سعى حافظ الأسد طوال فترة حكمه وقبلها، وبالتعاون مع قياديين آخرين في حزب البعث العربي الإشتراكي ، لتحقيق التوازن الإستراتيجي وفق رؤيتهم ومشروعهم الطائفي .
وبُعيْد تفرده بالخيانة الثانية للحزب عام 1970 ،وزجه لرفاقه وشركائه في مشروع التوازن الإستراتيجي الأقلوي ،عمد للتواصل والحوار مع كل التجمعات والتنظيمات والتيارات الأقلوية في سورية ولبنان والشرق الأوسط ، للوصول لتكتل أقلوي يقوده ، وبدعم إسرائيلي ورعاية خارجية .
وكان أول إنجاز أقلوي له ، هو اللقاء مع الحزب القومي السوري عام 1972 .ولهذا الحزب شراكة فعلية في السلطة الأسدية على مستوى مجلس الشعب والوزارات والنقابات المهنية ، وكان في طليعة المشاركين في قمع الثورة السورية التي انطلقت عام 2011 بقواته المسماة ( نسور الزوبعة )،مع شركائه الطائفيين أمثال ( الحرس الثوري الإيراني ، لواء زينبيون وفاطميون والحشد الشعبي العراقي وحزب حسن نصر الله اللبناني.
كان قمة طموح الخميني أن يكون مرجعية شيعية لها مكانة لدى الشاه ، لكن حافظ – في سعيه للتوازن الإستراتيجي الطائفي – أقنعه وبمساعدة مشغِّلي حافظ ، بمقولة ولاية الفقيه ، وقيادة الأمة الإسلامية من (قم ) الإيرانية .
لذلك أسس حافظ الإتحاد الوطني الكردستاني / الطالباني عام ١٩٧٥ في دمشق ،وقدم له الدعم والمساندة ،وأسس حافظ حزب ( pkk ) عام ١٩٧٨ في دمشق وطلب منهم أن يتبنوا الماركسية ، لتسويغ انخراط طائفيي تركيا وطائفيي دول الجوار من غير الكرد في التنظيم ، ومزق لبنان بحثاً عن حليف مسيحي يشاركه في توازنه الإستراتيجي ،لتكتمل جبهته الإستراتيجية الطائفية التي تضم ( شيعة ،نصيرية ،كرد ، مسيحيين…إلخ ) بعد أن فشل في إقناع القيادات الدرزية والإسماعيلية في الإنضواء في جبهته الطائفية ضد العرب السنة خاصة وأهل السنة عامة في الشرق الأوسط ،وقد كان هذا هدفه وهدف آخرين في الحزب ،وهدف الكيان الصهيوني ، وذلك للتغلب على الكتلة العربية والسنية في المنطقة ، وإقامة دويلات أقلوية قزمية و ضعيفة ، يهيمن عليها العملاق الصهيوني ، وتحويلها لسوق استهلاك وتصدير مواد أولية ، ومنع قيام كيان سياسي قوي في المنطقة العربية ،متحالف مع قوى السلام والحرية في العالم ، يهدد مصالح الغرب والكيان الصهيوني .
وبدأ التنفيذ عندما غدر حافظ الأسد وآخرون برفاقهم ، وخانوا حزبهم في ٢٣ شباط ١٩٦٦ ،واستكمل مشروعه في انقلاب 1970 ،وسجن شركاءه وتفرّد بقيادة المشروع بتعليمات خارجية .
وكانت بداية التنفيذ بوقوف حافظ والتنظيمين الكرديين اللذين أسسهما في دمشق ( طالباني + bkk ) العلني والصريح مع إيران ضد العراق في حرب طاحنة ،وتوَّجها بتصفية المقاومة الفلسطينية في لبنان والحركة الوطنية اللبنانية ،ومشاركة قواته مع امريكا في حربها ضد العراق .
ومع تباشير الربيع العربي كان بشار وحلفائه مستعدين ومتأهبين لمواجهة أي تحرك في سورية .
ومع انفجار الثورة السورية عام ٢٠١١ تابع بشار مشروع حافظ الطائفي بشراكة مع ملالي قم وأذنابهم من خونة الأمة وقوات طائفية باكستانية وإفغانية والتنظيمين الكرديين والحزب القومي السوري الطائفي . مع استمرار الدعم الصهيوني والروسي و”القلق الأمريكي “.
وما استطالة الثورة السورية زمنياً وعمقها المأساوي ، إلا سعياً لإنجاح التوازن الإستراتيجي بين اقليات الشرق الأوسط وبين الكتلة السنية العربية والشرق أوسطية والإنتصار عليهما .
لكن النهوض الصيني وضع أمريكا بين خيارين صعبين ، هما مبعث القلق الأمريكي وعدم دعمها الجدي لمشروع التوازن الإستراتيجي الطائفي في الشرق الأوسط والوطن العربي ،رغم تصريح بريمر بأن امريكا انهت الحكم السني في العراق .
وهي الآن في حيرة ،فإما أن تمضي مع المشروع وتستثمر في حلف الأقليات لمواجهة المد الصيني، وهذا يتطلب المغامرة بمشروع غير ناضج ، ويحتاج لزمن ليأتي أُكله ، وقد يفشل .
وإما ان توحِّد العرب و السنة الشرق أوسطيين لمواجهة المد الصيني وحليفه الروسي /الإيراني ،الذي بدأت معالمه في الوضوح بدخول الصينيين في حلف مع إيران ،ويأس أمريكا في كسب الروس لصفها على أرضية مسيحية .
ويندرج خروج أمريكا من أفغانستان ضمن هذه الرؤية ، وأظنها ستعمد للخروج من العراق إن رأت أن لامفر أمامها إلا بتوحيد العرب والمسلمين السنة في الشرق الأوسط ، ليكونا سداً منيعاً في وجه المد الصيني الروسي الإيراني، في أهم منطقة من العالم، لموقعها الاستراتيجي وثرواتها وقوتها البشرية، وأظن أن هذه الرؤية مرهونة بمقدار وعي القيادات والقوى القومية العربية لأهمية هذا الخيار الأمريكي، والعمل لإنضاج هذا الخيار لدى الأمريكان،بالعمل المنسق مع الجار التركي وباقي القوى الإسلامية في الشرق الآوسط .
667 3 دقائق