لماذا لا يستطيعُ السوريون العملَ بشكل جماعي؟

د- أحمد سامر العش

بعد ثلاثِ وجباتٍ دسمةٍ سببت عسرَ هضمٍ فكريٍّ لدى قرائنا ، آثرتُ تقديمَ وجبةٍ فكرية خفيفة يسهُلُ هضمُها، وتناسبُ جميعَ الجائعين للمعرفة والحالمين بمستقبل لايشبهُ واقعَهم.

يبدو سؤالُ المقالةِ محرجًا لكثيرٍ من الفاعلين بالشأن السوري ،لكنّ الأمرَ بكل تأكيد يتعدى الشعبَ السوريَّ ليشملَ المسلمين بشكل عام وأهل السنَّة بشكل خاص، والذي جعل أهلُ السنةِ بلغة الواقع أقليةً في بلادهم وإن كانوا يشكلون الأكثرية عدديا!

قد يبدو الجوابُ متمنعًا ممتنعًا بغياب حقيقةٍ صُلْبةٍ تفسرُ الواقع وإن تعددتِ التفسيراتُ. فلدى كلِّ مَنْ يقرأُ هذه الكلماتِ الآن تفسيرُه الخاصُّ، لكن لا يبدو وجودُ إجماعٍ على جواب شافٍ!يقنعُ الجميعَ وأنا منهم!

طفلتي الصغيرةُ شعرتِ البارحةَ بالرغبة في تقليدي بالكتابة، فاجأتني بفكرةِ قصةٍ ، الناسُ فيها يعيشون في قطرات ماءٍ متناثرةٍ كالتي تشاهدُها أثناء الاستحمامِ، منعزلين عن بعضهم بعضًا رغم عيشِهم في نفس البيئةِ المتشابهة في كل شيء (قطرات ماء) !

تبدو الفكرةُ ضربًا من الخيال لكنّها ربّما تعكسُ جزءاً من المعضلة والتوصيف الحقيقي لما نعيشُه كسوريين وكسنة في بلادنا.فكلُّ سوريٍّ ربما يعيشُ في قطرته الخاصةِ من أفكاره ومعتقداته وهواجسه وتحليله لواقعه ورؤيته للحل، لكن من الصعوبة بمكان أن تجدَ قدرةً أو رغبةً لدى أيِّ من هذه القطراتِ للاندماج مع بعضها بعضًا ،أو حتى أن تكونَ لديها القدرةُ أو الرغبةُ على تصنيف بعضِها بعضًا حتى تلاصق أقرانِها.

يبدو أن كلَّ سوري يعيشُ حالةً تشبهُ الُنوم مغناطسيًّا. حيث تجدُ الإنسانَ السوريَّ كأنه مُنوَّمٌ مغناطيسيًّا يأتمرُ بتعليمات مُنومِه لا بإرادته ودوافعِه الكامنة.

إن التفسيرَ العلميّ الأكثرَ واقعيةً عن التنويم المغناطيسي يعود لنظرية هيلغارد Hilgard. معرفةُ نظريةِ هيلغارد قد يساعدُنا على فهم سؤالِ المقالةِ بشكل مختلف.

فوفقًا لهيلغارد ، يعاني الأشخاصُ في حالة التنويم المغناطيسي من انقسام في الوعي حيث يوجدُ مساران مختلفان للنشاط العقلي عندما يخضعُ شخصٌ للتنويم المغناطيسي. فبينما يستجيب تيارٌ من الوعي لاقتراحات المنوم المغناطيسي(أخصائي التنويم) ، يقومُ تيارٌ آخرُ منفصلٌ بمعالجة المعلوماتِ خارج الإدراكِ الواعي للفرد المُنوم مغناطيسيًا (المريض).

يبدو أن تيارَ الإدراكِ الواعي المُوجه من قبل المنوِّم المغناطيسي (الأخصائي ) هو التيارُ السائدُ الظاهرُ الذي نراه في واقع حياتنا اليومية. والمنوم المغناطيسي هنا ربّما يتعدد في الأشكال والصور والصفات لدى السوريين وأهل السنة ، فقد يكون المنوِّمُ المغناطيسي المختصُّ : “المنظومةَ العالمية الحاكمةَ ،أو شهواتِنا الدنيوية والأنا المُتضخمة ،وربّما يكونُ المنوِّمُ الشيطانُ وظروفُ الحياةِ الصعبةِ، أو حتى ضيق الأفق والجهل …..الخ”.

أمّا على مستوى خارج الإدراك الواعي للسوريين وأهلِ السنة فنجدُ ربّما الكثيرَ والكثير من القدرة على التواصل والعمل المشتركِ كون ما يجمعُنا أكثر بكثير مما يفرقنا!

هذا يقودُنا بطبيعة الحال إلى السؤال التالي: متى نستطيعُ أن نستيقظ ونتحررَ من توجيهات خبيرِ التنويم المغناطيسي حتى نُخرجَ اللاوعيَ الذي يجمعُنا ويوحدُنا ويجعلُنا ننجحَ وننتجَ على الصعيد الجمعي؟ قد يكون العلمُ أو ربّما الدينُ أو المأساة أو الصدمة الشديد أو أشياء أخرى لا نعرفُها أو ندركُها أو حتى نستطيع تلمسها في وقتنا الراهنِ كمستبدٍ مستنير أو مجددٍ للدين … أو ربّما يكون اجتماعُ كلِّ ماسبق هو الحل المنشود.لكن يبدو لي أن إدراكَ المشكلةِ هو بدايةُ الحل ، فعلى الرغم من هول الكارثةِ الإنسانية التي يعيشُها السوريون وأهلُ السنة في كل أنحاء العالم مع صعودِ موجة الإسلاموفوبيا بعد أحداث ١١ سبتمبر ، لكنّ عددًا لا بأسَ به من السوريين وأهلِ السنةِ أدركوا اليوم يقيناً أنهم مُنوَّمين مغناطيسيًّا ويعيشون كأفراد منعزلين في قطرات ماءٍ متفرقةـ تأبى أن تندمجَ بتيار متدفقٍ يجرفُ كلَّ الآسان المتراكمةِ عبر قرونٍ من الركود الفكري والاجتماعي.

ومن هنا علينا كسوريين وأهلِ السنة أن نتلمسَ ونطلب النجدةَ لكي نخرجَ من جلسة التنويمِ المغناطيسي التي طال زمانها حتى تعفنَ الجسدُ الراقدُ في المستنقع وأصاب أجزاءً كبيرةً منه التموت والإنتانُ وربّما أجزاءً منه أصبحت لا تُعالَجُ إلّا بالبتر أو الكيِّ بالنار ! نرجو من الله ألّا نكونَ من تلك الأجزاء حتى لا تُصيبنا سُنًّةَ الاستبدل!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى