سورية: أنقرة تسعى إلى حل عقدة إدلب وموسكو تستخدم الدعاية السوداء

منهل باريش

عادت وزارة الدفاع الروسية لتكرار ادعاءاتها باستهداف مطار حميميم العسكري بالطائرات المسيرة، ويعتبر الهجوم على المطار الواقع غرب سوريا، أبرز الحجج التي استخدمتها وزارتا الدفاع والخارجية الروسيتان لتبرير العمليات العسكرية الوحشية ابتداء من مرحلة الأعمال العدائية التي بدأت لحظة التدخل في سوريا نهاية أيلول (سبتمبر) 2015 بهدف مساندة النظام ومنع سقوطه.

ونقلت وكالة «سبوتنيك» عن مراسلها في اللاذقية خبر تصدي الدفاعات الجوية المكلفة بحماية أجواء القاعدة الجوية لطائرة مسيرة حاولت الاقتراب من الجهة الشمالية الشرقية، متهما فصائل المعارضة السورية بإطلاق الطائرة المذخرة.

وتراجع استخدام الطائرات المسيرة عام 2018 حيث كان الطلب الروسي الدائم خلال اجتماعات أستانة، وتسجل «القدس العربي» أن آخر استهداف كبير قامت به فصائل المعارضة للمطار بالطائرات كان في 12 آب (أغسطس) 2019 ردا على الهجوم الواسع للنظام والروس في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي والذي توقف بالسيطرة على خان شيخون، بعد أسبوعين تقريبا من ذلك التاريخ. وهاجمت ست طائرات المطار يومها، وتم إسقاطها جميعا بواسطة مضادات الدفاع الجوي الروسية المنتشرة بمحيط مطار حميميم العسكري.

عمليا، تراجع استخدام الطائرات المسيرة المذخرة ضد القاعدة الروسية لعدة أسباب، أهمها، تعهد تركيا والمعارضة في مسار أستانة بوقف تلك الهجمات، وقف هيئة «تحرير الشام» (النصرة سابقا) الهجمات مجاراة للطلب التركي ومحاولة التطبيع معه. خسارة المنطقة الجغرافية المناسبة لإطلاق الطائرات، وهي المنطقة المطلة على سهل الغاب الشمالي، والواقعة غربي كنصفرة، جنوب جبل الزاوية والتي أصبحت خط تماس بين المعارضة والنظام. وتضاف الأسباب التقنية إلى تلك، فرغم بدائية الطائرات المذخرة فهي بحاجة إلى نظام توجيه آلي يوصلها إلى المطار. وهو فيما يبدو أصبح غير متوفر لدى المهاجمين. فأنظمة التوجيه تلك استخرجت من طائرات «درون» سيطرت عليها فصائل المعارضة من مستودعات تنظيم «الدولة الإسلامية» مطلع عام 2014 ولم تحصل عليها من برامج «الدعم غير الفتاك» الذي مولته دول أصدقاء الشعب السوري للمعارضة السورية، أو من خلال غرفة التنسيق العسكري في الشمال «الموم».

ورغم تراجع الاتهامات الروسية لفصائل المعارضة السورية باستهداف قاعدة حميميم، إلا أنها لم تتوقف نهائيا، فقد حافظت موسكو على دورية تكرار الاتهامات حتى بعد توقيع اتفاق موسكو في 5 أذار (مارس) 2020 فادعت تصديها للطائرات المسيرة عدة مرات في تموز (يوليو) من العام الماضي. وعادت وادعت تصديها لهجمات مماثلة خلال العام الحالي.

في السياق، يحمل مركز مصالحة حميميم للأطراف المتنازعة في سوريا مسؤولية خروقات اتفاق سوتشي ونظام وقف إطلاق النار في إدلب إلى هيئة «تحرير الشام» ويصر على تسميتها باسم «جبهة النصرة الإرهابية» في تقييمه للحالة الأسبوعية في إدلب. ويتهمها بإفشال اتفاق سوتشي وملحقه (اتفاق موسكو) المذكور أعلاه، خصوصا في مسألة عدم تسهيل تسيير الدوريات العسكرية التركية الروسية المشتركة على طريق الترانزيت الواصل بين حلب واللاذقية والمعروف باسم M4.

كذلك، تتهم موسكو «تحرير الشام» بعدم تنفيذ الجزء المهم الآخر من الاتفاق وهو تشغيل حركة الترانزيت وممانعة الخروج من «الممر الأمني» بعمق 6 كم شمال طريق M4 ومثلها جنوبه.

اضافة إلى ذلك، اتهمت موسكو الهيئة بمنع المدنيين الراغبين بالخروج من مناطق سيطرة المعارضة في إدلب إلى مناطق سيطرة النظام عبر المعبر الذي فتحته الشرطة العسكرية الروسية في مدينة سراقب على مفرق الطريق المؤدي إلى بلدة الترنبة غربا، ويقع على مرمى حجر من طريق M4 بالقرب من عقدة الطرق الواصلة إلى مدينة إدلب، مدعية أن «تحرير الشام» أطلقت النار على المدنيين الراغبين بالوصول إلى المعبر بهدف ترهيبهم ومنعهم من الخروج.

في سياق متصل، تعتبر المعابر التجارية بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة المختلفة إحدى عوامل توتير الأوضاع في إدلب، فالنظام السوري بحاجة إلى فتح المعابر البينية من أجل الاستفادة من الدورة المالية العالقة على عتبة المعابر، كما تؤمن إدلب سوقا كبيرا للنظام من البضائع المختلفة والمتنوعة، سواء المنتجة في إدلب أو التي تدخل ترانزيت. وترفد المعابر المفتوحة خزينة النظام بالدولار الأمريكي بشكل أساسي، وتعتبر العملة الصعبة التي يبادلها بالليرة السورية من أهم مصادر دخل النظام.

إضافة إلى وجود «جبهة النصرة « واستخدام الطائرات المذخرة ضد قاعدة حميميم، تشكل اتهامات موسكو للدفاع المدني السوري والمعروف دوليا باسم «الخوذ البيضاء» ثالوث الدعاية الروسية السوداء لتبرير عملياتها العسكرية، ولعل الأخيرة هي أساس بذلك التحشيد، بسبب تمويلها الغربي والبريطاني تحديدا. وتربط الدعاية الروسية بين «الخوذ البيضاء» و»جبهة النصرة» بشكل دائم، محاولة القول إنهما واحد. وتحذر الخارجية الروسية من قيام الجهتين بالتحضير لهجوم كيميائي وقصف المدنيين به وتصويره بواسطة فرق إعلامية غربية، واتهام النظام بالقيام بالهجوم، حسب الاتهامات الروسية.

وتعتبر روسيا الدفاع المدني واحدا من أكثر المؤسسات ازعاجا لها، وهي المؤسسة الوحيدة التي لم تتمكن من تفتيتها والنيل منها، كما حصل مع باقي مؤسسات المعارضة السياسية والعسكرية والتي أدخلتهما في المسار الروسي للحل في سوريا بطرق مختلفة ومتنوعة. ويعود الحقد الروسي على الدفاع المدني بسبب دوره الكبير في تثبيت عمليات القصف بالسلاح الكيميائي الذي قام به النظام السوري وتعاونت «الخوذ البيضاء» مع لجنة التحقيق الدولية التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، حيث أدانت الأخيرة استخدام النظام السوري الأسلحة الكيميائية والغازات ضد المدنيين عدة مرات سواء بالقصف الصاروخي أو القصف الجوي، وسهلت « الخوذ» وصول العينات والمصابين ونقلهم واطلاع اللجنة الدولية عليهم وأخذ مسحات وعينات من مسرح الجريمة، ونقلت كذلك بقايا الصواريخ المستخدمة بالقصف والتي تثبت تعرض المناطق المدنية لقصف عشوائي بالسلاح الكيميائي.

في إطار حل إدلب، تجري اجتماعات مكثفة في أنقرة والتي تتواصل مع قيادة الجبهة «الوطنية للتحرير» ممثلة لإدلب والجيش الوطني ممثلا عن منطقتي السيطرة في عفرين و»درع الفرات» بهدف إيجاد حل لعقدة إدلب التي يبدو انها ستدخل في نفق مظلم يؤدي إلى اجتياح عسكري جديد للنظام وحلفائه، ما لم يتدارك المسؤولون العسكريون والأمنيون الأتراك عن ملف إدلب الأمر، يفضي إلى فتح الطريق وإنشاء «ممر آمن» ويبدو ان الحديث عن تبادل مواقع بين «تحرير الشام» و»الجيش الوطني» هو مجرد تصور غير ناضج. وبطبيعة الحال يصر قائد هيئة «تحرير الشام» أبو محمد الجولاني على أن يكون الشريك الفاعل وصاحب الدور الأبرز على طريق الترانزيت، ليس للفوائد المالية فقط، بل لما في ذلك من قبول من جهة النظام وروسيا بدوره الأمني.

وتضغط وسائل الإعلام التركية المختلفة باتجاه حل التنظيم الذي غادر صفوف القاعدة قبل سنوات ونقض بيعة أميرها، ايمن الظواهري. وتعتبر أن مراوغات الجولاني غير مفيدة ولن تجنب إدلب المصير السيء المحتوم، وسبيل انقاذها الوحيد هو بحل «تحرير الشام» المصنفة إرهابية على لوائح الإرهاب الدولية والتركية بطبيعة الحال.

وتستخدم تركيا الضغط الإعلامي لتحقيق خطتها في إدلب ولا تتردد في التحشيد العسكري والتلويح بعمل عسكري ضد «تحرير الشام» كما جرى نهاية عام 2017 عندما رفضت «النصرة» نشر نقاط المراقبة التركية حسب اتفاق أستانة، وانتهى الأمر بتوافق على نشر النقاط، بدون المساس بمكاسب التنظيم مباشرة، وهو ما يُرجح حصوله. فحل الجولاني للتنظيم سيكون الخيار الأفضل له، وسيجعله يكسب السيطرة على كامل مناطق النفوذ التركية في شمال وشمال غرب سوريا، في حال حصوله طبعا. لكن هذه المغامرة تحتاج ضوءا أخضر أمريكيا وروسيا، فعدم الحصول عليه سيضع الجيش الوطني بكامله على قوائم الإرهاب الدولية.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى