بعد عشر سنوات عجاف أصبح حتى المتابع البسيط العادي للملف السوري يعي ويدرك زيف و فبركات وحجج روسيا التضليلية ،وأكاذيبها الإعلامية واعذارها ،وسعيها ومحاولاتها الدائمة والدؤوبة لطمس حقائق إجرامها وتبريرها اللامقبول لأسباب ارتكابها كل أنواع الإرهاب، و المجازر والتدمير والتهجير بحق ملايين السوريين ؛والتي أقل مايقال فيها أنه يندى لها حتى جبين فرعون ومعاشر الجن قبل الإنس !
كل العالم والمجتمع الدولي بمنظماته وهيئاته ومجالسه (واقصد طبعًا إن كان هناك مجتمع دولي مهتم بمأساتنا) يدرك تمامًا أن هذه الأساليب والمزاعم الروسية التي لم و لن تنتهي هي السبيل الوحيد والأمثل الذي تجتره وتستخدمه الإدارة البوتينية دائمًا وتحاول من خلاله تبريرها المضلل لإظهار قبول العالم لهذا السلوك الإجرامي التي تنتهجه في مسيرتها الدموية الإرهابية على كامل الجغرافيا السورية، منذ تدخلها الاجرامي في نهاية أيلول عام 2015 وحتى هذه الساعة.
لاشك أن موسكو وبحجة مكافحة الإرهاب (النصرة وداعش) وغيرها من التبريرات فد نفذت ميدانيًا كل الطرق والأساليب الاجرامية العسكرية المختلفة والممكنة للقضاء على الثورة السورية وجماهيرها مستعينة عليهم بكافة أنواع الأسلحة والذخائر المحرمة ،والتقليدية الحديثة التي تفاخرت أعلى القيادات الروسية العسكرية باختبار نتائجها وفاعليتها الكبيرة على أجساد السوريين ،وممتلكاتهم ولم تكتف بذلك فقط ؛ بل حتى إنها قامت بالتغطية على النظام في المحافل الدولية عندما صمتت وأباحت له استخدام السلاح الكيماوي (الزارين والكلور وغيرهما) في الغوطتين الغربية والشرقية وخان شيخون وعشرات الأماكن الأخرى (هذا ان لم تكن هي من أعطت الاوامر بتنفيذها ) ناهيك عن اتباعها ايضا (سياسة غروزني) كطريق إجرامية اخرى في في استعادة السيطرة كل المناطق السابقة التي كانت خارجة عن سيطرة النظام واستباحتها بما فيها مناطق تخفيف التصعيد المتفق عليها دوليا واقليميا والتي لم تلتزم بها موسكو مطلقا وضربت بها عرض الحائط رغم رعايتها وضمانتها لها بل وقضمتها مع النظام وميليشياته الطائفية العابرة للحدود الواحدة تلو الأخرى ؛حتى وصلت أخيرًا إلى محيط إدلب وهي المنطقة الرابعة والاخيرة من مناطق تخفيف التصعيد!
وهنا يحق لنا جميعًا أن نسأل موسكو وجيشها واستخباراتها:
إن كان ذلك هو هدفكم الحقيفي حقًا، فأين هذا التواجد لشماعة جبهة النصرة أو داعش وغيرها في (وادي بردى،المعضمية،داريا الغوطة، الرستن، أرياف حمص الشمالي،حلب درعا وغيرها) والتي كانت هدفًا أساسيًا لإجرامكم و لم تستثن من إرهابكم وارتكابكم فيها لأبشع أنواع الحصار والتجويع و المجازر والتهجير بحق الأطفال والنساء والشيوخ؟ وكان الهدف والغاية التي بررت وتبرر وسيلة إرهابكم هي فقط لإعادتها لحظيرة وبراثن النظام الطائفي المجرم لا لمكافحة الإرهاب أو غيره وكما تدعون وتبررون ؟!
ومما تقدم ؛ومن خلال الاستقراء لما مرّ من تطورات سياسية وميدانية فالملاحظ أنه وبعد انتهاء القمة الأخيرة في سوتشي بين الرئيسين أردوغان وبوتين والتي أستطيع وصفها بالفاشلة ،لأنها لم
تأت أو يطف على سطحها تحقيق أي من الأهداف التي خططت لها موسكو، أو حتى تلك التي ستلبي على الأقل ابسط رغباتها وطموحاتها الميدانية التي أرادت تحقيقها من انعقاد هذه القمة ،وبخاصة في ملف إدلب بل الواقع واستنتاجاتي تقول ان انقرة رفضت بالمطلق املاءات موسكو في اتخاذ وتنفيذ الاجراءات والتدابير التالية:
1- التقليل من اعتدتها وأسلحتها الثقيلة ،وسحبها للداخل التركي.
2- تخفيض عدد من النقاط التركية وإزالة بعضها من مناطق الجبهة ،وخطوط التماس مع قطعان النظام.
3- تسريع تنفيذ انقرة للممر الآمن بعرض 12كم جنوب وشمال طريق M4 الواصل إلى جسر الشغور و اللاذقية.
4- تنفيذ تعهداتها لفصلها المعارضة المعتدلة عن التي تصنفها موسكو بالمتشددة والإرهابية
5- فتح عدة معابر تجارية بين مناطق النظام و المعارضة وصولًا للحدود التركية.
ومن خلال مامر أعلاه ؛فإننا نستطيع أن نقول :إن الدب الروسي بدأ يتململ ويغضب ،ويزيد الحملات الاعلامية و التصريحات التضليلية الموجهة ضد إدلب ومحيطها بهدف تبرير مواصلة ارتكابه لجرائمه القادمة فيها ،ومحاولة وضع المقدمات لها فها هو بالأمس قد زادنا هذا الدب من الشعر بيتا عندما خرج على الإعلام رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا (حميميم) العميد البحري فاديم كوليت، ليدعي بتصريح له أنّ المسلحين في إدلب يخططون لشن هجمات كيميائية على مناطق تقع على خطوط التماس ،وبالذات في بلدتي (كنصفرة وقدورة) بريف إدلب بمشاركة من منظمة “الخوذ البيضاء التي يتهمهها الروس والنظام أيضا بالإرهاب وسينتجون لاحقًا فيديو مصورًا مفبركًا لاتهام قوات الحكومة السورية باستخدام مواد سامة ضد المدنيين !
ختامًا:
من الواضح وفي ظل ابتعاد الاتحاد الأوربي عمومًا وواشنطن بخاصة عن المشهد السوري ؛وغياب أي دور فاعل وواضح ومؤثر لهم فيه ،وترك تركيا في الساحة وحيدة في المواجهة لذلك، فإن موسكو -ولتحقيق أهدافها- وعلى مراحل في إدلب ستستمر بضغوطها المتواصلة السياسية والميدانية على أنقرة إن كان من خلال القصف اليومي والغارات على إدلب والتي تطال أحيانا محيط نقاطها العسكرية فيها وإحراجها أمام جيشها وأهالي إدلب والفصائل، كونها الضامن لاتفاق آذار 2020 ، أو من خلال تقارب موسكو مع عدوها اللدود ميليشيات قسد والإدارة الذاتية ،والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل ستنجح موسكو في ذلك أم أن لدى المجتمع الدولي وواشنطن رأي آخر بعدم ترك الشعب السوري وشريكها في الناتو تحت هذه الضغوط الكبيرة؟ ننتظر ونراقب ونرى بما تأتي به الايام القادمة… !
المصدر: رسالة بوست