ناصر الظفيري روائي كويتي متميز، هذه اول رواية لأقرأها له. تبدأ الرواية بطريقة أشبه للخطف خلفا السينمائية، حيث نلتقي بالشاب اسماعيل الذي ينوي الذهاب للمدينة باحثا عن رجل ليقتله هو وعائلته، لأنه كان قد قتل أخاه يحيى قبل سنوات، صدمته سيارة و أسعف إلى المشفى، يتعرف على الدكتورة ضحا طبيبته وتبدأ أقدار أخرى بالتشكل.
تتحدث الرواية متابعة حياة اسماعيل في مدينة ما، في مكان ما، يرجح انها في الخليج، تتداخل الضواحي الزراعية مع المدينة. تبدأ الرواية من أسرة مؤلفة من الاخين يحيى الاكبر واسماعيل الأصغر، ووالدهما وامهما المريضة. الوالد يعمل في الأرض، كان يحب زوجته وأولاده يحيى وإسماعيل، سعيد بزوجته على مرضها وطفليه الذين يملآن حياته، يعمل شبه تاجر لديه مجموعة بيوت يعيش وعائلته على ريع إيجاراتها. الأولاد يكبرون يحيى بدأ يدخل في سن المراهقة، عند جيرانهم فتاة أعجبت بيحيى، صارت تتردد على بيتهم بحجة تقديم الطعام لهم، وبدأت تتقرب من يحيى، يحيى تتحرك فيه نوازع الحب و غرائز الجسد، تواعده الفتاة يلتقي بها صُدفا مصطنعة، بعض القبل واللمسات البسيطة. للفتاة اخ يعيش حياتين متناقضتين، الاولى انه متزوج ويعيش في مكان آخر مع زوجته، له تجارب غير اخلاقية وعلاقات نسائية سيئة، والثاني أنه كان حريصا على شرف عائلته و اخته تحديدا، فأصبح يترصدها و عرف بعلاقتها مع يحيى ابن جيرانهم، نصب له كمين ودعاه الى بيته على اساس انه يريد التفاهم معه، ويأتي ويستدرجه لغرفة حبيبته ويحاول أن ينزع عنه ثيابه ومن ثم قتله على سرير الحبيبة. جاءت الشرطة وشاهدت جريمة شرف. وقُتلت الفتاة بعد ذلك أيضا. حوكم الاخ وعوقب بثلاث سنوات حبس وزيدت بالاعتراضات القضائية بضع سنوات. فقد الأب ابنه يحيى في عملية غدر متقنة، الام التاعت مما حصل، الصغير اسماعيل افتقد اخيه، الاب قرر أن يثأر لدم ابنه يحيى. اعتمد على تنشئة الصغير اسماعيل ليكبر و ينتقم لأخيه. منذ لحظة قتل يحيى انقلبت حياة اسماعيل بالكامل، أخرجه والده من المدرسة، وبدأ معه مرحلة تدريب جسدي قاسي. كان الأب مأزوما أن ابنه قتل ولم يستطع أن يدافع عن نفسه. سيدخل اسماعيل في تحضير نفسي لتشرّب فكرة أن يتدرب ويكبر ويتمكن من الصراع واستعمال السلاح، وأنه ملزم أن ينتقم لدم أخيه المقتول ظلما. لن يكتفي الوالد بتدريبه الذاتي فقط، بل ألحقه بمعسكرات اعادة تأهيل شباب منحرفين او يحتاجون للتدريب ليحصلوا على قدرات جسدية للحماية الذاتية والقتال والفوز ان تطلب الامر ذلك. كبر إسماعيل وحصل على الخبرة واللياقة اللازمة للذهاب إلى الانتقام، والعودة إلى والده ليطفئ نار قلبه، ثم يجد له مخرجا بتهريبه خارج البلاد. ذهب اسماعيل لتنفيذ المهمة، لكن صدمة السيارة التي كادت أن تودي بحياته أجّل ذلك، هو الان بالمشفى تحت العلاج، التقى بالدكتورة ضحا كان له حواس فائضة مثل تذوق الرائحة، احسّ انه يعرفها سابقا وانها تعني له شيئا. ضحا الطبيبة الناضجة الغنية المعتدة على ذاتها، التي تمارس حياتها بنظام ودقة، تتعامل مع محيطها بفوقية وتعالي، لا تحب عالم الرجال، مكتفية بشبكة علاقات نسائية، لها فتاة اسمها عبير تعيش معها علاقة حب، عندها شاليه وفيلا وحوض سباحة، هناك مواعيد دورية تحضر الكثير من صديقاتها الى منتجعها لسهرات مجون نسائي متكرر كثيرا. وجدت ضحا في إسماعيل مريضها جاذبية خاصة لم تعترف انه حب، لكنها قررت ان تمتلكه كما تمتلك أي شيء تريده. بدأت بعلاجه من كسوره وجروحه ورضوضه، استمر الحال لاشهر. اسماعيل بدأ يعيش احاسيس انجذاب الى ضحا، لم ينس مهمته، لا بأس أن تتأجل قليلا، ضحا داومت على علاجه في المشفى ثم في الشاليه، وعندما شفي تماما اخبرته انها احبته، وهو كذلك احبها، وانها لن تتخلى عنه، أما عن ثأره فعليه أن ينساه، الحياة تحتاج أن تعاش وليس أن تَقتل وتُقتل فيها. تجاوب اسماعيل معها، تزوجا مارسا الجنس، اكتشف ان الجنس هو الحياة او مدخل الحياة الحقيقي، سرعان ما علم أن ضحا حاملة بطفله، هنا تغيرت نظرته للحياة ولم يعد معنيا بالانتقام، هناك حياة قادمة من صلبه عليه أن ينتظر مجيئها، وأن يحميها ويرعاها. والد اسماعيل انتظر كثيرا وابنه لم يعد، نار الثأر تحرق قلبه، ذهب للمدينة حام حول بيت الضحية المفترض وجدهم يعيشون حياتهم. أدرك أن ابنه إسماعيل قد خانه وتاه عن طريقه. عاد الى بيته مقهورا وسرعان ما مات حسرة. رحل ومعه همّه. امّ اسماعيل بقيت وحيدة مع المستخدم الاسيوي يتابع الاعمال، وتحلم أن يدخل عليها اسماعيل يوما، لأنه آخر ما تبقى لها من الدنيا. يكبر الجنين وتنجب ضحا طفلا يشبه أخاه يحيى. يذهب اسماعيل الى والدته ليخبرها، يعلم بوفاة والده، يخبر امه بزواجه وبطفله يحيى الصغير، الام تُسّر كثيرا بزواج ابنها وولده يحيى، تصّر أن ترى يحيى الصغير، وعندما تراه تتعلق به. ترتاح نفسها ان الله عوضها عن ابنها يحيى الفقيد، واعاد اليها اسماعيل بعد أن ماتت في نفسه فكرة الانتقام. لكن حسابات ضحا تختلف عن حسابات اسماعيل. لقد قررت أن تتخلص من إسماعيل بعد أن وهبها في لحظة حب ابنها يحيى، ستعطيه كل ما يريد وتأخذ طفلها، وتطلّق إسماعيل الذي لم يكن اصلا الّا رجل استثمرته جنسيا، وهي الان لم تعد بحاجة له، ستعود لحياتها السابقة وشلتها وحبيبتها عبير. اجتمعت باسماعيل حاولت التفاهم معه، لكنه رفض بالمطلق وقرر انه سيأخذ ابنه منها، تركها بشكل مؤقت لتشبع من طفلها، وغادرها لفترة من الزمن، ثم حمل مسدسه وجاء الى قصرها في ليلة تسلل إلى سريرها، أطلق عليها وعلى عشيقتها الرصاص بهدوء، أخذ طفله وغادر. تنتهي الرواية حيث يركض الطفل يحيى وراء اباه اسماعيل في الحقول وامهم تراقبهم بحب. ها هما يحيى وإسماعيل يلعبان جوارها.
في تحليل الرواية نقول: اننا امام رواية متميزة بالدخول الى عوالم شخصياتها بكل دقّة ودراية. تتابع تسلسل حياة اشخاصها بمنطق وتفهم، البشر مختلفين نعم لكنهم يتحركون وفق أقدار يختارونها هم لحياتهم. الرواية تتناول أبعاد نفسية واجتماعية مختلفة، الأسرة والبحث عن المعنى والتوائم والعطاء. العادات الاجتماعية وانعكاسها على حياة الناس. الحب بصفته المعنى الأسمى في حياة الناس وكيف يُعاش، أمراض التخلف وأمراض الغنى، ونتائج ان تعيش على هواك ودون ضوابط حياتية. تقاطع اقدار البشر وصراع اراداتهم، وعيش حياة ليست بالضرورة صحيحة لكنها الأرجح والممكنة في ذلك الوقت. الرواية مريحة في قراءتها، وفي الغوص في عوالم شخوصها. ليست سهلة من حيث استنتاج تصرفات شخوصها، لكنها منطقية بمسارها وفق حالات كل شخص فيها.
هي الحياة المعاشة، فيها الحلو والمر، الصحيح والخاطئ. لعلها تعلمنا من خلال قراءتها ماذا كان، وماذا كان يجب أن يكون، لتكون الحياة أفضل.