مقالتان سياسيتان تثيران الخوف من “ثورة ثقافية” جديدة في الصين ||   نشرتا في الآونة الأخيرة بالترافق مع إجراءات حكومية متشددة

وليام يانغ

انشغلت الصين على مدى الأسبوع المنصرم بنقاش عام بشأن حدوث “ثورة ثقافية” جديدة يديرها الحزب الشيوعي الصيني بهدف السيطرة على مسار التطور الحاصل في البلاد.

وبدأت المسألة بمقالة نشرها لي غوانغمان أشاد فيها بـ”الإصلاحات” التي أطلقها الحزب الشيوعي الصيني في قطاع التكنولوجيا والترفيه والتعليم طوال الأشهر المنصرمة. وفي وقت سابق، عمل لي محرراً في مجلة “سنترال تشاينا إلكتريك باور” التجارية. وفي مقالته المشار إليها آنفاً، وصف لي حملة القمع التي جردها الحزب الشيوعي بأنها “ثورة كبرى”، شملت النواحي الاقتصادية والمالية والثقافية والسياسية. كذلك كتب لي في مقالته التي نشرها في حسابه الخاص على وسائط التواصل الاجتماعي، أن “هذه الثورة تصرف النظر عن المقاربة المتمحورة حول الرأسمالية، وتعود إلى مقاربة تتعلق بالشعب، ويمثل ذلك عودة إلى هدف الحزب الشيوعي الصيني الأساسي، بالتالي إلى أسس الاشتراكية”.

في ذلك الإطار، جرت مشاركة مقالة لي على نطاق واسع في الإنترنت من قبل المنصات الإعلامية الصينية التابعة للدولة، الأمر الذي طرح مخاوف من أن تكون الحكومة الصينية ربما شرعت في استهلال العودة إلى حقبة مضطربة عرفها الصينيون أثناء “الثورة الثقافية”. وعن ذلك الأمر، كتب أحد مستخدمي الإنترنت على موقع المدونات الإلكترونية القصيرة الصيني الشهير “ويبو” Weibo، أن “لغة المقالة قليلة الفطنة، وعلى الصين أن لا تضطرب جراء استخدام شخص من الأشخاص [أسلوب الثورة الثقافية] ولغتها”.

وتاريخياً مثلت “الثورة الثقافية” حركة اجتماعية وسياسية طوال عقد كامل، من عام 1966 حتى وفاة الزعيم الصيني ماو تسي تونغ بعد عشرة أعوام. وقد جرى خلالها إرسال شبان كثيرين من سكان المدن، إلى مناطق ريفية بغية إعادة تأهيلهم. وكذلك أزهقت أرواح الملايين من البشر.

في المقابل، وفيما عمل معظم المواقع الإلكترونية التي تديرها منصات تابعة للدولة بمشاركة مقالة لي، إلا أنها كلها عمدت إلى حذف مقطع محدد من المقالة، يصف فيه الكاتب بعض المشاهير الصينيين ممن استهدفتهم الحملة الأخيرة التي جردتها الدولة بأنهم “ورم خبيث” في المجتمع. وعلى النسق نفسه، ادعى لي أن عمالقة التكنولوجيا كشركات “ديدي تشوكسينغ” [شركة تأجير مركبات وحافلات] و”آنت غروب” [تملك منصة للدفع الإلكتروني ترتبط بموقع “علي بابا” الشهير للتجارة الرقمية]، ليسوا سوى عملاء أجانب و”في موقع معارض للشعب”.

وبعد بضعة أيام من انتشار مقالة لي، عمد رئيس تحرير الصحيفة الشعبية القومية الصينية “غلوبال تايمز”، هو زيجين، إلى نشر مقالة مضادة رفض فيها ما طرحه لي، معتبراً إن مقالة الأخير أساءت تأويل توجّه سياسات الحزب الشيوعي الصيني.

واستطراداً، كتب زيجين في نص نشره عبر حسابه الخاص بوسائط التواصل الاجتماعي، إن “ذلك الذي يعتبره لي في مقالته ثورة كبرى، جاء كي يشوه سلسلة تدابير في تنظيم السوق نهضت بها الحكومة خلال الأيام الماضية”. وتابع هو، “تتمثل غاية تلك التدابير في تنظيم السوق، وتصحيح وتلافي النمو الوحشي لرأس المال، والتأثيرات الجانبية التي يحدثها”.

وكذلك اعتبر هو أن أهداف تلك التدابير تتمثل في تسريع عجلة الاقتصاد والتنمية الاجتماعية، تزامناً مع تعزيز الازدهار المشترك وتدعيم الجهود الرامية إلى إحلال المساواة والعدالة، التي تمثل تحسينات في الحوكمة الاجتماعية، بحسب رأيه، وليست ثورة.

وإزاء تأييد بعض مستخدمي الإنترنت آراء هو، قاد ذلك السجال الدائر البعض إلى طرح سؤال أيضاً عن مدى تعبير تلك الأمور عن وجود صدام في وجهات النظر داخل الحزب الشيوعي الصيني. وفي الأثناء، غدت مقالة هو غير قابلة للمشاركة على تطبيق المراسلة الشهير في الصين “وي تشات” WeChat، فيما أضحت مقالة لي في ما بعد غير متاحة على التطبيق المذكور.

من جهة أخرى، أشار المؤرخ الصيني زهانغ ليفان إلى أن تولي الإعلام الرسمي تعميم مقالة لي، يظهر أنها حظيت بالدعم والتأييد من قبل شخصيات مهمة في الحزب الشيوعي الصيني، مضيفاً أن الخطوة جاءت شبيهة بقرار الزعيم السابق ماو تسي تونغ بتأييد “ملصق الشخصية الكبيرة” الأول إبان “الثورة الثقافية”. وتابع ليفان، “كلما واجه الحزب الشيوعي الصيني بعض التحديات في التاريخ، يلجأ إلى استخدام تكتيكاته الثورية”. وفي السياق نفسه، ذكر زهانغ أن مقالة هو زيجين مثلت المعارضة داخل الحزب الشيوعي الصيني، فمن الواضح أن الذين خبروا “الثورة الثقافية” لا يريدون أن تتكرر تلك الحقبة تحديداً من التاريخ الصيني.

في المقابل، أوضح الكاتب الصيني المعروف مورونغ زويكون إن تحليل هو شكل وجهة نظر جماعات محددة داخل الحزب، ولأن مصطلح “الثورة الثقافية” يتضمن نطاقاً واسعاً من المظاهر، فإنه يعتقد بأن هو زيجين حاول التشديد على أن التغييرات السريعة التي طرأت خلال الأشهر الماضية لم تنحرف عن مسار التطورات التي مر بها الحزب الشيوعي.

وفي تعليق كتبه على “فيسبوك”، أوضح مورونغ، “أعتقد أن الفكرة التي يحاول معظم الناس التعبير عنها عبر [المقارنة بـ] “الثورة الثقافية” هي حدوث حالة من الفوضى الكاملة، بيد أن هو يريد التشديد على أن التطور الصيني يتبع التوجه الأصلي للحزب. أعتقد أن الشخص الموجود في مقدمة “السيارة” لا يعرف في الحقيقة إلى أين تتجه تلك السيارة”.

استكمالاً، فيما يرى البعض في السجال الذي أطلقته مقالتا لي وهو تعبيراً عن صدام بين الآراء المختلفة ضمن الحزب الشيوعي الصيني تجاه حملة التدابير الأخيرة التي جردتها الحكومة في الصين، يرى آخرون أن ذلك الأمر يعبر ببساطة عن أسلوبين مختلفين داخل الحزب. ويؤيد أصحاب الأسلوبين هذين جميعهم النظام الموجود، لكنهم يختلفون على قيم عالمية.

في ذلك الإطار، ذكر تينغ بياوُ، أستاذ زائر في “كرسي بوزين” بجامعة شيكاغو، أنه بالنظر إلى التعميم الكثيف من قبل المنصات الإعلامية الرسمية لمقالة لي، فقد ظهر أن هنالك بعض المواضيع التي تريد الدولة لفت الانتباه إليها. وأخبر “اندبندنت” عن اعتقاده بأن “النبرة الصارمة في المقالة تجعل كثيرين من الناس يتساءلون عن مدى عودة الأسلوب الكتابي لـ[الثورة الثقافية] بصورة فعلية”. وأضاف، “في مقالته تناول لي خطة الحكومة للانقضاض على قطاع الثقافة والترفيه. وقبل تنفيذ تلك الخطة، شرعت بكين لتوها في الانقضاض على بعض الشركات والمشاهير. وجاءت خطوة تعميم مقالة على ذلك النحو الآن كي تظهر أنها تحتوي بعض الموضوعات التي تود الحكومة تسليط الضوء عليها”.

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، أطلقت الحكومة الصينية حملة شرسة استهدفت قطاعات عدة في البلاد. وبعد أن شددت الصين قوانينها وضوابطها في قطاع التكنولوجيا، غدا قطاع الترفيه الهدف الأحدث في حملتها. وقد أعلنت الحكومة الصينية الشهر الفائت عن حظر على تصنيف المشاهير والشخصيات البارزة في منصات التواصل الاجتماعي، كذلك فرضت غرامات ضريبية على بعض أكبر نجوم موسيقى الـ”بوب” الصينيين. إضافة إلى ذلك، قامت المنصات الإعلامية التابعة للدولة بنشر مقالات تدين نزعة “عبادة النجوم”. وفي ذلك الإطار، حُذِف محتوى متعلق بأشهر ممثل صيني، زهاو واي، من الإنترنت.

وإزاء قلق البعض من العودة إلى حقبة الستينيات والسبعينيات المضطربة، أشار تينغ بياوُ إلى أن الانقضاض على المجتمع المدني لم يتوقف منذ صعود الرئيس الصيني شي جينبينع إلى السلطة. وقد وصف ذلك الانقضاض في ظل قيادة شي بأنه “شامل ومفروض بالقوة”. وعن ذلك الأمر، لفت تينغ نظر “اندبندنت” إلى أن “كل تلك الانقضاضات تمثل خطوات تنفذها حكومة جي بهدف ضمان الحكم السلطوي للحزب الشيوعي في الصين”.

في سياق مقابل، يرى المؤرخ الصيني زهانغ ليفان أن الانقضاض الأحدث [مِنْ قِبَل الحكومة الصينية] يعبّر عن الصعوبات السياسية والاقتصادية التي تواجهها الصين. وبحسب رأيه، “أعتقد أن ذلك الانقضاض له علاقة بالتحديات الدولية التي تواجهها الصين، إضافة إلى تشديد التحكم في جميع أنحاء البلاد”.

وفي الإطار عينه، أشار تينغ بياوُ إلى أنه فيما تعتبر الانقضاضات التي تجردها الدولة أموراً حتمية، فإنها تبدأ في العادة ضد مجموعات الأشخاص الذين لديهم خلاف أيديولوجي كبير مع السلطات، ثم تنتقل تدريجاً إلى المجموعات التي تعتبر أكثر اعتدالاً. وعلى الرغم من ذلك، يعقد بياوُ الأمل بتفاؤل على أصوات مقاومة صينية تظهر في خضم الحملة الأحدث التي تشنها الحكومة. وكخلاصة، يرى أنه “بعد عقود من التطورات المدنية، لن يكون من السهل قمع أصوات المقاومة. بالتالي، سيستمر قمع الحكومة، وسينقلون قمعهم كي يستهدف المستويات الأكثر عمقاً في المجتمع المدني”.

© The Independent

 

المصدر: اندبندنت عربية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى