من الصفوية إلى الصهيونية

د- عبد الناصر سكرية

ثمة تشابهات كثيرة في الأصول والمنطلقات والغايات بين كل من الحركة الصهيونية و الحركة الصفوية ..تشابهات لا تلغي الفوارق ولا تعني بالضرورة وحدة الأهداف لكنها وإستنادا إلى الوقائع الميدانية تنبىء عن كثير من مناطق الإلتقاء الذي يؤدي حكما إلى نوع من التناغم والتناسق وبالتالي الإلتقاء في المواقف والمواقع..أما ذلك الضجيج الإعلامي بما فيه من سباب متبادل فلا تشير التشابهات إلا لكونه ذرا للرماد في العيون وتعمية الناس عن معرفة الحقيقة لأن كلا الحركتين تعتمدان في كل أنشطتهما على الخداع والتضليل..

١ – كل حركة منهما ذات مشروع توسعي إمبراطوري يستهدف ارض العرب وبلاد العرب وتاريخ العرب..

الحركة الصهيونية كانت الوعاء التنظيمي لعمل سياسي وامني وعسكري  متكامل الابعاد لإنشاء كيان إستعماري في قلب الأمة العربية فكان إحتلال فلسطين وإقامة دولة ” إسرائيل ” لتكون قاعدة لمزيد من العدوان على الوجود العربي والتوسع وصولا الى إقامة ” إسرائيل الكبرى ” كإمبراطورية إستعمارية تهيمن على المصير العربي وتستثمر مقدراته البشرية والطبيعية كافة..

بالمقابل تسعى الحركة الصفوية وقاعدتها دولة الملالي في إيران إلى إقامة إمبراطورية فارس التي كانت تحتل أجزاء من الارض العربية قبل الإسلام وقبل أن يحررها العرب المسلمون فتسقط أمبراطورية فارس ويعتنق شعبها الإسلام منذ السنين الأولى من حكم الخلافة الراشدة..وحيث أنه لا يمكن عمليا وواقعيا إعادة بناء ” إيران الكبرى ” إلا على حساب الأرض العربية والوجود العربي الأمر الذي تترجمه دولة إيران – الملالي بإحتلال الأرض التي كانت تحتلها قبل الإسلام وأساسها العراق وبعض بلاد الشام واليمن والإدعاء بأنها تستعيد أرضا كانت لها قبل خمسة عشر قرنا من الزمان..

وفي هذا تلتقي مع الحركة الصهيونية في إستهداف الوجود العربي لإلغاء هويته التاريخية وكينونته الحضارية لإنشاء إمبراطورية نقيضة بديلة على أنقاضه..

٢ – الإدعاء التاريخي ..

تدعي الحركة الصهيونية ملكيتها التاريخية لأرض فلسطين والأرض الممتدة بين نهري النيل والفرات بحجة أن أجداد اليهود كانوا يقيمون فيها قبل اربع آلاف سنة وأنهم طردوا منها بالقوة وهم يريدون اليوم إستعادتها وتأسيس مملكة ” شعب إسرائيل ” الجديدة..

وعلى الرغم من أن اليهود الذين إحتلوا فلسطين ليسوا هم أحفاد بني إسرائيل ولا يمتون إليهم بأية صلة ؛ إلا أنهم يخفون مزاعمهم التاريخية بتلك الحقب الغابرة حيث أقام يهود في بلاد المشرق العربي..

أما إيران فحينما تدعي أن بلاد المشرق العربي تعود إليها فهي تستند الى حقبة تاريخية كانت أمبراطورية فارس تحتلها فعلا لكنها لم تكن إلا قوة إحتلال أجنبي لم يلبث أهل البلاد الأصليين أن طردوها وحرروا بلادهم منها..وهذا لا يعطيهم أي حق بالعودة الى إحتلالها مجددا ولذلك فهم يحاولون إخفاء أطماعهم بإدعاءات دينية مزيفة..

٣ – التستر بالدين : ففي حين تتغطى الحركة الصهيونية بالكتب الدينية اليهودية بكل ما فيها من تشوه وتزييف لتبرير اقامة سلطتها على اساس ديني فتدعي أنها تعبر عن تطلعات ” الشعب اليهودي ” لاقامة دولته الدينية اليهودية الخالصة ؛ فنجحت حتى الآن في إغتصاب فلسطين وإقامة دولتها الدينية المغلقة كما في إثارة المشاعر والغرائز الدينية لدى معظم اليهود وتحويلها إلى عصبية عنصرية موجهة ضد كل ما هو عربي لإلغاء وجوده وطمس هوية أرضه..

فإن الحركة الصفوية تماثلها وتجاريها في التستر بالدين ليس لبناء مجتمع مسلم موحد متماسك بل لتشكيل عصبية مذهبية إنقسامية شعوبية معادية للعرب والعروبة ولوحدة مجتمعها التاريخي المتماسك..

واذا كانت إدعاءات الصهيونية مخالفة تماما لشرع الله اليهودي كما جاء في التوراة غير المحرفة ؛ فإن الصفوية خرجت عن تراث وقيم كربلاء والتشيع الإيماني وحب آل البيت لتجعل منها غطاء لحقد شعوبي دفين على العرب ورغبة جامحة في الإنتقام منه وتخريب بلادهم وطمس هويتهم..

٤ – المظلومية :

حيث أن الحركة الصهيونية قد برعت في تضخيم الظلم الذي تعرض له اليهود في الغرب الأوروبي والمبالغة في تصوير نتائجه الكارثية عليهم وإضطهادهم لتستخدم هذه المشاعر وتوظفها في نفس اليهودي حقدا ورغبة في الإنتقام لا حدود لها تبرر له كل ما يقترفه من عدوان وجرائم بحق شعب فلسطين العربي وكل عربي أينما كان ..بالمقابل تغالي الصفوية في تضخيم مظلومية الحسين وآل البيت لتؤسس لمشاعر عميقة حاقدة ورغبة دفينة في الانتقام ثم توظف مثل هذه المشاعر لقتل العرب والانتقام منهم بحجة الثأر تحت شعار يا لثارات الحسين وسواه من الشعارات التضليلية المسيسة بخلفية المظلومية التاريخية والدينية وترجمتها إلى إنتقام وعدوان على جمهور المسلمين العريض في بلاد المشرق العربي واليمن وكل ارض عربية..

٥ – تعمد الصهيونية إلى إختراع المزارات والمقامات والنبش في الآثار  بحجة أنها شواهد على وجودهم التاريخي في فلسطين وبلاد العرب لتكون ذريعة لمد سلطتها إليها ؛ فإن الصفوية تتبع ذات الخطى بإدعاء وجود مقامات دينية لرموز مسلمة عربية من أبناء الحسين أو الإمام علي في كل مكان تريد السيطرة عليه فتمد تواجدها اليها اولا بالتوسع الجغرافي لتكون لها رأس جسر للعبور السياسي ثم مراكز لنشر الفكر الصفوي بحجة التشيع لآل البيت..

٦ – الانفصال المجتمعي :

حينما قامت الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر كانت الغالبية الساحقة من اليهود قد إندمجت في مجتمعاتها الوطنية وإكتسبت صفة المواطنية في البلدان التي تقيم فيها ؛ فراحت الصهيونية تعمل بكل وسائل الضغط والإكراه من جهة والتحريض والإغراء من جهة ثانية لتفكيك إنتماء اليهود إلى أوطانهم وزرع شعور إنفصالي فيهم تمهيدا لسيطرتها عليهم  نفسيا وثقافيا وفكريا ليسهل عليها التحكم بهم ثم إجبارهم على الهجرة الى فلسطين لإغتصابها وإستعمارها..

وهذا بالضبط ما تفعله الصفوية بالشيعة العرب فتعمل بكل الوسائل أيضا ، ضغط وإكراه ثم تحريض وإغراء لسلخهم عن إنتمائهم العربي وزرع شعور الأقلية فيهم  الغريبة عن مجتمعاتهم الوطنية ليسهل عليها السيطرة عليهم واستخدامهم لتحقيق مشروعها السياسي الإمبراطوري الكبير على أنقاض العرب ..فيكونوا جسر عبور لها الى قلب المجتمع العربي الذي هم من أبنائه..

٧ – وكما أن الصهيونية نشأت في كنف النظام الرأسمالي العالمي المعادي للامة العربية ورعايته المباشرة لها فإن الصفوية نشأت في كنف ورعاية النظام الرأسمالي العالمي ذاته وفي وقت مبكر وسابق على ظهور الصهيونية حينما أوصلت  بريطانيا اسماعيل الصفوي إلى حكم إيران ورعته وهو الذي أسس حكم الأسرة الصفوية وفرض على إيران التحول إلى  المذهب الشيعي  لتكون شوكة تحارب السلطنة العثمانية ذات المذهب السني..وكما ان هذا النظام كان وراء إقامة دولة ” إسرائيل ” فهو كما يرى الكثيرون قد ساهم في إفساح المجال لإقامة سلطة دينية بشعارات الثورة الإسلامية.. وما سير الأحداث والوقائع إلا تأكيد على تلك الرعاية رغم كل ما يقال من كلام إستهلاكي لتمكين السلطة الدينية من أداء دورها المفيد لمصالح الغرب الإستعماري..

وإذا كانت الصهيونية قد نجحت في تزوير التاريخ الديني لبني إسرائيل الحقيقيين فإستقطبت أغلبية يهود العالم إلى تفكيرها وإغراءاتها المالية والإقتصادية والإعلامية ؛ ونجحت إلى حين في إقامة دولة دينية عنصرية مغلقة في فلسطين المحتلة  ؛ فإن الصفوية نجحت أيضا في إقامة دولة دينية مذهبية مغلقة في إيران  لكنها لم ولن تنجح في إستقطاب الشيعة العرب ونزع إنتمائهم الوطني والقومي وإلحاقهم بالمشروع الصفوي الإيراني المعادي لأمتهم العربية..

وعلى الرغم من جهودها الجبارة لتشويه التشيع العربي الأصيل المؤمن الملتزم بأمته العربية وقيمها النبيلة ؛ فإن الصفوية لم ولن تنجح في فرض عقيدة التشيع الصفوي المزيفة الباطلة على الشيعة العرب مهما بذلت من ضغوط أو قدمت من إغراءات ومصالح آنية ومهما حاولت العبث بالمجتمعات العربية او تخريبها وتخريب هويتها القومية..

وكما أن فلسطين ستعود إلى أهلها عربية خالصة ؛  فإن كل تشويه في التاريخ المشرف للتشيع العربي الخالص مصيره إلى السقوط والإنحدار وما الشيعة العرب إلا في طليعة الملتزمين بدينهم القويم وعروبتهم السليمة مهما استخدموا عليهم من وسائل الفتنة والتحريض المذهبي والعرقي والعنصري.

المصدر: كل العرب

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى