يتخذ الصراع الأميركي ـ الصيني مساراً أكثر حدّة، بعد كشف صحيفة “فايننشال تايمز” الأميركية أخيراً أن الصين اختبرت سلاحاً في أغسطس/ آب الماضي، شقّ طريقه عبر الفضاء ودار حول الأرض، قبل النزول صوب هدفه، الذي أخطأه في نهاية المطاف. وعلى الرغم من نفي بكين تقرير الصحيفة، تزايدت المخاوف بعد الكشف أن الصاروخ قادر على حمل رؤوس نووية. وهو ما دفع الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم الأربعاء الماضي، إلى إبداء قلقه بشأن الصواريخ “فرط صوتية” (هايبرسونيك). وينطلق هذا النوع من الصواريخ في الطبقات العليا للغلاف الجوي بسرعات تزيد عن خمسة أضعاف سرعة الصوت، أو نحو 6200 كيلومتر في الساعة. وكانت الصين قد عرضت في 2019 صاروخاً أسرع من الصوت أطلقت عليه اسم “دي أف ـ 17”. ويمكن لهذا السلاح المتوسط المدى (حوالى ألفي كيلومتر) ويشبه “طائرة شراعية” حمل رؤوس حربية نووية. لكن الصاروخ الذي تحدثت عنه “فايننشال تايمز” يختلف عن “دي أف ـ 17″، إذ يمكن أن يصل إلى الفضاء ويوضع في المدار ثم يمر عبر الغلاف الجوي قبل أن يصيب هدفه. وسبق أن أعلن الروس عن صواريخ “تسيركون” التي تُطلق من غواصة، وصواريخ “أفانغارد”.
وذكرت محطة “سي أن أن” في تقرير لها أن التقرير منح زخماً جديداً لمعارضي بايدن، الرافضين لطموحه في تقليص الترسانة النووية الأميركية. وحذّر مسؤولو الاستخبارات والدفاع من أن التجربة الصينية تُمثل قفزة تكنولوجية كبيرة يمكن أن تهدد الولايات المتحدة. ومع أن المسؤولين شدّدوا على أن الصاروخ الصيني لا يترجم تفوّقاً على الولايات المتحدة، إلا أن عنصر المفاجأة الكامن في طبيعة الصاروخ ونوعيته حضر في الاجتماعات الأخيرة لهم. كذلك كشفوا أن الصين نجحت بشكل أسرع مما توقعت الولايات المتحدة، وفقاً لما أفاد مسؤول عسكري سابق. مع العلم أن واشنطن اختبرت بنجاح مكونات “نماذج أولية” لصواريخ أسرع من الصوت، يوم الأربعاء الماضي. وأفاد سلاح البحرية الأميركي في بيان أن ثلاثة اختبارات أجريت “بنجاح” في مركز والوبس التابع لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) في ولاية فرجينيا قرب واشنطن. وأضاف البيان أن هذه الاختبارات “شكّلت عرضاً للتقنيات والقدرات والنماذج الأولية لأنظمة تفوق سرعة الصوت المتقدمة في بيئة واقعية”.
وذكرت “سي أن أن” أنّ المسؤولين أبدوا قلقهم من القدرة المحتملة للصاروخ الصيني على شنّ هجوم من فوق القطب الجنوبي، حيث تغيب فاعلية الأنظمة المصممة لتوفير إنذار مبكر لمثل هذا الهجوم، على حد قول مسؤولي الدفاع. واعتبر أحد كبار موظفي الكونغرس الجمهوريين أن التجربة تُظهر “قدرة الضربة الأولى وتؤكد حاجتنا لمواصلة برنامج التحديث على قدم وساق”، في إشارة إلى الجهود الجارية في البنتاغون والإدارة الوطنية للأمن النووي الأميركي لإصلاح الترسانة النووية الأميركية. وقال: “لا يمكننا تقليل دور الأسلحة النووية في وقت تندفع فيه روسيا والصين بكامل قوتهما في الاعتماد عليها”.
ونصح خبير الأسلحة النووية في معهد ميدلبري للدراسات الدولية، جيفري لويس، واشنطن بـ”عدم المبالغة في رد الفعل. تمتلك الصين بالفعل 100 سلاح نووي يمكنها استهداف الولايات المتحدة ويمكنني التعايش مع هذه الحقيقة. هذا هو الردع النووي”. مع ذلك، لا تبدو الإدارة الأميركية الحالية في وارد التراجع عن خطتها في تقليص الترسانة النووية، وهو ما أكده مسؤول كبير فيها لـ”سي أن أن”، معتبراً أن “موقف بايدن من الانتشار النووي لم يتغيّر”، لكنه أكد أن “مراجعة الوضع النووي ستأخذ في الاعتبار البيئة الأمنية الحالية”. ودفعت التجربة الصينية الكونغرس إلى مطالبة الإدارة بالإفصاح عن خطتها للدفاع عن البلاد ضد مثل هذه الصواريخ. مع العلم أنه في الشهر الماضي أضافت لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب تعديلاً على ترميز قانون تفويض الدفاع الوطني، أوضح قلقها “بشأن عدم قدرة أنظمة الرادار الحالية على اكتشاف وتعقب واشتباك وهزيمة التهديدات الناشئة من الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت”.
وأثار سفير الولايات المتحدة في مجال نزع السلاح، روبرت وود، الذعر في أوساط الكونغرس، بقوله للصحافيين في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع في جنيف السويسرية: “لا نعرف كيف يمكننا الدفاع عن أنفسنا ضد هذا النوع من التكنولوجيا”. ويعاني بايدن حالياً في إقناع الكونغرس بجدوى تقليص الترسانة النووية، رغم تشديده أنها ستُقلّل التوترات النووية مع الخصوم، تحديداً روسيا والصين. وبرز تراجع بايدن عن خطته مع إبعاد مسؤولة السياسة النووية في فريقه ليونور توميرو، الشهر الماضي، في خطوة وصفها “البنتاغون” بأنها “إعادة تنظيم”. وتواجه مالوري ستيوارت، التي رشحها بايدن للعمل مساعدة لوزير الخارجية للسيطرة على الأسلحة، معارضة شديدة من الكونغرس.
ولخّص السيناتور الجمهوري من أيداهو جيم ريش، العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، هذه المعارضة بقوله إنه “يعارض ترشيح ستيوارت بسبب اعتراضات من حلفاء الولايات المتحدة على دراسة الإدارة لسياسة عدم الاستخدام الأول”. و”الاستخدام الأول” نووياً يمنح القدرة للمُبادر على التقدم على خصومه، في صورة مشابهة لما حدث حين ألقت الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في 6 أغسطس 1945 و9 منه. وبدا جلياً أن تقليص الترسانة النووية الأميركية قد أثار قلق حلفاء الولايات المتحدة، خصوصاً ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، في ظلّ وجود روسيا في الشرق. وهو ما لخّصه مسؤول دفاعي بريطاني كبير سابق لـ”سي أن أن” بأنّ “أهم شيء يريد الحلفاء رؤيته خارج المراجعة هو التزام الولايات المتحدة بتجديد قوتها النووية”. وفي ظلّ التطوير الأميركي المستمر للرأس الحربي “دبليو 93″، كأول رأس حربي نووي مصمم يضاف إلى المخزون الأميركي منذ عقود، أعرب المسؤول البريطاني عن مخاوفه من تغيير الأميركيين عقيدتهم النووية تحت شعار “الاستخدام الأول”. وقال: “تبدو روسيا الآن أكثر تهديداً من أي وقت مضى منذ الثمانينيات. بالنسبة للأوروبيين، إن هذه اللحظة غريبة حقاً للتشكيك في أحد أعمدة سياسة حلف شمال الأطلسي، التي نجحت حتى الآن، أي محافظة الولايات على “الاستخدام الأول” للسلاح النووي في أيّ حرب مستقبلية.
المصدر: العربي الجديد