ترافق دورة اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف الأسبوع المقبل متغيراتٌ في أدوار دولية وإقليمية، لمصلحة النظام السوري على حساب مكانة كيانات المعارضة ودورها المعترف فيها أممياً، ما يجعل مساحة الحرية المتاحة لحركة اللجنة، بشقّها المعارض، تضيق يوماً بعد يوم، مع توسّع دائرة القبول الدولي لإعادة تعويم نظام بشار الأسد، لتبقى اجتماعاتها شكليةً نفعيةً خارج سياق الفعل الحقيقي المنصوص عليه في قرار تشكيلها، والذي اختصر الحل السياسي للصراع في سورية بما يمكن أن يحقّقه دستور جديد وفق قرار مجلس الأمن 2254، الذي ينصّ على مرحلة انتقالية، وانتخابات رئاسية وبرلمانية.
ومع أهمية أن تعود قضية الصراع السوري إلى “سباق” الأخبار الدولية، ولو عبر نافذة اجتماعات اللجنة الدستورية المشتركة التي لا يمكن، في هذا التوقيت، أن تعني عودتها تحقيق أي خطوة عملية في تغيير الدستور السوري المأمول لمصلحة الانتقال السياسي، فإن الإصرار الروسي على عقدها، والتأييد الأميركي لها مع التنازل عن أي دور له فيها، يجعل من الاجتماع بوابةً جديدةً لإعلان تجديد الولايات المتحدة تمديد فترة ولاية روسيا على ملف القضية السورية، إلى أن تستوضح معالم طريق التفاوض مع إيران على ملفها النووي، وترك المساحة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في تحديد نوع الحل السياسي وكيفيته، وقد بدت معالمه تتضح مع دخول الأردن قطار التطبيع مع النظام السوري، وإعلانه بقاء الأسد حقيقة يجب التعامل معها ضمن معطيات استحقاقات الحل المنشود. أي أن أهمية اجتماعات اللجنة تقع اليوم في قدرتها على التعاطي مع بدهية قدّمها ملك الأردن عبد الله الثاني، بعد لقائه الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي شكر الملك على الدور الحيوي الذي يلعبه في الشرق الأوسط. وتتمحور البدهية في صياغة تعديلات تُبقي حق الرئيس السوري بشار الأسد في البقاء على رأس السلطة التي يمنعه منها دستور 2012 المعمول به، وليس المعارضة أو الحرب أو حتى الجيوش التي تنتهك سيادة دولته، حيث يستنفد فرصة بقائه مع انقضاء فترته الرئاسية الثانية (الحالية) في 2028، ما يعني أن مسلّمة بقائه رئيساً لسورية تحتاج إلى جهود الجميع، ومنهم وفد المعارضة في اجتماعات اللجنة التي يجب الذهاب إليها “بحسن نية”.
من الصعب أن تأخذ المعارضة موقفاً موحداً ممانعاً لانعقاد اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، وذلك لتداخل الإملاءات الدولية المفروضة على تنوّع وفدها، من ائتلاف إسطنبول، إلى منصّة القاهرة، وصولاً إلى منصة موسكو، واعتبارات أخرى لمعارضة دمشق، مع استذكار تصريح للمتحدّث باسم هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، يحيى العريضي، أنه “في حال انعقاد جولة سادسة، لن تكون إلا بوجود توافق دولي والخروج بنتائج” أي أننا أمام حدثٍ جلل الأسبوع المقبل، الكشف عن طبيعة التوافقات الدولية بشأن الدستور السوري الجديد، وحقيقة النتائج التي ستخرج بها تلك الاجتماعات في دورتها السادسة. وقد لا يكون من الدبلوماسية أن نسأل عن الضمانات المقدّمة من المجتمع الدولي للاستمرار في اجتماعات عبثية.
هل سيكون على السوريين قبول ترجمة جديدة للقرار 2254 في ما يتعلق بالمسألة الدستورية، كما كان الحال مع شروط بناء الثقة للذهاب إلى اللجنة الدستورية، أو حتى قبول التفاوض، وهل من ضمن حسن النية التي يطالب بها المجتمع الدولي النظام السوري قبوله فقط بالجلوس إلى وفد المعارضة؟ من دون أي ضغط يمكن أن تمارسه هذه الدول لتكون “حسن النية” تعني إنجاز دستور حضاري، يحصّن مبدأ تداول السلطة ويتوافق وقيم المواطنة والعدالة وحقوق الإنسان؟
لا يمكن التعويل على أن الاجتماعات قادرة على إنجاز مكسب سياسي لمصلحة المعارضة السورية، في وقت خسرت فيه هذه المعارضة كل أدواتها التفاوضية من واقع عسكري إلى مكانة شعبية تمثيلية، وحتى الحاضنة الدولية للقضية السورية. لقد فشلت اللجنة المشتركة في تحديد معالمها منذ إعلان الأمم المتحدة عن تشكيلها في سبتمبر/ أيلول 2019، على الرغم من كل الضغوط الدولية التي أسهمت في تأسيسها، ودعمت اجتماعاتها المتهالكة للحيلولة دون إعلان وفاتها، على الأقل من جهة النظام الذي لم يعلن شرعيتها، ولم يقبل أن يَنسب وفدَه إلى حكومته، مكتفياً بوصفه “المدعوم من الحكومة” ليبقى شقّ اللجنة الدستورية من جهة النظام خارج التسمية الرسمية. ومن جهة أخرى لم تعترف دمشق بالشق المقابل لوفدها المدعوم منها، وأبقت على تسميته “وفد تركيا” لتنزع عنه صفة وفد المعارضة السورية.
استطاعت الأمم المتحدة أن تمرّر خلال عامين خمس جولات تفاوضية، جمعت فيها أعضاء اللجنة الدستورية، بأقسامها الثلاثة المحسوبة على النظام والمعارضة والمجتمع المدني المنقسم بينهما، وانتهت إلى “لا نتيجة”، سواء على صعيد صياغة المبادئ، أو النصوص الدستورية، أو حتى الاتفاق على منهجية واضحة أو جدول أعمال للاجتماعات، على الرغم مما يقال إنهم أنجزوا فعلياً تلك المنهجية.
وقد جرت كل تلك الإخفاقات، في وقت كانت المعارضة السورية لا تزال تحظى فيه بدعم دولي (إعلامياً على الأقل) بينما كان النظام يتقوقع ضمن علاقاته المحدودة بين روسيا وإيران والصين، أي أن النظام المحاصر بالعزلة آنذاك من أصدقاء المعارضة الدوليين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، استطاع تمرير مخطّط كسب الوقت، وإهدار الجهود الدولية، وتمييع اجتماعات اللجنة الدستورية، وتصفير نتائجها لمصلحته خلال عامين، فهل سيكون على بشار الأسد أن يتخلّى عن مكاسبه العسكرية والدبلوماسية تحت مسمّى “حسن النية” في وقت أسقطت فيه دول عديدة “برقع” المقاطعة تحت جناح الصمت الأميركي، وعلو هدير مصالح روسيا المتقاطعة مع دول الجوار جميعها، وفي مقدمتها دولة الاحتلال الإسرائيلي؟
المصدر: العربي الجديد