وداعًا رفيقة الدرب

سامي شرف

عن طريق التواصل العائلي، وصداقة نشأت بين والدتي ووالدتها عرفتها، “تغريد” “توتة” الابنة الثالثة للأميرالاي “نور الدين حسن مظهر”، وحين عقدت العزم على الزواج لم أجد أفضل منها لتكون شريكة حياتي، وبعد أخذ رأي صاحبة الشأن وعائلتي، تقدمت لخطبتها في ربيع عام 1950، ثم عقدنا القران يوم الخميس 16 نوفمبر 1950، وفي 19 أبريل 1951 – يوم ذكرى ميلادي- أتممنا الزواج.

ومنذ ذلك التاريخ، صارت “توتة” رفيقة دربي في تلك الحياة، بكافة محطاتها وتقلباتها الحلوة والمرة، عرفتها زوجة رائعة صالحة .. هدية من الله، تحملت زوج وهب حياته لعمله في خدمة بلاده، كنت أعمل ما يزيد عن 18 ساعة يوميا طوال 19 عاما، وأحيانا كنت أتغيب عن المنزل لما يزيد عن ثلاثة شهور، لم تتذمر يوما، لم تشعرني بالتقصير يوما، لم يكن أولادي أو بيتي ينقصهم شيء، كانت دائما تهيئ لي المكان والوقت للتركيز في عملي، ايمانا منها بأن خدمة مصر أسمى وأهم من أي شيء آخر، ولو كان على حساب راحتها الشخصية.

ويوم أن تم اعتقالي عقب انقلاب 13 مايو 1971، وحكم على بالإعدام، الذي خفف بالسجن المؤبد، قضيت منه عشر سنوات كاملة أتنقل فيها من سجن إلى آخر، كان صمودها المذهل يفوق توقعاتي، كانت سندا ودعما، وحصنا منيعا احتميت به من أي ضعف بشري يمكن أن يجتاحني في تلك اللحظات العصيبة.

واجهت كافة صعوبات الحياة بقوة وشجاعة، كانت الأم والأب لأبنائنا، لم تجعلهم يوما في حاجة لأحد، زرعت بداخلهم العزة والكرامة وحب الوطن، جعلت منهم أبناء بارين صالحين.

وبعد أن أُفرج عني في 15 مايو 1981 وحتى يوم رحيلها في 16 أكتوبر الجاري، وبرغم كافة الصعوبات التي واجهتنا على المستوى المادي والاجتماعي والنفسي، كانت “تغريد” بمثابة الصديق الوفي المخلص الأمين في النصيحة، كانت العقل الراجح حين تتغلب مشاعري على عقلي، وواحة الهدوء والسكينة حين تؤلمني الدنيا.

لم أكن يوما أتصور أن قطار العمر يمر بهذه السرعة، وأن يأتي اليوم الذي ترحل وتتركني وحدي، وهي أول من يعلم كم أحتاجها بجانبي في خريف العمر.

إلا أن مشيئة الله –عز وجل- هي الغالبة، فاليوم رحلت رفيقة دربي، وبوصلتي في بحر الحياة، تركتني وحيدا لا يؤنس وحشة غيابها سوى ذكريات العمر، وطيفها الذي يرافقني.

وإن كنت لم أستطع أن ألقي عليها نظرة الوداع، أو أرافقها لمثواها الأخير لظروف مرضي، فأنا على يقين بأن دعائي لها –الذي لن ينقطع حتى آخر نفس- سوف يصلها في جنة الفردوس الأعلى، ليخبرها كم أحبها، وكم أنا ممتن لوجودها في حياتي.

وداعا يا حبيبة القلب .. وداعا رفيقة الدرب .. وداعا “توته”

وإلى الملتقى في جنة الخلد إن شاء الله..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى