عاد مصير المعتقلين السوريين في سجون نظام الأسد إلى الواجهة، بسبب انتشار وباء كوفيد-19 في مناطق سيطرة النظام. وتوثق الشبكة السورية لحقوق الإنسان أعداد المعتقلين السوريين بـ129989 معتقلاً، ويشكل المختفون قسرا قرابة 100 ألف منهم، فيما يقدر مدير الشبكة، فضل عبد الغني اجمالي عدد المعتقلين بضعف ذلك أي نحو 250 ألف معتقل.
وحذرت 43 منظمة مجتمع مدني سورية وعربية من “انتشار الفيروس داخل أحد مراكز الاحتجاز” وأكدت في بيان حصلت “القدس العربي” على نسخة منه على “حق السجناء في أماكن آمنة صحية وتوفير خدمات الرعاية الصحية والأدوية الكافية، وتوفير حماية خاصة للسجناء المعرضين للخطر”. معبرة عن قلقها من “رفض الحكومة السورية الإفراج عن السجلات الصحية للمحتجزين، سواء أولئك الذين تم قتلهم في الماضي أو الأشخاص الذين تم اعتقالهم مؤخراً والذين يعانون من أمراض مزمنة أو بحاجة إلى رعاية صحية متخصصة”.
وطالبت المنظمات الموقّعة على البيان “الأجهزة الرسمية في الحكومة السورية، الإفراج عن المسجونين والمحتجزين السياسيين والحقوقيين وعدم القيام بأي عمليات اعتقال جديدة للحد من إمكانية انتقال الفيروس لداخل مراكز الاعتقال”.
وحث البيان جميع أطراف النزاع على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة تفضي إلى “فتح جميع مراكز الاحتجاز في سوريا أمام الجهات الدولية المختصة، واتخاذ ما يلزم من تدابير لإنقاذ المحتجزين، بتأمين سلامتهم والإفراج عنهم، وفقاً لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان”.
وطالبت المنظمات السورية مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، ووكالات الأمم المتحدة الضغط على “الحكومة السورية” من أجل الإفراج عن المعتقلين السياسيين والحقوقيين في مراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية.
وحملت كذلك، اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية مسؤولية الضغط العاجل على النظام، لتتمكنا من ممارسة دورهما في تحسين الظروف الصحية في مراكز الاحتجاز، ولزيارة المراكز بشكل طارئ ومستعجل ومعاينتها، وتزويد المحتجزين فيها بوسائل الوقاية من المرض، والعلاج إن لزم الأمر، وتوفير الظروف الصحية المناسبة للأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالمرض.
ووقع على البيان 43 منظمة منها، تحالف منظمات المجتمع المدني “شمل” ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز الخليج لحقوق الإنسان، المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، والشبكة السورية لحقوق الإنسان، وسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، ومركز وصول لحقوق الإنسان، ورابطة عائلات قيصر، ومؤسسة بدائل، والنساء الآن، ونقطة بداية، ورابطة المعتقلين والمفقودين في سجن صيدنايا.
وفي السياق، حذرت منظمة العفو الدولية من عدم تعاون السلطات السورية تعاوناً كاملاً مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لمنع انتشار فيروس كوفيد-19 في السجون، ومراكز الاحتجاز، والمستشفيات العسكرية في البلاد.
ويهدد تفشي الوباء “عشرات الآلاف من الأشخاص المحتجزين تعسفياً أو المختفين قسرياً” كونهم “محتجزون في ظروف لا تتوفر فيها شروط النظافة، في مواقع تديرها قوات الأمن في شتى أنحاء البلاد”
واتهمت النظام بامتلاك سجل طويل في حرمان السجناء والمحتجزين من “تلقي الرعاية الطبية والأدوية التي هم في أمس الحاجة إليها”. وحثت على أن “يحصل كل شخص محتجز على خدمات الوقاية والعلاج حيث أن وباء فيروس كوفيد-19 يهدد الحياة”.
وطالبت العفو الدولية النظام السوري “الإفراج فوراً، ودون قيد أو شرط، عن جميع سجناء الرأي وهم النشطاء السياسيون والمدافعون عن حقوق الإنسان، وغيرهم ممن سجنوا لمجرد ممارستهم لحقوقهم بصورة سلمية. كما ينبغي النظر في الإفراج المبكر أو غير المشروط عن السجناء المعرضين لخطر شديد، مثل السجناء المسنين أو أولئك الذين يعانون من ظروف صحية خطيرة”.
وتستمر حملة المناشدة ولفت الأنظار إلى قضية المعتقلين في سجون النظام. حيث بادرت عدد من دول العالم إلى إطلاق سراح بعض السجناء وخصوصا الذين لم يدانوا بجرائم ولا يعدون مجرمين خطرين. وفي السياق قال فضل عبد الغني لـ”القدس العربي”: “استمر النظام السوري بالاعتقالات الممنهجة، بدل إطلاق سراح المعتقلين. فقد وثقنا 156 حالة اعتقال في شهر آذار/مارس فقط، 79 منها اختفاء قسري”. ونوه إلى أن النظام الإيراني “كان أرحم بشعبه من شريكه السوري، فأفرج عن 54 ألف معتقل خلال أسبوع”.
وأطلق عدد من النشطاء السوريين حملة تحت شعار “أطلقوا سراح معتقلي الرأي…كورونا يهدّد حياة عشرات آلاف المعتقلين في سجون النظام السوري”. على منصة “آفاز” وناشد البيان الأمم المتحدة بجميع هيئاتها سيما مجلس الأمن باتخاذ “ما ينبغي من خطوات تُلزم النظام السوري بالإفراج الفوري عن المعتقلات والمعتقلين القابعين في مسالخه البشرية، التي تفتقر لأبسط متطلبات الحياة، ذلك قبل فوات الأوان وحلول كارثة إنسانية ستكون وصمة عار وصفحة سوداء بتاريخ الأمم والشعوب، تُفقد الأمم المتحدة هيبتها ومصداقيتها، كما ستحيل منظمات حقوق الإنسان لمسرح اللافعل واللامعقول.” وتخوف الموقعون من “إشراف العنصر الإيراني والميليشيات العراقية وحزب الله على هذه السجون والمعتقلات”.
على صعيد متصل، بدأت روسيا والصين في 26 آذار (مارس) الماضي حملة تهدف إلى رفع العقوبات عن عدة دول وأنظمة استبدادية، كالنظام الإيراني ونظام الأسد، بحجة محاربة كوفيد-19 وأرسلتا مع ست دول أخرى رسالة تحث فيها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على المطالبة برفع العقوبات. وتمارس الدولتان وحلفاؤهما عملية تضليل كبيرة بهدف رفع العقوبات الاقتصادية عن نظام الأسد، خاصة وأن العقوبات المفروضة على النظام لا تشمل القطاع الصحي مطلقاً. على العكس من ذلك فإن نظام الأسد وروسيا تعمدوا قصف وتدمير المنشآت الطبية والمشافي والمراكز الحيوية. وفي استهتار كبير، ترك الأسد حدود بلاده مشرعة على غاربها أمام الحجاج الإيرانيين والعراقيين الذين ساهموا بنقل المرض بتواتر، أدى إلى تفشي وباء كورونا في عدة مناطق في دمشق وخصوصا منطقة السيدة زينب جنوب العاصمة.
وانتقدت مؤسسة “اليوم التالي” السورية، في بيان لها المحاولة الروسية الصينية لإعادة تسويق النظام وطالبت المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والإنسانية بمزيد من الضغط على النظام السوري “لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع انتشار الفيروس وتأمين العلاج والحماية لجميع المواطنات والمواطنين على كافة الأراضي السورية وإطلاق سراح أكثر من 130.000 معتقل تعسفياً في سجون الأسد، المعروضون اليوم لخطر أكبر في ظل تفشي الوباء”.
وأوضح المدير التنفيذي للمؤسسة، معتصم السيوفي في اتصال مع “القدس العربي” أن العقوبات المفروضة على النظام السوري هي نتيجة “إرتكابه لانتهاكات حقوق الإنسان ومجازر بحق المدنيين السوريين ولم تأت من فراغ”. مشيراً إلى أن العقوبات “فرضتها دول هي الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وليست عقوبات أممية، ولا تمنع أيا من دول العالم المتحالفة مع النظام بالعمل معه. ولكن الغاية هي إعادة تسويق النظام سياسيا من بوابة الأمم المتحدة”. ولفت “العقوبات على النظام تستثني القضية الإنسانية والطبية ولا توجد أي عقوبات تتعلق بهذا القطاع”. ونوه إلى أن “الأمم المتحدة ووكالاتها موجودة في دمشق، وتعمل منظمة الصحة والمفوضية العليا للاجئين واليونسيف بالتنسيق مع النظام بشكل تام”.
وأضاف “لم تمنع العقوبات الصين وروسيا من مساعدة النظام عسكريا في قتل شعبه. وبالتالي فإن العقوبات لن تعيق مساعدته إنسانيا من قبلهم” وقارن بين عدد السوريين الذين هم في مناطق سيطرة الأسد وعدد سكان مقاطعة ووهان، مصدر وباء كورونا، مشددا إذا كانت القضية قضية المساعدة من أجل الوباء فالصين تخطت محنة كورونا وتقوم ببيع المنتجات الطبية إلى العالم بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، لكن القضية هي قضية سياسية بامتياز”.
إن تفشي كورونا لم يمنع أمريكا من تشديد العقوبات على النظام في إيران، ويبدو أن مسألة رفع العقوبات على النظام السوري بحجة محاربة كورونا هو أمر مستبعد للغاية، رغم كل المحاولات التي تبذلها موسكو لإنقاذ حلفائها “الأشرار”.
المصدر: القدس العربي