ماكرون والحوار الإيراني إلى أين؟

رندة تقي الدين

خلال لقائه وزير الخارجية الإيراني الجديد أمير عبد اللهيان في بغداد طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الوزير الإيراني أن يتحاور باستمرار مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان، وأبلغه ضرورة دفع تشكيل الحكومة في لبنان، كما تحدث عن لبنان مع وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان.

وجرى اتصال هاتفي بين لودريان وعبد اللهيان بعد أيام قليلة من لقاء ماكرون – عبد اللهيان في بغداد. وحث لودريان عبد اللهيان على العودة الى الاتفاق النووي. وكان ماكرون تحادث مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مرة ثانية بعد الأولى التي هنأه فيها بانتخابه رئيساً ليحثه على العودة الى التزام إيران بواجباتها بالنسبة الى الملف النووي طالباً منه دفع تشكيل الحكومة في لبنان. ورد الرئيس الإيراني بأنه يؤيد تشكيل حكومة في لبنان للخروج من أزمته.

واعتبرت أوساط الرئيس الفرنسي أن قول الرئيس الإيراني عن لبنان صحيح لأن ليس هناك مطالب إيرانية معينة تمثل شروطاً لتشكيل الحكومة وأن المعطل الحقيقي هو رئيس حزب “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي يريد كل شيء له وأن “حزب الله” لا يستجيب للطلب الفرنسي الضغط على باسيل لأنه لا يريد الاختلاف مع الرئيس عون والتيار العوني الذي أعطاه تغطية مسيحية. ومما لا شك فيه أن ماكرون يحاول لعب دور في منطقة الشرق الأوسط ومع الحليف الأميركي الرئيس جو بايدن عبر دفع علاقته وحواره مع إيران.

ويعتبر ماكرون أن الأولوية هي لإعادة إيران الى طاولة المفاوضات في فيينا والى التزاماتها إزاء الملف النووي لأنها اقتربت جداً من تطوير السلاح النووي ولأن دول الاتحاد الأوروبي بحاجة الى التوازن في الدبلوماسية مع إيران، خصوصاً بعد تسلم “طالبان” الحكم في أفغانستان مع ترقب تدفق اللاجئين الى أوروبا عبر الحدود الإيرانية والتركية.

فور الانسحاب الأميركي الكارثي من أفغانستان قال ماكرون إنه ينبغي التحاور مع تركيا وإيران للتصدي لموجة اللجوء الأفغاني المتوقعة الى أوروبا وهو بحاجة الى إيران من أجل الملف النووي وللتصدي لموجة النزوح الأفغاني الى أوروبا التي ترعب فرنسا ودول أوروبا وأيضاً لدفع عملية تشكيل الحكومة في لبنان. وحرصت باريس باستمرار على التحاور مع وكيل إيران في لبنان “حزب الله” وامتنعت عن اعتباره إرهابياً كما فعلت ألمانيا وبريطانيا للإبقاء على نافذة التحاور معه. وكان ماكرون حاور ممثل الحزب في لبنان محمد رعد خلال لقائه رؤساء الأحزاب في قصر الصنوبر في أيلول (سبتمبر) 2020 بعد انفجار مرفأ بيروت، وحتى أنه التزم له أن فرنسا لن تطلب تحقيقاً دولياً في تفجير مرفأ بيروت، علماً أنه حتى اليوم لم يأتِ أي تحقيق محلي بنتيجة، وباريس تلح على السلطات اللبنانية لتعلن نتائج التحقيق. وقد حرصت باريس باستمرار على وضع الحزب في صورة ما تقوم به من تحركات مثلما حصل بعد زيارة السفيرتين الفرنسية والأميركية في لبنان للسعودية.

ويؤمن ماكرون بدبلوماسية متوازنة في المنطقة ما دفعه الى تشجيع رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي الى عقد اجتماع بغداد بحضور وزيري خارجية السعودية وإيران. وماكرون تحاور مع الوزير السعودي حول لبنان رغم أنه يعلم أن السعودية ترفض للتدخل في لبنان. وهو واثق بأن الحوار مع إيران مفيد ولو أن هذا الحوار الفرنسي الإيراني لم يعطِ أي ثمار حتى الآن، ولذلك هو مستمر من أجل دفع تشكيل حكومة في لبنان ومساعدة البلد رغم كل التعطيل الحاصل.

لدى توليه الرئاسة وبعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد المانيا في أيار (مايو) 2018، بذل الرئيس الفرنسي جهداً كبيراً للعب دور الوسيط بين الرئيسين الإيراني حسن روحاني والأميركي دونالد ترامب على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول (سبتمبر) 2019. كان ماكرون رتب لقاء بين الرئيسين وانتظر روحاني ليلاً في باحة الفندق ولكن الأخير لم يظهر بعد أن كان وافق على مبدأ اللقاء. فقد منع المرشد الأعلى علي خامنئي روحاني من لقاء ترامب لتفشل مهمة ماكرون.

بعد انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران اتصل ماكرون لتهنئته واستمر على اتصال معه منذ انتخابه لأن ماكرون مقتنع أن بإمكانه لعب دور مع إيران عبر حوار مستمر مع القيادة الجديدة، خصوصاً أنها قيادة مؤلفة من المتشددين الذين ينتمون الى “الحرس الثوري” والمقربين من المرشد الأعلى ويملكون نفوذاً وتأثيراً في المرشد أكثر من سابقيهم. وكان  لافتاً أنه أصر على القول إنه الرئيس الفرنسي الأول الذي يقوم بزيارة مزارٍ شيعي في العراق.

عدد من دبلوماسيي فرنسا يرون أن إيران بلد كبير مع تاريخ عريق وثقافة واسعة وأن توجه ماكرون قد يعطي دوراً لفرنسا في المنطقة، علماً أن كل المحاولات فشلت حتى الآن لأن النظام الإيراني يريد الهيمنة في منطقة الشرق الأوسط، في سوريا والعراق ولبنان، ولا يريد منافسة أي دولة غربية لدوره في هذه الدول. والمرجح أن الحوار مع نظام خامنئي سيبقى حواراً مع طرشان لأن ما يهم إيران هو رفع كل العقوبات الأميركية عن البلد لتبقى داعمة لوكلائها في المنطقة ولأعمال “الحرس الثوري” الإيراني معهم.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى