل النخبة المدنية من (قوى الثورة والتغيير) في تحصين وحماية مكتسباتها أدت بالأمور إلى ما أدت اليها، وجدير بالإنتباه والسؤال عن كل ما حصل في المرحلة الماضية، الإنتقالية، وهو ما يدفع للإحباط والريبة، كالإنفتاح على “إسرائيل” الذي وصلت حدوده أن تطلب أميركا من (الموساد) الإسرائيلي التدخل لدى عسكر السودان للعودة عن قوانين الطوارئ وإلى ماكان قبل ليلة الإنقلاب المشؤوم والغادر، وهنا تطرح العديد من الأسئلة المعادة والمكررة حول علاقة الوطنية بالديمقراطية، وعلاقة العسكر بالسياسة، وحجم التوغل الصهيوني في المنطقة، وتأثيره ودوره.

الأمر ذاته مع الإنقلاب “الدستوري” في تونس، التي تحيط بها المخاطر من كل جانب، والمخاوف من تدهور الأوضاع، والإنزلاق إلى مالا تحمد عقباه، وذلك بسبب فشل النخبة السياسية وصراعاتها وأجنداتها، قبل أن يطيح بها (قيس سعيد)، الذي دفعه جنوحه إلى تحريك دعوى قضائية ضد أول رئيس بعد الثورة، المنصف المرزوقي، وهو المناضل السياسي والحقوقي الصلب الذي قارع بشجاعة نظام بن علي، والطلب من الإنتربول الدولي جلبه وإحضاره، لموقفه الرافض لتجاوزات قيس سعيد، متهمًا بجرم الخيانة العظمى.!!

ماحصل في تونس، البلد الوحيد الناجي من العنف والدم من دول الربيع العربي يطرح أسئلة عديدة عن قابليتنا للديمقراطية، وآلياتها، وحدودها، والأهم أولويات الحالة الوطنية ومقتضياتها، وتقدمها على الحزبية والأيديولوجيا، وغير ذلك من الأسئلة في نقاش مفتوح على مصراعيه.

غير بعيد عن ذلك غموض العملية السياسية الليبية، وما إذا كانت الإنتخابات الرئاسية المقررة في 24 كانون الأول/ ديسمبر من هذا العام ستجري في موعدها أم لا، وهل سترضى كافة الأطراف بها، وبنتائجها، أم أن الأمور ستذهب إلى مزيد من العنف الذي قد يدفع إلى تقسيم البلد على أساس مناطقي وقبلي.؟!

أيضًا، إخفاق “ثورة تشرين” في لبنان في تحقيق الحد من مطالبها، إن لم يكن بالإطاحة بهم (كلهن) فببعضهم، وخلخلة نظام المحاصصة الطائفية، في ظل استمرار حالة الإستعصاء التي يفرضها حزب الله، وحلفه، ومن خلفهم إيران، خصوصًا بعد الأزمة الجديدة والناشئة مع المملكة العربية السعودية، ومعظم دول الخليج المتضامنة معها، وسط الكم الهائل من الأزمات الإقتصادية والإجتماعية التي لاحدود لها.

بالرغم من كل ذلك الفشل والإخفاق والتراجع ثمة ما يثير آمالًا كبيرة لدى الشعوب العربية وقواها الساعية للتغيير، تتعدى الإيمان والقناعة بحتمية انتصار الشعوب، وطبيعة المسار التاريخي في عجلته الدائرة نحو الحرية والكرامة الإنسانية والتعددية، بالرغم من هيمنة القوى العالمية التي تحاول جاهدة إبقاء نفوذها وسيطرتها على كل مفاصل الإقتصاد والسياسة الدوليتين،  فقد كان لنتائج الإنتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق صداها الواسع في عموم المنطقة، حيث انحسر نفوذ “الولائيين” بفضل “ثورة تشرين” التي يقول عنها ثوارها وقادتها أنها (ثورة وعي جديد) يمكن أن تتطور مستقبلًا للإطاحة بمعظم جماعات إيران وميليشياتها، وركائز مشروعها، ولعل محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يوم 7 نوفمبر/ تشرين ثاني، الحالي، ونزول قطعان هذه الجماعات للشوارع وتهديداتها المتكررة باللجوء إلى العنف والفوضى دليل واضح على غضبها وخوفها مما أفرزته الإنتخابات، التي من المتوقع معها تبدل الخريطة السياسية وتموضع القوى فيها.

لقد وصل تحدي “ثوار تشرين” للمشروع الإيراني وملحقاته في العراق، تزامنًا مع الذكرى الثانية للثورة، لرفع دعوى أمام القضاء العراقي ضد آية الله خامنئي المرشد الأعلى لجمهورية إيران، الذي يعتبره أصحاب الدعوى (رأس الأفعى) في كل ما يدبر ويحاك للمنطقة برمتها، وما كان لثوار تشرين أن يصعدوا من نضالهم بكل هذه الشجاعة، رغم المخاطر التي تتهددهم على المستوى الشخصي من الإغتيال والتصفية، لولا إيمانهم بقدرتهم على إلحاق هزيمة بالمشروع الإيراني متسلحين بخبراتهم الطويلة، التي راكموها خلال السنوات الماضية، من المواجهة في كل الميادين، وعلى مختلف الصعد، زادهم “عودة الوعي” إلى مايظن زورًا وبهتانًا أنها قاعدة مشروع ايران الفارسي_ الصفوي، وهنا حري بكل القوى الثورية العربية المناهضة للمشروع الإيراني أن تتلقف دعوة ثوار تشرين للتصدي لهذا المشروع وتشكيل جبهة مقاومة عريضة من بغداد الى صنعاء.

كما أن الثورة السورية، وقواها المتعثرة، ما تزال، إلى الآن، بالرغم من كل ما حاق بها، وما تتعرض له، لم تفقد بوصلتها، ولم تقدم تنازلات كبرى تحيد فيها عن أهداف الثورة البكر في الحرية والكرامة الإنسانية، وزوال نظام الأسد مع كافة الإحتلالات التي جلبها أو كان سببًا فيها، ولا يفوت السوريون حدثًا أو فرصة دون التأكيد على ثوابتهم، وتجديد إيمانهم وعزيمتهم على مواصلة طريقهم الطويل والشاق، رغم إدراكهم لتعقد قضيتهم وطول أجلها.

اعتقد البعض أن ثورات الربيع العربي قاطبة فشلت، وانتهت بتحديد تواريخ وحوادث جرت مخيبة للآمال، ولكن ذلك كله لايمثل الحقيقة كاملة، ففي كل البلدان التي ضربها زلزال الثورات العربية وفجر فيها براكين الغضب الشعبي لم تحسم الصراعات الدائرة، وما تزال الجماهير تقاوم وتقارع الإستبداد والطغيان ، ومن غير المتوقع أبداً أن تعود المنطقة الى ماكانت عليه قبل 2010 لأي قارئ للتاريخ ومتبصر بقوانين حركته، وواع لحركات مد وجزر الشعوب.

تخفت جذوة النضال العربي في مكان وتتوهج في مكان آخر، ولكنها لا تنطفئ أبدًا، وهذا حال الأمم والشعوب العظيمة، الحية، التي لاتموت.

المصدر: اشراق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى