أدى اتساع فجوة الخلافات التركية – الروسية، الناتجة عن اختلاف وتناقص رؤى البلدين المتصادمة في معظم القضايا والملفات الإقليمية، فضلاً عن دعمهم طرفي الصراع في سوريا، إلى توجيه رسائل ساخنة، حيث تواصل المقاتلات الحربية الروسية قصف المناطق الواقعة تحت النفوذ التركي، بينما دفعت أنقرة مؤخرًا بقطع عسكرية ضخمة من الجيش التركي، إلى إدلب، كقوة ردع، أرادت فيها أنقرة كبح جماح موسكو فيما لو حاولت هذه الأخيرة دعم قوات النظام السوري البرية، جواً، من أجل قضم مزيد من المناطق، ودفعها من أجل العودة إلى التهدئة، لاسيما قبيل اللقاء الرئاسي المرتقب الذي سيجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في سوتشي، نهاية هذا الشهر لبحث الأوضاع في شمال غربي سوريا.
خشية تركية
وفي هذا الصدد قالت وكالة الأنباء الدولية «بلومبرغ نيوز» ويقع مقرها في نيويورك في الولايات المتحدة، إن تركيا أرسلت مزيدًا من القوات العسكرية إلى شمال غربي سوريا، حيث تستعد لعقد اجتماع حاسم مع قادة روسيا وإيران الأسبوع المقبل، في إشارة إلى عزمها على مواصلة صد هجوم مرتقب على أحد الخطوط الأمامية الأخيرة في إدلب ومحيطها.
وعبرت أنقرة مراراً عن خشيتها من أن تؤدي محاولة قوات النظام السوري المدعومة من روسيا التوغل في معقل المعارضة الأخير في إدلب إلى تدفق المزيد من اللاجئين نحو الحدود التركية، لا سيما مع تصاعد الهجمات التي تشنها الطائرات الحربية الروسية والقوات السورية على الأراضي اجتذب انتباه المسؤولين الأتراك الذين يواجهون بالفعل انتقادات محلية متزايدة بشأن تكلفة إيواء أكبر عدد من اللاجئين في العالم.
وتوقع الرئيس التركي وفق المصدر أن يتعاظم التصعيد في إدلب تزامناً مع اللقاء المرتقب في 29 سبتمبر /أيلول/ الجاري، وفقاً لمسؤولين تركيين تحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتهما لمشاركة معلومات حساسة. وقال المسؤولان إن آلاف الجنود الإضافيين سيساعدون في ردع أي محاولة تقدم للقوات البرية التابعة للنظام السوري في إدلب والسيطرة على الطرق المؤدية إلى الحدود التركية.
ونقلت الوكالة عن الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط ومقرها موسكو، إيلينا سوبونينا، إنه مع قيام القوات التركية بدور الردع، فإن أقصى ما يمكن للقوات السورية فعله هو استعادة الأراضي خطوة بخطوة، وأضافت «لم تتغير الأمور بشكل أساسي على الرغم من أنه قد تكون هناك جهود لاستعادة بعض المناطق المحددة».
وفي اجتماع نادر للرئيس الروسي مع رأس النظام السوري الأسبوع الماضي، وصف بوتين، استمرار وجود القوات الأجنبية غير المصرح بها من قبل حكومة الأسد بأنه «المشكلة الرئيسية» لسوريا، وهو الأحدث في سلسلة المطالب الروسية لتركيا.
ورد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الدورة الـ 76 لها، يوم الثلاثاء، وذلك من خلال تسليط الضوء على دور تركيا تجاه استقبال اللاجئين، حيث أوصل الرئيس التركي رسالة مفادها أن تركيا استنفدت طاقتها من حيث القدرة على تحمل موجات لجوء جديدة، داعيًا إلى إظهار إرادة أقوى لإيجاد حل سياسي للقضية السورية، مؤكداً أن بلاده لم تعد تحتمل قدوم موجات هجرة جديدة خاصة إلى جانب وجود مليون لاجئ من دول أخرى إضافة إلى اللاجئين السوريين. وأضاف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الثلاثاء، بأن بلاده ستواصل مكافحة الإرهاب في سوريا، مشدداً في الوقت ذاته على أن تركيا لا يمكنها استيعاب موجة هجرة جديدة من الأراضي السورية.
تعزيزات عسكرية
في غضون ذلك، وثقت مصادر إعلامية محلية دخول مجموعة من الأرتال العسكرية التركية إلى منطقة خفض التصعيد الرابعة إدلب شمال غربي سوريا، وقالت إنها في إطار التعزيزات التي ترسلها تركيا بشكل مستمر لدعم نقاطها وقواعدها العسكرية هناك.
وذكر مصدر تركي أن 3 أرتال عبرت مؤخرًا معبر كفرلوسين العسكري، ودخلت إلى محافظة إدلب، وضمت عددًا كبيرًا من الدبابات والآليات العسكرية وشاحنات محملة بكتل إسمنتية ومعدات لوجستية. كما شملت دبابات وعربات مدرعة ومدافع ميدانية ثقيلة ومنظومات مضادة للطائرات من طراز ATILGAN، و منظومات مضادة للطائرات متوسطة المدى من طراز MIM23-HAWK في معسكر المسطومة ومطار تفتناز وتل النبي أيوب.
مركز أبعاد المتوسط للدراسات الاستراتيجية، ذكر في دراسة جديدة له الأربعاء، أن سوريا تضمّ أكثر من 552 موقعاً عسكرياً لـ4 قوى أجنبية وهي الولايات المتّحدة وروسيا وإيران وتركيا. مشيراً إلى أنه لم يسبق في تاريخ سوريا الحديث تسجيل هذا الحجم من التواجد الأجنبي، الذي يعكس مدى التأثير الخارجي على حساب الفاعلين المحليين. وأوضح المركز أنه من الصعب انسحاب القوّات الأجنبية من سوريا قبل توصّل أطراف النزاع إلى تسوية سياسية مستدامة، وقد يطول الوجود العسكري الأجنبي في حالة تجميد النزاع، ولن تتوانَى جميع الدول عن التأسيس لبدائل تُحافظ لها على بقاء طويل الأمد في البلاد حتى وإن كان بأشكال غير عسكرية.
ومع أنّ الصدام العسكري بين القوى الأجنبية في سوريا يُعتبر احتمالاً مستبعَداً، إلا أنّ مجرّد حصوله وتجاوُز اتفاقيات فكّ الاشتباك، قد يؤدي إلى زيادة حضور بعض الدول على حساب الأخرى، والذي يُفترض أن ينعكس على مصير بقيّة القوات الأجنبية وحتى المحلية حسب المصدر الذي بيّن أن وجود القوات الأجنبية في سوريا لا بد أن يؤثر على شكل التسوية السياسية وعلى شكل نظام الحكم في البلاد، كما أنه في المقابل يتأثر ويتوقف مصيره على هذه العوامل.
المصدر: «القدس العربي»