الد كتور رضوان السيد مفكر لبناني، متخصص بالتاريخ الإسلامي، له الكثير من الدراسات والكتب – عبر عقود – حول الاسلام والتاريخ والواقع الإسلامي – الاجتماعي المعاصر.
والكتاب العرب والإيرانيون ؛ هو عبارة عن مجموعة دراسات كتبت بأوقات متفرقة بين عامي ١٩٩٥ و ٢٠١٣. يجمعها الموضوع نفسه، وإن كان من زوايا نظر مختلفة، وعبر إطلالات متنوعة ، تحاول أن تغطي الموضوع المطروح قدر الامكان، مع الأخذ بعين الاعتبار الفارق الزمني، فنحن نتحدث عن زمن متحرك بسيولة عالية وفيه الكثير من المتغيرات ، وأغلبها استراتيجي. ونحن في قراءتها لن نعتمد تبويب الكتاب وفصوله، لأن هناك أحداث جديدة وقعت بين تواريخ النصوص، وتجاوزت التكرار الموجود أصلا في النصوص نفسها. سنعتمد الإطلالة على العلاقة بين العرب والايرانيين حسب تحقيق زمني يتصاعد ويطال الموضوعات كلها، ونزيد في نهايته ما استجد من تاريخ ٢٠١٣ إلى بدايات ٢٠١٨ زمننا الحاضر.
اولا. يبدأ الكاتب بمقارنة بين العرب والايرانيين منذ بدايات القرن العشرين، مركزا على مصر وعموم العالم الإسلامي. ايران بلد دخل الإسلام منذ الفتوحات الإسلامية الأولى، وكان جزء من الدولة الإسلامية المركزية في عهد الأمويين والعباسيين، وكان حاضنا للدعوة الشيعية وخاصة الاثني عشرية ، التي أصبحت مذهب الدولة الرسمي منذ الصفويين وما قبل، واستخدمت سياسيا في مواجهة سنٌية الخلافة العثمانية ، التي أخذت شرعية حكمها من تنازل آخر الخلفاء العباسيين للعثمانيين، ويتحدث الكاتب عن تطور الدعوة الشيعية الاثني عشرية في مواجهة مذاهب التشيع الأخرى الزيدية والإسماعيلية، اللتين كان لهما دول حاكمة في حقب تاريخية سابقة، وكيف استطاعت الاثني عشرية الصمود والامتداد في إيران وغيرها، سواء لحضور فكرة الإمام المهدي الغائب ، أو البنية الهرمية الدينية المتحكمة بكل الملتزمين دينيا، وكأنها بنية حزبية، والمسؤولة عن كل ما يتعلق في أمور الدين والدنيا، وبحضور التاريخ السابق والمعاش؛ مظلومية وخاصة مقتل الحسين بن علي، وعيش الماضي وكأنه معاصر لهم – الآن- في كل التفاصيل.
ثانيا. يتحدث الكاتب عن واقع إيران في بدايات القرن ، حيث كانت تحت تأثير تجاذبات صراع القوى العظمى، روسيا وبريطانيا ما قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، ومحاولة الشاه رضا بهلوي بناء نموذج حكم على شاكلة نموذج مصطفى كمال التركي، بتقليد الغرب وبناء دولة علمانية مع الاستقلالية عن الغرب نفسه، وسرعان ما يبعد من الإنكليز ويوضع مكانه ابنه محمد رضا الذي سيكون تابعا للغرب وما يريد، ولكنه يصطدم مع رجالات الدين الشيعة ، الذين يضعون يدهم بيد بعض الإصلاحيين كمحمد مصدق، ويتوافقون على ضرورة وجود دستور يحكم الحياة في ايران، ويحصل ذلك ، ويصبح مصدق رئيس وزراء إيران في الخمسينات ، ولكن سينقلب عليه الشاه بمساعدة الإنكليز والأمريكان، ويبني دولة تابعة للغرب، ومبعدة رجال الدين عن أي دور في الدولة، وهنا ستبدأ مرحلة صراع بين رجال الدين والدولة ، سيكون رأس حربتها آية الله الخميني منذ ستينيات القرن الماضي.
ثالثا. ولمعرفة موقف رجال الدين الشيعة من موضوع الحكم، يجب التأكيد على كونهم يؤمنون أن مهمة الحكم منوطة بالإمام الغائب حين يعود، وأن مهمة رجال الدين هي الحفاظ على أمور الدين للمسلمين الشيعة في عصر الغيبة، ولا علاقة لهم بأمور السلطة والحكم إلا برفع ظلم واضح في مواجهة الحاكم في كل حين، لذلك كانوا مع وجود دستور في إيران لحفظ حقوق الناس وضبط سلطة الشاه. لكن ذلك سيتغير مع الخميني الذي قدم اجتهادا مضمونه : ضرورة وجود حكم إسلامي في فترة الغيبة يقوده نائب الامام، وعمل لهذا الرأي من الستينات من القرن الماضي، واصطدم مع الشاه وتم إبعاده إلى العراق، واستمر على رأيه ، وبدأ يعمل من منفاه على ذلك، وثبت اجتهاده في كتاب أصدره اسماه الحكومة الإسلامية.
رابعا. هناك امتداد الشيعة خارج إيران، في سوريا ولبنان والعراق والبحرين والسعودية وبقية دول الخليج، فهم أقلية عددية في أغلب بلدان تواجدهم، وهم جزء من هذه المجتمعات ، ويعيشون مع غيرهم توافقات وصراعات اجتماعية محدودة في كل بيئة، وهم متروكين لطريقة تدينهم الخاصة دون إشكالات خاصة، وأنهم بعيدون عن شؤون الحكم كما يرى مذهبهم الشيعي، طبعا كل ذلك في مرحلة ما قبل “الثورة الإسلامية” في إيران ١٩٧٩.
خامسا. سيكون لاجتهاد الخميني عن ضرورة وجود حكم إسلامي يقوده نائب الإمام ومعه رجالات الدين الشيعي، محفزات للشيعة أن يعملوا للوصول إلى الحكم في إيران، مستفيدين من عمقهم الديني ، وتغلغلهم المجتمعي ، وسوء الحياة المعيشية جراء سياسات الشاه الخاطئة داخليا وخارجيا، وسيكون وصول الخميني ومن معه لحكم إيران مقدمة لتغييرات استراتيجية في منطقتنا العربية مازلنا ندفع ثمنها حتى الآن. سيطرح الحكم الاسلامي الايراني نفسه بصفته “ثورة اسلامية” لكل المسلمين وليس للشيعة او لايران فقط، وهذا ما أعطى مفهوم تصدير الثورة مضمونه، وأصبح كل المسلمين وخاصة الشيعة في كل العالم مستهدفين بهذه الدعوة، فقد بدأت تظهر امتدادات للتوجه الشيعي الإيراني في كل مكان يتواجد فيه شيعة، سواء بشكل علني في سوريا أو لبنان ، أو بشكل سري – بداية – في العراق التي تم احتضان معارضي صدام الشيعة من قبل إيران، أو التغلغل أوساط الشيعة في الخليج أو الزيدين في اليمن، تم ذلك ضمن مؤثرات داعمة لهذا التغلغل، سواء الحرب العراقية الإيرانية، أو سوء تعامل الدول مع شيعتها ، سواء لإرتيابها منها بأنها مخترقة ايرانيا، أو لكون الأنظمة أغلبها شمولي أو ملكي استبدادي يهمش جميع مكونات المجتمع ومذاهبه ، وارتباطها بمجتمعاتها غير صحيح، وأحيانا ضد الناس وقمعي و استبدادي.
سادسا. سيكون لإيران الإسلامية سياسات مباشرة آنية وبعيدة المدى، وتطرح نفسها بصفتها دولة “تنتصر للمظلومين” كما تدعي، وتقف في وجه أمريكا بصفتها رمز للاستعمار العالمي، وتعتبر (اسرائيل) دولة غاصبة وتطرح ضرورة العمل على تحرير فلسطين، وتسلط الضوء على الأنظمة العربية بصفتهم غير مسلمين و تابعين للغرب وأمريكا ، والصامتين عن احتلال فلسطين. تعتمد إيران سياسات مباشرة على الأرض في كل دولة عربية على حدى، ففي لبنان زرعت حزب الله وترعاه، وتجعله بالتوافق مع حليفها الاستراتيجي النظام السوري، القوة الأقوى والحاكمة في لبنان، والتحكم بسياسات لبنان من بوابة الادعاء؛ صراعهم مع العدو الصهيوني، حيث سيصبح لبنان رهينة -لعقود- بيد الحليفين السوري والإيراني، ويستخدمونه مطية لسياساتهم طول الوقت: وجود حزب الله وتمدده وهيمنته، مواجهة الثورة الفلسطينية واستئصالها في لبنان، فتح المعارك وإنهائها مع (اسرائيل) حسب المصالح الاستراتيجية السورية والايرانية، وتثبيت حزب الله حامي الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، مقتل الحريري، رعاية المصالح السورية والإيرانية من حزب الله خاصة بعد الخروج السوري من لبنان عام ٢٠٠٥، ودور حزب الله في دعم النظام السوري ضد الشعب السوري في ثورته.
سابعا. أما علاقة إيران مع النظام السوري، فإنها تحتاج لتركيز خاص، أولها يبدأ مع تبني حافظ الأسد موسى الصدر الإيراني منذ ١٩٧٥، وتغلغله أوساط الشيعة في لبنان وبناء هوية طائفية جماعية لهم، وترسيخ هذه العلاقة بعد “ثورة” الخميني ، واعتبار العلاقة الإيرانية السورية استراتيجية ، حيث وقف النظام السوري مع إيران ضد العراق في حربهم التي امتدت لثماني سنوات، تبادل الأدوار في لبنان عبر رعاية حزب الله، و استخدامه لتنفيذ سياساتهما المشتركة في كل مكان . رعاية الوجود الشيعي في سوريا، والسماح له بالتمدد داخل الطوائف الإسلامية سنة وعلويين في سوريا كلها، ودعم حزب الله وتغطية دوره في احتضان الشيعة والزيديين من كل البلاد العربية، وتأهيلهم سياسيا ومعنويا وعسكريا . وليس آخرها استقدام حزب الله و المرتزقة الإيرانيين، والافغان، والعراقيين، والحرس الثوري الإيراني والدعم المالي والعسكري المفتوح للنظام السوري في حربه ضد الشعب السوري الذي ثار عليه.
ثامنا، أما علاقة إيران مع العراق فقد كانت مأزومة كل الوقت، فقد كانت إيران تحتضن المعارضة الشيعية للنظام الايراني، والحرب العراقية الإيرانية التي امتدت لسنوات ونتائجها الكارثية على البلدين، ودعم إيران للأمريكان في حربهم على العراق واحتلاله بعد ذلك ٢٠٠٣، وتسليم السلطة في العراق لحلفاء إيران بعد خروج أمريكا منها، والتوافق الايراني الامريكي على التقسيم الطائفي والاثني للعراق الذي برر سيطرة الأحزاب التابعة له على العراق ودولته للان، والمشكلة تبدأ عند ظلم النظام العراقي ، وتبعية قيادات الأحزاب الشيعية العراقية لإيران، إلى درجة التخلي عن المصلحة الوطنية العراقية، و أولوية المصلحة الايرانية، تماما كما حزب الله في لبنان، والنظام السوري ضد الشعب.
تاسعا. أما علاقة إيران مع اليمن فتنطلق من التغلغل في أوساط الزيدية متمثلين بجماعة الحوثي، والزيدية مذهب شيعي أقرب للسنة من الشيعة الاثني عشرية ، لكن الصراعات السياسية الداخلية اليمنية ، وبعضها عسكري بين الحوثيين والسلطة المركزية ، والدعم الايراني العسكري والتأثير الفكري المعنوي، و استحضار نموذج حزب الله اللبناني في اليمن، وسوء سياسات الدولة اليمنية ؛ سواء ايام الرئيس علي صالح أو بعد الثورة اليمنية، جعلهم وقود صراع يمني يمني يضر الجميع ولا ينفع إلا القوى الخارجية ، وخاصة إيران التي تعمل ليمتد نفوذها إلى اليمن ودول الخليج أيضا.
عاشرا. أما علاقة إيران مع دول الخليج العربي، فهي مزيد من التغلغل في أوساط الشيعة في هذه الدول، سواء من خلال المرجعية الدينية، أو عبر التغلغل الحزبي كقوة مدنية وعسكرية عند الحاجة.
.ففي البحرين؛ حيث تعتبرها إيران وغيرها من الجزر جزر ايرانية، البحرين حيث أغلبها من الشيعة ، وحاولت إيران دعم حركات شيعية للانقلاب على الحكم السني فيها، ولولا التدخل العسكري لدول مجلس التعاون الخليجي لسقط الحكم هناك، ونعتبر أن أسباب الصراع المجتمعي قائمة وان اي تغيير مستقبلي قد يؤدي لتغيرات في البحرين، مع التركيز على الحماية الأمريكية العلنية لدولة البحرين وبقية دول الخليج العربي.
.وأما السعودية التي تشهد امتدادا شيعيا في المنطقة الشرقية ، حيث أغلب النفط السعودي فيها، ووجود مشكلة مظلومية سياسية ومجتمعية للشيعة، و لشيوع الخطاب السلفي السني بقساوته وعداوته لهم، مما جعلهم جاهزين موضوعيا و نفسيا لتقبل أن يجدوا بإيران ودولتها الإسلامية نموذجا يحتذى، وما وجود حزب الله الجزيرة العربية وبعض عملياته ضد بعض المصالح الامريكية، إلا مؤشر على التغلغل الإيراني في السعودية وإمكانية استغلاله ايرانيا عند الحاجة .
حادي عشر. ينتهي الكتاب عند الفترة الزمنية أوائل ٢٠١٣ ، حيث التورط الإيراني بمساعدة النظام القمعي السوري ضد الشعب السوري، عبر حرسه الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني و الميليشيات الطائفية الأفغانية والعراقية، وكذلك دور إيران في لبنان هيمنتها مع النظام السوري عليه، واليمن ودعم الحوثيين واستمرار الصراع اليمني اليمني، حرب أهلية تضر الكل. والعراق حيث أصبح حلفاء ايران الشيعة العراقيين هم حكام العراق الفعليين.
ولا بد هنا قبل الانتقال الى تغطية الفترة من ٢٠١٣ الى الان أوائل ٢٠١٨ ، قبل ذلك نؤكد على نجاح إيران في التماهي بين اسلاميتها كدولة اسلامية وأنها دولة الشيعة في كل العالم ، وبينها كقومية فارسية، بحيث جعلت حلفائها يقومون بخدمتها كدولة ايرانية فارسية ، عبر دعمها كدولة اسلامية شيعية ، وهكذا جيرت كل عمل لهذه الحركات والجماعات والهيئات والأحزاب والقوى الشيعية في بلدانهم لصالحها كدولة ايرانية ، و مشروعها الإمبراطوري الخاص بوجهه الشيعي المدّعى.
ثاني عشر. أن أي حديث عن إيران ومحيطها العربي والإسلامي، لا يستقيم دون الحديث عن علاقتها مع أمريكا و( اسرائيل).
كانت إيران ومنذ الخمسينات حليف استراتيجي للأمريكان، وتغير التحالف لعداء علني سافر بعد مجيء الخميني ، الذي اعتمد بسياساته على اعتبار أمريكا (الشيطان الأكبر)، واعتمد التجييش العقائدي ضدها من أولويات سياسته ومن بعده من حكام، وأعلن مواجهة امتدادها في المنطقة، خاصة أنها كانت مع الدول العربية الخليجية داعمة للعراق بحربه الطويلة ضد إيران، وكان لهذا التجييش دور تعبوي في خلق الاتباع على امتداد التواجد الشيعي في العراق وسوريا ولبنان والخليج واليمن بين الحوثيين، وأن أمريكا تدعم الأنظمة الملكية والشمولية (الغير اسلامية) و الاستبدادية والفاسدة والقمعية، وأن العداء لأمريكا يعني ضمنا العداء لهذه الأنظمة وأمريكا التي تدعمهم وتستغلهم، ويعني العداء لأمريكا داعمة وجود (اسرائيل) ، التي اغتصبت فلسطين وشردت الشعب الفلسطيني، وهزمت -بمعاركها – الأنظمة العربية التابعة لأمريكا والغرب، كل ذلك قدم شرعية ومصداقية لإيران وكونها ضد أمريكا و(اسرائيل).
ثالثا عشر. (اسرائيل) التي تعتبرها إيران مغتصبة أرض فلسطين الإسلامية، وتدعم حزب الله ضد (اسرائيل) في كل من معاركه، وتدعم النظام السوري على أنه قيادة المقاومة والممانعة في مواجهة (اسرائيل)، وتدعم حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني ، وكذلك حركة حماس، إيران التي أصبحت لاعب أساسي في المنطقة عبر حزب الله اللبناني في جنوب لبنان، وفي قطاع غزة مع حماس، وهذا ما زاد شرعية إيران والقوى التي تدعمها، بمواجهة أنظمة تهادن أمريكا و(اسرائيل) ، وتستبد ب / وتستغل شعوبها. لذلك سرعان ما امتدت الأذرع الإيرانية في كل مناطق تواجد الشيعة في البلاد العربية، لا ينقصها الدافع الديني الشيعي العقائدي، ولا الأزمات الاجتماعية، والتفاوت الاقتصادي، والقهر السياسي، وعدم التصدي للعدو الصهيوني، والمهادنة والعمل للصلح معه ، وعلى حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.
رابع عشر. كل ذلك تغير في عقلية أغلب الشارع العربي، بعد الربيع العربي وثوراته، فقد كان لموقف النظام الإيراني الداعم للنظام السوري الذي حارب الشعب وقتل وشرد الملايين ودمر المدن ، وكان حزب الله اللبناني و المرتزقة الطائفيين من العراق وايران وافغانستان الذراع الضاربة للنظام السوري، أسقطت كل شرعية عن إيران ودورها وادعائها العقائدي والسياسي، وسقطت شرعية إيران وذراعها كذلك في العراق، حيث أصبحت الميليشيات الشيعية أدوات صراع عرقي وطائفي ، وحيث أصبح قادة السلطة العراقية (الشيعة) نموذج للفساد والإجرام والتبعية المطلقة لإيران و تنفيذ الإملاءات كاملة، مع تبادل الأدوار مع أمريكا في كل ما يتعلق بالعراق.
وكذلك في اليمن حيث ساعدت إيران الحوثيين وعلي صالح للإنقلاب على الثورة اليمنية ومخرجاتها، ودخلت اليمن في حرب أهلية مدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية مع الشرعية من طرف، وإيران مع الانفصاليين الحوثيين وعلي صالح من طرف مقابل، إلى ما قبل انقلاب الحوثيين على علي صالح وقتله ، وما تزال المعارك مستمرة.
خامس عشر. وزاد تعقيد المشهد الإقليمي اتجاه إيران، موقف أمريكا منها في مرحلة أوباما، حيث سكت عن أدوارها الإقليمية في كل مناطق الصراع، طبعا سوى التنديد اللفظي، واعتمدت فقط بمتابعة ملف إيران النووي وتوصلت بعد مفاوضات شاقة للاتفاق مع إيران، الذي يمنعها من تطوير برنامجها النووي الذي يخدم (اسرائيل )بشكل اساسي، طبعا إلى حين، لكن مجيء ترامب إلى الحكم أعاد التركيز على الدور الإيراني في المنطقة، وقدم دعما للسعودية ودول الخليج للتصدي للتواجد الإيراني حيث يكون، كل ذلك ضمن صفقة بالمليارات لاستثمارات سياسية وعسكرية واقتصادية.
كل ذلك لا يفهم إلا بملاحظة الدور الروسي الجديد الحاضر القوي، في سوريا اساسا ، و المتناغم مع إيران و(اسرائيل) وتركيا والأمريكان، على ما بين الكل من تناقض وترابط للمصالح.
سادس عشر. لا نستطيع المرور على الانتفاضة الإيرانية الأخيرة، بما فيها من مؤشرات سياسية ومجتمعية، حيث ترفض المرشد وحكمه، وتصفه بالدكتاتور، وحيث تركز على الفقر والأزمات الاقتصادية والمجتمعية، وتركز على الخروج من الصراعات الخارجية والاهتمام بإيران ومصالحها ومصالح شعبها، وصرف تلك المليارات من الدولارات المبعثرة خارجيا على الشعب الإيراني في الداخل. صحيح أن هذه الانتفاضة لم تستطع الاستمرار، والحكم عليها مبكر ، وهل ستستمر وستنتصر أم لا ؟، لكنها مؤشر واضح على صوت الإيرانيين العالي الرافض للدور الإمبراطوري لإيران في عصر انتهاء الإمبراطوريات وزوالها، وعصر الدول الديمقراطية، وزوال الدول الدينية من أي نوع كان.
أخيرا. الحالة الصراعية بين إيران وامتداداتها على الأرض في كل مكان هي في أعلى توترها الآن، والأيام حبلى بالكثير.
.في لبنان إلى أي مدى سيستمر حزب الله و وراءه إيران والنظام السوري مصادر للدولة اللبنانية؟.
.في سوريا إلى أي مدى ستسمح روسيا بهيمنة إيران على كل شيئ في سوريا ؟، وإلى أي درجة ترضى أمريكا و(اسرائيل)عن ذلك ؟ أيضا الايام حبلى بالمتغيرات.
.في اليمن حيث الدور الإيراني المصعّد والمؤدي لاستمرار الحرب الأهلية بكل نتائجها الكارثية. واحتمالات متغيرات فيه ، بعد التصعيد السعودي والدعم الأمريكي لها.
. في العراق وانتهاء داعش وضرورة إعادة توزيع عادل للكعكة العراقية ، وخاصة بعد فشل استفتاء انفصال شمال العراق، ليتم ذلك يجب تحجيم إيران وامتداد نفوذها عبر أدواتها هناك.
.في الخليج تتوعد إيران السعودية وبقية الدول بردود على إعلان السعودية الصراع مع إيران داخلها، هناك احتمالات تفجير صراعات طائفية في هذه الدول، وبغض الطرف عن نجاح هذه التحركات.
.كان من المفترض أن نتحدث عن وسائل تفعيل الشراكات المطورة لدول مجاورة مثل إيران والبلاد العربية، لكننا للأسف نتحدث عن حروب قائمة وحروب محتملة ، الكل فيها خاسر وخاصة الشعوب، مع إدراك ان هذه الأنظمة جميعها استبدادية قمعية وضد شعوبها.
وهذا أسوأ ما في الأمر.