تُثير جملة “لن يمضي الاغتيال بلا عقاب” الواردة في بيان الرئاسة الجزائرية رداً على قصف القوات المغربية شاحنات جزائرية ما أدى إلى مقتل ثلاثة مدنيين من رعاياها يعملون في مجال النقل على خط ورقلة الجزائرية – نواكشوط الموريتانية، مزيداً من التساؤلات والنقاش حِيال طبيعة هذا الرد وآليات تطبيقه، وإن كان يتضمن تحركاً عسكرياً، تستبعده بعض النخب السياسية والثقافية الداعية إلى التهدئة والتعقل.
مراسلات دولية
وفي غياب بيانات رسمية إلى الآن، حول الرد الجزائري، تقود الدبلوماسية الجزائرية سلسلة من الاتصالات مع هيئات دولية لـ”إدانة” القصف المغربي، الذي جاء عشية احتفال الجزائر بالذكرى 67 لاندلاع الثورة التحريرية المصادفة في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) من كل سنة.
ووجّه وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، رسائل إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يوسف بن أحمد العثيمين. وقال لعمامرة إن “المغرب قام بجريمته في فضاء إقليمي لا حقوق له فيه، مستخدماً فيها أسلحة قاتلة متطورة لعرقلة حركة المركبات التجارية”، ومشدداً على “استعداد الجزائر وقدرتها على تحمل مسؤولياتها في حماية مواطنيها وممتلكاتهم في كل الظروف”.
والتقى لعمامرة أيضاً سفراء هذه الهيئات الدولية المعتمدين في الجزائر، حسبما أفادت وكالة الأنباء الجزائرية. وتابع في مراسلاته أن “العدوان المغربي ينذر بمخاطر وشيكة على الأمن والاستقرار في المنطقة”.
الخيار العسكري والبعد الاقتصادي
وفي هذا السياق، يقول الباحث الجزائري نوري إدريس: “يبدو أن الجزائر اختارت القنوات الدبلوماسية للرد، فوزير الخارجية رمطان لعمامرة أشار إلى مراسلته هيئات دولية وإقليمية بخصوص الاعتداء. ولا أرجح أن يصل الأمر إلى المواجهة العسكرية أو حتى إلى عمل عسكري محدود”.
وأضاف إدريس لـ”النهار العربي” أن “الجزائر أكثر حكمة من أن تلجأ إلى هذا الأمر، لأن هدف العملية الإجرامية في الأصل هو استفزاز الجزائر وجرّها إلى ارتكاب الأخطاء”، ويوضح أنه “مع ذلك أعتقد أن الجزائر أدركت أيضاً أن الهدف من العملية هو قطع الطريق أمام تصدير السلع الجزائرية إلى موريتانيا وغرب أفريقيا، وهنا قد يكون الرد عسكرياً في المستقبل في حال تعرض قوافل أخرى للاعتداء”، إذ يعتقد متابعون أن الهجوم المغربي هدفه عرقلة انفتاح الجزائر على السوق الأفريقية، خصوصاً مع موريتانيا في ظل انتعاش خط الجزائر – نواكشوط الاقتصادي.
تضامن داخلي
وفي ظل صمت المجموعة الدولية على حادثة “القصف”، تتّكئ الدبلوماسية الجزائرية على الرأي العام الداخلي والأحزاب وفعاليات المجتمع المدني التي أعلنت مساندة أي خطوة قد تتخذها الرئاسة حيال الرباط.
واعتبرت جبهة القوى الاشتراكية، وهي أقدم حزب معارض في البلاد، “العمل العدائي البالغ الخطورة مغامرة وانتقالاً كيدياً إلى أعلى مستويات الاستفزاز والتي تحمل في طياتها خياراً عسكرياً يتحمل وحده الطرف أو الأطراف التي تقف وراءه كل العواقب التي تنتج عنه”.
وأشارت إلى أن “قصف مدنيين عزل، في هذا الظرف بالذات تفسيره الوحيد هو وجود نية مبيتة للأخذ بالأمور إلى التوتر والدفع بالمنطقة المغاربية إلى مستقبل مجهول”.
وبحسب الجبهة السياسية، فإن هذا “التحول المتسارع في التعاطي مع القضايا المغاربية الخالصة لا مسوغ منطقياً وأخلاقياً له، ومن شأنه أن يحوّل الحلم المغاربي إلى كابوس مخيف ستكون تداعياته وخيمة على كامل شعوب المنطقة”.
ومن جهته، يعتقد رئيس حزب “جبهة المستقبل” عبد العزيز بلعيد (مرشح سابق للرئاسة) أن المغرب يتطلع بهذه التحرشات لاستدراج الجزائر إلى الخروج من الرزانة الدبلوماسية. فيما وصف الأمين العام لحزب “جبهة التحرير الوطني” (الحاكم سابقاً) أبو الفضل بعجي، مقتل 3 جزائريين بـ”الاعتداء الجبان والدنيء”، مضيفاً أن “تحامل نظام المخزن على بلاده ما هو إلا نتيجة موقفها الرجولي في دفاعها المستميت عن الشعب الصحراوي وأيضاً الدفاع عن القضية الفلسطينية واسترجاع دورها الإقليمي في مالي وليبيا”.
ودان الاتحاد العام للعمال الجزائريين، وهو أكبر تنظيم عمالي في البلاد، ما وصفه بالهجوم المغربي “الجبان”،قائلاً إن “هذه الجريمة لم يذهب ضحيتها المواطنون الثلاثة فقط بل كل المنطقة لأنها ستصبح معزولة بسبب خطر الهجوم وستصير بؤرة توتر ومنطقة عبور للجريمة بدلاً من التبادل الحر الذي كانت تضمنه الجزائر والجارة موريتانيا”.
وفي قراءة تحليلية، أكد الدبلوماسي والوزير السابق عبدالعزيز رحابي أن المغرب اتخذ خيار التصعيد العسكري ويتحمل المسؤولية الكاملة عن تصرفاته وعواقبها على السلم واستقرار المنطقة، معتبراً أن خطورة الوضع تمنح رد فعل الجزائر كل شرعيته.
ويرى رحابي في منشور له على صفحته الرسمية في موقع “فايسبوك”، أن “العدوان العسكري الذي استهدف مدنيين جزائريين على الحدود الجزائرية وخارج حدود المغرب المعترف بها دولياً، هو استفزاز نابع من رغبة متعمدة في الانتقال من استراتيجية التوتر الدبلوماسي الدائم التي أظهرت حدودها إلى استراتيجية خيار العسكرة الكاملة لمسألة الصحراء الغربية”، مؤكداً أن “خطورة الوضع تمنح رد فعل الجزائر كل شرعيته، كما تبرر الإجراءات المناسبة التي سيتعين عليها اتخاذها”.
وأعلنت الجزائر في 24 آب (أغسطس) الماضي، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع جارها المغرب، جراء ما قالت إنها “سلسلة مواقف وتوجهات عدائية”، قبل أن ينتقل التصعيد إلى حظر الطيران المدني والعسكري المغربي فوق الأجواء الجزائرية، ووقف الجزائر ضخ الغاز إلى إسبانيا عبر خط الأنابيب المغاربي الذي يمر عبر الأراضي المغربية، بيد أن القصف الأخير الذي نفذته القوات المغربية أعطى للأزمة بعداً آخر غير متوقع.
المصدر: النهار العربي