مضت سنين لاتشبه سنين الزمن بأوقاتها، فأوقات السوريين من دم، ومايزال بيع الوهم للسوريين مستمرًا، فابتدأ من بيع وهم التدخل الخارجي الذي باعته لنا المعارضة التقليدية يومها، ثم الدول لاسيما عقب الكيماوي والخطوط الحمر التي رسمها زعماء العالم على الخارطة السورية آنذاك، ثم الدعم العسكري بمستوى معين محدود كي لا يحسم المعركة وإنما يطيل أمد الصراع فقط وهو وهم الحسم غير المسموح، ثم وهم المفاوضات والحل السياسي منذ جنيف واحد وتبين أنهم يبيعونا الوهم فقط، ثم السلال الأربعة والبدء بسلة الدستور التي لم تنتج إلا أوهاماً، لكن الوقت كان ومايزال من دم وليس من دقائق وساعات.
ثم وهم الهدن التي تتهاوى فيها المدن والقرى ثم وهم المجلس العسكري والتسويات، والتي روج الكثير من بائعي الوهم من السوريين أنفسهم، ناهيك عن أوهام البعض من المتشددين أصحاب الإمارات والعناوين التي ظاهرها إسلامي وباطنها أمني كارثي، ووهم الزعامات والقيادات الورقية التي تذروها الرياح، وُجدوا بصدفة الدعم وزالوا بصدفة توقفه، ثم وهم الأحزاب والتيارات السياسية التي لا يتجاوز الحزب الواحد فيها بأحسن أحواله عدد طلاب الصف الواحد للمرحلة الابتدائية.!
والتي تتوهم أنها ستمارس دوراً عظيماً طالما الحل سيكون سياسيًا وقد يهبط حلاً هكذا من السماء، ولكن الحلول لم تهبط على الأنبياء لتهبط علينا نحن، وبقي الوهم في مشاريع التوحد العسكرية التي كانت واهمة، وماتزال مرتبطة بحسابات دون وطنية، ولا نزال نعيش وهم القيادة من بعيد والإدارة من بعيد، نريد حياة الأرستقراطية مع قيادة للكادحين الثائرين .!
ووهم الدورات والتدريبات عبر منظمات المجتمع (المدني) بزعم أن تلك الدورات والورش والتدريبات ستغير واقعنا المتآكل المتهالك ولم يبقَ لنا إلا إصلاح بعض الرتوش المجتمعية.!
ونحن نعيش بواقع تعجز الحروف والكلمات أن تصفه، ثم توهم الدول العربية أن النظام انتصر وبدأت الهرولة للتطبيع وإعادة المصالح والمناداة بعودته إلى الجامعة العربية، لولا بعض المواقف الصلبة لبعض الدول العربية لكان المجرم اليوم على كرسي الجامعة.!
توهم العرب أنهم يطبعون مع نظام الأسد وفي الحقيقة يطبعون مع إيران التي تحتل بشكل مباشر أو غير مباشر عدة عواصم عربية.!
ولا نزال نعيش الوهم وربما صدق كثير منا بعض هذا الوهم، لكن الكارثة إذا لم نستيقظ من هذا الوهم يوماً، لنصحو فنرى الحقيقة بعين مجردة، ولنجمع فلول القوى ونعيد ترتيبها وتنظيمها واستثمارها بيدنا لصالحنا نحن، لتكون القيادة وسط الناس وبين الناس تعيش معهم آلامهم وآمالهم، هل سندع الوهم يوماً ونجمع كل الطاقات والخبرات والكفاءات ونعيد صياغة أنفسنا صياغة حقيقية بما يتناسب مع هذا الواقع، لاسيما ونحن نرى التراجع في الموقف الدولي الذي يبيعنا الوهم، وإعادة النظام للأنتربول (الشرطة الجنائية الدولية) وإلى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية وإلى اللقاءات التي تمت مع وزراء بعض الخارجيات العربية، وتمهد لقضايا كثيرة لها علاقة بالتطبيع بالتدريج وربما نستنكرها ببيان نصدره على وسائل التواصل.!
إذا أردنا صنع حياة حقيقة واقعية فيجب أولاً أن نصحو من الأوهام بل نعيش الواقع بحقيقته المجردة ونرسم أهدافنا ونعمل بالمنطق الصحيح والسليم للوصول لأهدافنا، وإلا سنعيش مزيد من الإنتكاسات التي لم تتوقف.
تحترم الناس منطق القوة وليس فقط أن تكون على حق أو تكون قضيتك عادلة، فالبقاء للأقوى والأصلح فأهدافك تنتزعها انتزاعاً فلن توهب لك، وتكرار نفس الأدوات من الطرق والأشخاص لن تعطي نتائج مختلفة فهذا أيضاً من الوهم.
المصدر: إشراق