ما بين سياسة الكيل بمكيالين والتماهي الأميركي حيال نظام الأسد || العدالة في سورية إلى أين؟

مع ازدياد الانتهاكات والجرائم التي تقوم بها ميليشيات “قسد” الإرهابية التي تمثّل الجناح العسكري لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي”، وفي ظلّ تغافل المنظّمات الحقوقية والدولية عن إدراج تلك الجرائم والانتهاكات ضمن تقاريرها الدورية، ما زالت الأصوات تتعالى بسراديب صنّاع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية التي تؤكّد الاستمرار بموقفها الداعم لتلك الميليشيات القنديلية الإرهابية.

وفي أحدث تصريح بتاريخ ٣ /١١ /٢٠٢١، قال المتحدث باسم البنتاغون جون كيزي خلال مؤتمر صحفي ردّاً على سؤال وُجّه له حول الدعم الأمريكي للمسلّحين الأكراد في ظلّ التهديدات التركية بشنّ عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري، قال: “إنّ موقفنا من التعاون مع قوات سوريا الديموقراطية لم يتغيّر، وإنّ حكومة بلادنا مستمرّة بالتعاون معها وتقديم الدعم لها”.

وتُعدّ الولايات المتحدة من أكبر الداعمين لميليشيا قوات سوريا الديموقراطية التي تمثّل “وحدات حماية الشعب” العمود الفِقري لها، إذ تسيطر تلك الميليشيات الإرهابية ومن خلال الدعم الأمريكي لها على مساحات شاسعة شمال شرقي سوريا، فيما يعاني الكثير من سكّان تلك المناطق المسيطَر عليها من ميليشيا “قسد” الإرهابية من انتهاكات وجرائم ترتكبها بحقّ المدنيين غن طريق اتهامات جاهزة ومُقَولَبة، وتهدف إلى إسكات وتصفية كلّ المعارضين لسياساتها وإجبار الآخرين على الهجرة من مناطق سيطرتها؛ استكمالاً لسياسة عمليات التغيير الديموغرافي والسكاني التي تنتهجها تلك التنظيمات الإرهابية شمال شرقي سوريا والمدعومة دولياً، ناهيك عن جرائم التغييب القسري والإعدامات الميدانية بحقّ المعارضين لها وجرائم التجنيد الإجباري للأطفال القاصرين، من خلال خطفهم وزجّهم في معسكرات لتلقّي التدريبات الأولية تمهيداً لدفعهم إلى جبهات القتال.

إنّ كلّ تلك الجرائم التي ترتكبها ميليشيا “قسد” الإرهابية على مسمع ومرأى المجتمع الدولي ومنظّماته الحقوقية لا تزال في منأى عن معظم التقارير الدورية التي تصدرها تلك المنظّمات، بسبب سير تلك المنظّمات بسياسة الكيل بمكيالَين.

ولا يخلو الأمر من بعض التقارير الخجولة عن جرائم تلك العصابات الإرهابية الانفصالية التي تقوم بإعدادها منظّماتٌ غير حكومية ما بين الفترة والأخرى، وتظهر فيها مدى خطورة الجرائم والانتهاكات التي تقوم بها تلك التنظيمات الإرهابية الانفصالية ومدى تأثيرها على مستقبل سوريا في المدى المنظور والمتوسّط والبعيد.

ومن تلك التقارير القليلة والتي تصدر وتتصدّى لانتهاكات وجرائم “قسد” تقرير “المرصد الأورو متوسطي” الذي يتخذ من مدينة جنيف السويسرية مركزاً له، والذي أدان جريمة قصف مستشفى الشفاء بمدينة عفرين بريف حلب الشمالي، إذ أسفر ذلك القصف الذي قامت به مدفعية ميليشيا “قسد” الإرهابية عن استشهاد وإصابة عشرات المدنيين بينهم كوادر طبية ومسعفون، فقد طالب المرصد المتوسطي بفتح تحقيق بتلك الجريمة النكراء التي قامت بها تلك التنظيمات الإرهابية القنديلية الانفصالية، لما تمثّله تلك الجريمة من انتهاك واضح وصارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني والتي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، كما دعا أيضاً إلى إنشاء آليات للمسائلة والمحاسبة تكون فعّالة لعدم تكرار مثل ذلك الحادث الأليم، وطالب مجلس الأمن والأمم المتحدة بالتدخّل بطريقة حاسمة من أجل وضع حدّ للجرائم المتكرّرة التي تقوم بها تلك العصابات المجرمة.

وقد أوضح المركز الأورو متوسطي لحقوق الإنسان أيضاً بأنّ ميليشيا “قسد” الإرهابية ترتكب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية بحقّ آلاف السوريين شرقي البلاد وبغطاء من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وأنّ تلك الجرائم والانتهاكات لا تزال مستمرّة وحتى هذه اللحظة.

ومن أخطر تلك الانتهاكات والجرائم حالياً هو التجنيد الإجباري للأطفال والإعدامات الميدانية والاختفاء القسري، وقد ألمح المرصد الأورو متوسطي إلى أنّ كلّ تلك الجرائم التي تقوم بها ميليشيا “قسد” الإرهابية في المناطق التي تسيطر عليها تجري وسط صمت غير مبرَّر من المجتمع الدولي، بل إنّها تحظى بدعم وغطاء من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة التي تقدّم الدعم العسكري واللوجستي لتلك الميليشيا منذ تأسيسها.

وفي ظلّ ذلك الواقع الصعب والمؤلم من تغافل المجتمع الدولي ومنظّماته الحقوقية عن جرائم عصابات الأسد وميليشيات إيران الطائفية ومرتزِقة روسيا الإجرامية، إضافة لجرائم تنظيمات قنديل الإرهابية وجميعها ترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانية حسب قواعد القانون الدولي واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، وفي ظلّ التماهي والصمت الدولي حيال ذلك، يطالعنا تقرير حقوقي صادر عن منظّمة “هيومن رايتس ووتش” يتّهم فيه فصائل المعارضة السورية وتركيا باعتقال 63 مواطناً من شمال شرقي سوريا ونقلهم إلى أنقرة لمحاكمتهم تعسّفياً بتهم قد تصل عقوبتها إلى السجن مدى الحياة (حسب ما جاء في نص التقرير)، واصفاً وجود القوات التركية في سوريا بقوات الاحتلال، متّهماً إيّاها بمخالفة قواعد اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.

في مناقشة تقرير “هيومن رايتس ووتش” من الناحية القانونية والموضوعية:

إنّ وجود القوات التركية في سوريا كان استجابة لمتطلّبات الشعب السوري الذي يتعرّض لهولوكست إجرامي تقوم به عصابات الأسد وإيران وروسيا، من خلال القصف الجوي والبرّي على جميع المرافق المدنية من مستشفيات ومدارس وأحياء سكنية، وكذلك استجابة لطلب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة المعترَف به سياسياً من كثير من الدول كممثّل شرعي وحقيقي للشعب السوري. فإنّ الائتلاف السوري هو من طلب من الحكومة التركية التدخّل وإرسال قوّاتها إلى الأراضي السورية للمساعدة في وقف الهجوم البربري والإبادة الجماعية التي يتعرّض لها السوريون في مناطق الشمال السوري بواسطة آلة القتل الروسية والإيرانية وعصابات الأسد وميليشياته، ممّا يجعل الوجود العسكري التركي على الأراضي السورية لحماية المدنيين والحدّ من الانتهاكات الواقعة عليه والذي جاء بطلب من الممثّل الحقيقي للشعب السوري (الائتلاف) هو مسألة شرعية وتحظى بمشروعية قانونية.

لا شكّ أنّ الحالة السياسية التي تنتهج أسلوب الكيل بمكيالين واضحة في تقرير منظّمة “هيومن رايتس ووتش” والذي لم يتعمّق في تفاصيل جرائم هؤلاء المجرمين الإرهابيين وأعمالهم التي أودت بحياة الكثير من الناس المدنيين، وذلك بزرع العبوات الناسفة وعمليات الاغتيال التي طالت الكثير من عمّال الإغاثة والكوادر الطبية، إضافة لاستهداف الجنود الأتراك على الأرض السورية، الجنود الذين أسهموا في نشر الاستقرار والأمان في كثير من المناطق التي يوجدون وينتشرون فيها.

وإنّما اقتصر تقرير منظّمة “هيومن رايتس ووتش” فقط وللأسف على الحالة الشكلية دون الدخول بتفاصيل هؤلاء الإرهابيين، ممّا يجعل تقرير هذه المنظّمة قاصراً ومسيّساً وبعيداً عن الواقع ومجافياً للصواب ويفتقد إلى النزاهة والشفافية التي يجب أن تكون قائمة في حيثياته، إضافة إلى الكثير من المغالطات المادية التي تضمّنها تقرير منظّمة الهيومن رايتس من حيث العدد والأسلوب.

في الوقت الذي تقصف فيه عصابات قنديل الإرهابية المستشفيات بريف حلب، وتقصف فيه الميليشيات الإيرانية وقوات الاحتلال الروسي وعصابات الأسد المجرم وميليشيات حزب الله اللبناني الإرهابية مدارس الأطفال في مدينة أريحا وإدلب والذي تسبّب في مقتل وجرح الكثير منهم، في هذا الوقت الذي تنهمر فيه صواريخ الطيران الروسي محوّلةً أجساد أطفال سوريا إلى أشلاء، وفي الوقت ذاته الذي تصفّي فيه عصابات الأسد المعتقلين وتكدّسهم في مقابر جماعية تحتوي عشرات الألوف من الجثث.. في هذا الوقت تتخذ هذه المنظّمات الحقوقية الدولية التي تدّعي مبادئ وشعارات حقوق الإنسان إضافة لمؤسّسات المجتمع الدولي وضعيةَ الصامت متقمّصةً شخصية الأعمى حيال تلك الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية.

ختاماً: يتساءل السوريون في ظلّ التماهي الأمريكي والأوروبي في الملفّ السوري وغياب أيّ رؤية إستراتيجية لفرض حلّ سياسي عادل في سوريا وانتهاج سياسة الكيل بمكيالّين من المجتمع الدولي حيال ما يجري في سوريا.. يتساءلون: العدالة في سوريا إلى أين؟

 

المصدر: التوجيه المعنوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى