منذ تجميد الرئيس التونسي قيس سعيد، نشاط البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، أجرت الدبلوماسية الجزائرية تحركات مكثفة، أظهرت مدى اهتمامها بالأوضاع في جارتها الشرقية، وانتهجت في الوقت ذاته سياسة الحياد بين مختلف الأطراف.
وأشرف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، على المتابعة الدقيقة للانسداد السياسي في تونس، من خلال تبادل المكالمات مع نظيره قيس سعيد، وإيفاد وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة، مبعوثا شخصيا له إلى قصر قرطاج عدة مرات.
ففي 25 يوليو/ تموز الماضي، قرر الرئيس التونسي تجميد البرلمان، الذي يرأسه راشد الغنوشي زعيم حركة “النهضة”، 30 يوما، ورفع الحصانة عن النواب، وأقال رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتولى بنفسه السلطة التنفيذية، بمعاونة حكومة يعين رئيسها، ثم أصدر أوامر بإقالة مسؤولين وتعيين آخرين.
وفي 23 أغسطس/ آب الماضي، أعلنت الرئاسة التونسية، أن سعيد “أصدر أمرا رئاسيا يقضي بالتمديد في التدابير الاستثنائية المتخذة إلى غاية إشعار آخر”.
اتصالات مكثفة
وفي الوقت الذي تكفل فيه وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، بشرح الوضع العام في البلاد لنظرائه من مختلف دول العالم، بادر الرئيس سعيد، في اليوم التالي من قراراته “الاستثنائية”، إلى مكالمة نظيره الجزائري.
وقالت الرئاسة الجزائرية، حينها، “إن الرئيسين (تبون وسعيد) تبادلا مستجدات الأوضاع في الشقيقة تونس”.
وكانت تلك أول مكالمة يجريها الرئيس التونسي، نحو الخارج، منذ إقراره العمل بما يسميه الحالة الاستثنائية.
بعد يومين، وصل وزير الخارجية الجزائري إلى تونس، كمبعوث شخصي للرئيس تبون، حاملا رسالة إلى سعيد، لم يكشف عن فحواها.
وفي مكالمة ثانية في ظرف 6 أيام، أبلغ سعيد، تبون، أن “تونس تسير في الطريق الصحيح” وأنه “سيتخذ قرارات مهمة قريبا”.
وواصل لعمامرة، زياراته إلى قصر قرطاج ولقاء سعيد، حيث قام بثلاث زيارات في أقل من شهر، منها زيارتان في أقل من أسبوع (بين 26 يوليو و1 أغسطس).
وفي آخر مكالمة بين رئيسي البلدين تعود لـ23 أغسطس، أكد تبون، تضامن الجزائر شعبا وحكومة مع الشقيقة تونس في هذه المرحلة الدقيقة”، بحسب بيان للرئاسة الجزائرية.
مع تونس في كل الأحوال
لم يتسرب الكثير، من فحوى هذه المكالمات والزيارات الكثيفة، ولم يحدد الجانبان طبيعتها وما إذا كان “تبادلا للتحليلات عن الوضع” أو “مباحثات” أو “طلبا لدعم معين”.
وكشف الرئيس تبون، في مقابلة مع وسائل إعلام محلية، في 8 أغسطس، لأول مرة، أن التواصل الدائم والمستمر بين بلاده وتونس “ليس تدخلا في الشأن الداخلي التونسي”.
وقال: “نحن لا نستطيع التدخل في الشؤون الداخلية للشقيقة تونس، لأنها قادرة على حل مشاكلها بنفسها، ونحن معها في السراء والضراء”.
واستطرد: “لكن لا يجب أن يضغط عليها أحد، ونحن لا نقبل أن يضغط عليها أي طرف مهما كان”.
ورغم تأكيده على أنه لن “يبوح بما أخبرني به أخي قيس سعيد”، إلا أنه ألمح ولو جزئيا إلى أن المحادثات تركزت حول سبب المعضلة السياسية التي تشهدها تونس.
وقال إن “الأزمة التي عرفتها (تونس) ربما لأنها اختارت نظاما لا يتماشى مع تركيبة دول العالم الثالث”.
وذلك في إشارة واضحة إلى النظام البرلماني، الذي اعتمدته البلاد، منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
وفي السياق يتوقع أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، مصباح مناس، أن تونس بصدد التوجه نحو اعتماد النظام الرئاسي بدل البرلماني.
وقال مناس، للأناضول، إن تونس “تتجه نحو تعديل دستوري يعيد صلاحيات الرئيس، بعد ازدياد القناعة بأن النظام البرلماني لم يعد صالحا لبسط الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد”.
واعتبر أن “تونس تملك رصيدا محترما من التجربة السياسية والوعي الشعبي يمكّنها من تخطي الأزمة الحالية، على أن يكون دور الجزائر داعما ومساعدا لها”.
وبيّن أن هذا الدور لا يتعارض “أبدا” مع مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية، القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وإنما نابع من العلاقات الخاصة بين البلدين، بحكم الجغرافيا والتاريخ.
حرص على الحياد
وأبدت الجزائر حرصا خاصا لعدم تعريض موقفها المحايد لأي اختلال، من خلال حصر التواصل على الرئيس التونسي دون غيره من الأطراف السياسية.
وفي السياق، كشفت مديرة جريدة “الفجر” الجزائرية (خاصة) لإذاعة “شمس إف إم” التونسية قبل أيام، أن لعمامرة، نفى تلقي بلاده طلبًا من رئيس حركة “النهضة” راشد الغنوشي لزيارتها.
وقالت حزام، إن لعمامرة، أكد لها أن بلاده “لن تستقبل أي سياسي تونسي في الوقت الراهن، ولن تدعم أي جهة سياسية على حساب أخرى”.
حماية من الضغوط
رفض الجزائر لأية ضغوط خارجية على تونس، تكرر على لسان لعمامرة، الذي قال في مؤتمر صحافي، في 24 أغسطس، “إن الجزائر تتفهم الظروف الخاصة التي تمر بها تونس، وتحترم سيادتها وحرمة ترابها”.
وتابع: “وهي (الجزائر) ضد أي تدخل أجنبي، ولا تقبل أن تمارس عليها ضغوط، ولا تقبل أن تملى عليها وصفات أو إجراءات على الشعب التونسي”.
ويعتبر الصحافي المتخصص في الشأن الدولي رضا شنوف، أن الدور الجزائري في الأزمة التونسية، نابع “من حرصها على استقرار تونس، لأن الهم الأكبر للجزائر هو استقرار حدودها”.
وقال شنوف: “كانت تونس الدولة الوحيدة المستقرة سياسيا إلى حد ما في المحيط الإقليمي للجزائر”.
وأضاف: “ترفض الجزائر التدخل الخارجي لأنه يهدف لخدمة أجندات هذه الدول على حساب أمن واستقرار المنطقة”.
وبحسب المتحدث، فإن الجزائر ترفض أي تغيير في الخريطة السياسية التونسية بناء على “أجندات خارجية”.
ومعروف، أن للجزائر حساسية خاصة من التدخلات الأجنبية، في بؤر التوتر والنزاعات، والتي صنعت تدريجيا تطويقا استراتيجيا لها، و”بقيت تونس المتنفس الحيوي الوحيد (للجزائر)، وسترفض أي تدخلات خارجية”، بحسب ما أوضحه “مناس” للأناضول.
إذ أن دول الجوار تشهد أوضاعا ساخنة سواء في ليبيا أو مالي والنيجر أو مع المغرب وإقليم الصحراء، بينما تعد موريتانيا الأكثر استقرارا في المرحلة الحالية، بعدما شهدت منذ 2005، انقلابين عسكريين، وهجمات لتنظيمات إرهابية بين 2009 و2010.
والخميس، قال لعمامرة، في حوار مع وكالة سبوتنيك الروسية، “ما يؤثر على أمن واستقرار تونس يؤثر علينا كذلك”.
المصدر: الأناضول /القدس العربي