الروس يمسكون مزيدا من الخيوط المتعاكسة: لبنان تحت تأثير فصل جديد من الصراع في سورية

د. فادي شامية

رغم تحالفها مع إيران وميليشياتها على الأرض السورية، دعما لتثبيت نظام بشار الأسد في وجه معارضيه، إلا أن روسيا سمحت لـ “إسرائيل” بتنفيذ غارات جوية مستمرة تستهدف الوجود الإيراني في سوريا. صاغ هذا الاتفاق رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو مع صديقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، منذ بدايات التدخل الروسي في سوريا عام 2015. بموجب الاتفاق تقوم “إسرائيل” بتنفيذ هجمات جوية على كل ما تعتبره مساً بأمنها، بعد إبلاغ الجانب الروسي، دقائق قبل تنفيذ الهجوم، “منعا للتضارب”. الشرط الوحيد هو عدم المس بأمن الوجود الروسي في سوريا.

ورغم أن روسيا باعت النظام السوري منظومة  S-300 في العام 2018 (اعتبر النظام وحلفاؤه وقتها أن السماء السورية باتت محرمة على الطيران الإسرائيلي) إلا أن المنظومة ظلت ممسوكة من الروس.. واستمرت الهجمات التي طالت مقاتلين وخبراء إيرانيين وغير إيرانيين. وقد جرت العادة أن يعقب تنديد روسي، بعد كل هجمة إسرائيلية “كبيرة”!

وبما أن لـ “حزب الله” تواجده العسكري في سوريا، فقد طالته هجمات عديدة، أزهقت أرواح عدد من مقاتليه، وفي 25/8/2019 على إثر استهداف عنصرين من الحزب؛ أضاف السيد

 حسن نصر الله إلى قواعد الاشتباك؛  المعادلة الآتية: “إذا قتلت إسرائيل أياً من إخواننا في سوريا نحن سنرد على هذا القتل في لبنان وليس في مزارع شبعا”.

ولتأكيد هذه المعادلة قامت مجموعة من الحزب باستهداف آلية إسرائيلية، عبر الحدود مع لبنان، بعد أيام على توعد نصر الله بالرد. لم يُسقط الهجوم قتلى في الجانب الإسرائيلي، ولا جرحى، لكنه ثبّت المعادلة التي أعلنها نصر الله، أقله من وجهة نظره.

 في 20/7/2020 استهدف الطيران الإسرائيلي مطار دمشق بغارة أدت إلى مقتل عنصر للحزب. طالب نصر الله “إسرائيل” بالوقوف على “إجر ونصف” بانتظار الرد، لكن هذا الرد لم يحصل، ومن غير المعروف أن الغارات الإسرائيلية التي أعقبت ذلك قد استهدفت مقاتلين للحزب أم أنها تجنبت ذلك.

في 22 الجاري، نجح رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت في تجديد الاتفاق الذي أبرمه سلفه نتنياهو مع الرئيس بوتين، معلنا من سوتشي أنه توصل مع الروس إلى تفاهمات “جيدة ومستقرة بشأن سوريا” وأنه وجد “لدى الرئيس بوتين أذنا صاغية لاحتياجات إسرائيل الأمنية”، فيما أعلن الإعلام الإسرائيلي أن بينيت أكد لبوتين أن الهجمات التالية ستركز على مقاتلي الحزب في القنيطرة ودرعا على وجه التحديد.

المثير للاهتمام أن موسكو التي دعمت اللواء الثامن في الجنوب السوري للحد من النفوذ الإيراني؛ اتخذت قرارا مفاجئا بحله (يعد نحو عشرة آلاف مقاتل رفض معظمهم الالتحاق بجيش النظام)، تاركة المجال أمام صراع إسرائيلي – إيراني مباشر، فيما تنتقل هي إلى دور الحكم الذي لن يسمح بانفلات التوترات المحتملة، سيما أن “إسرائيل” هي ثاني أكبر شريك تجاري لروسيا في المنطقة بعد تركيا، كما أنها شريكة في حماية مشروع أنابيب الغاز الذي يفترض أن يصل إلى لبنان من مصر عبر سوريا، والذي هو– في جزء منه بالحد الأدنى- إسرائيلي المصدر (وافقت الولايات المتحدة على استثناء هذا الغاز من قانون قيصر).

وخلال شهر آب/أغسطس الماضي شجعت “إسرائيل” الروس على تسهيل دخول قوات النظام السوري إلى درعا، وأقنعت الولايات المتحدة بصوابية هذا الخيار، لاعتقادها أن من شأن ذلك تأمين مرور خط الغاز إلى لبنان، دون أي تخريب أو خضات أمنية، ويبدو أن تتمة الاتفاق كتبت في سوتشي حيث سيحد “تفهم” الروس للهجمات الإسرائيلية على مناطق تواجد “حزب الله”؛ من احتمالية تمدد عناصر الحزب تحت ستار جيش النظام.

وفقا لهذه المعطيات يصبح مفهوما معنى وهدف المنشورات التي ألقتها الطائرات الإسرائيلية قبل أيام على القنيطرة لتحذير السوريين وجيش النظام من التستر على عناصر “حزب الله”  الذي “يجلب لكم المعاناة والبلاء.. ويتحكم بكم ويستغلكم بالخفية والعلن”.

وتعتبر –عادة- المنشورات التي تلقى من سلاح الجو مقدمة لهجمات يجري التحضير لها من المستويين العسكري والسياسي بالتوازي مع تحضير الأرضية التعبوية، ما يعني عزماً واضحاً على استهداف عناصر “حزب الله” والمتعاملين معه في سوريا.

المفارقة أن هذا المعطى المستجد لن ينعكس سلباً؛ على الأوضاع في سوريا، وإنما على الأوضاع في لبنان. سيكون الملعب في سوريا، لكن حصد النتائج سيجري على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، مع ما لذلك من تأثير على الأوضاع الداخلية لبلد مأزوم ومفلس أصلا. وستكون الخيارات أمام “حزب الله”؛ إما عدم الإعلان عن خسائره وتالياً عدم الرد، أو الرد الشكلي على غرار عملية “أفيفيم” عام 2019، أو الرد المتكافئ، وفقا للمعادلة التي يحاول الحزب تثبيتها منذ أكثر من عامين، والاحتمال الأخير سيعني توتراً لا قِبل للبنان على تحمله، حتى لو بقي محدودا بفعل التوازنات والتدخلات الإقليمية والدولية؛ وفي القلب منها ثقل الحَكَم الروسي، الذي بات يمسك أطراف الخيوط مع الجميع.. لمصلحته.

المصدر: مركز امية للبحوث والدراسات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى