يلفت النظر في الكتاب الذي بين يدينا عنوانه المعبر عاطفياً ونفسياً وانسانياً : أشواق الحرية، كما اهمية الموضوع المطروح عن السلفية والديمقراطية، لنقل دون تزيّد أنهما من أهم الموضوعات التي تحتاج إلى التحرير والتنوير والفهم، في واقعنا العربي في العقدين الأخيرين.
يعمل المؤلف على تحديد معاني المفهومين – كما يرى – السلفية: من حيث هي رؤيا فكرية مرجعية شاملة تعتمد على الانطلاق من مرجع سابق حاكم للتفكير والتحليل عند السلفيين، القرآن والسنة مثلا عند الإسلاميين، كما أن هناك سلفية ماركسية وقومية وليبرالية… الخ. يركز الكاتب على السلفية الإسلامية كرؤيا وموقف إسلامي يُعاش باشكال وآليات مختلفة لكنه ينطلق من ذات الخلفية الفكرية، رجال دين، حركات سياسية سلفية وحركات جهادية.. الخ.
كما يحدد الكاتب مفهوم الديمقراطية: ويقترب منه بما هو آليات وممارسات لها علاقة بممارسة السلطة السياسية. الانتخابات ، البرلمان، الدستور، فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية…الخ. ويؤكد على كون الديمقراطية بهذا المعنى ليست اعتقادا بديلا أو منافسا للإسلام ؛ بمقدار ما هي آليات تنفيذ المقرر بإرادة شعبية في كافة مجالات الحياة.
يعتمد الكاتب على فكفكة نقاط الالتباس الحاصل من الإسلاميين عموما وليس السلفيين فقط تجاه موضوع الديمقراطية. مؤكدا على أن الديمقراطية هي آلية ممارسة سياسية في مواجهة الحكم الاستبدادي، الذي يركز عليه الكاتب بتسمية حكم الارادة الشعبية بمواجهة الحكم الفردي المستبد. كما يحرر الموضوع اعتقاديا عبر ربطه بموضوع الشورى في الإسلام، حيث تكون الديمقراطية هي التطور الموضوعي لمفهوم الشورى بشكله الممارس تاريخيا. الشورى مفهوم استشارة الناس بشأن حكمهم، وتناول موضوع كونها ملزمة للحاكم أو فقط استشارية، وانتصر لكونها ملزمة لأنها بغير ذلك هي مجرد تجميل للحاكم المستبد . أكد أن الديمقراطية هي الآليات الضابطة للشورى بصورتها الممارسة سابقا. لا تناقض بل تكامل. ومن خلال ذلك يرفع الغطاء عن شرعية النظم الاستبدادية حتى وإن تسترت دعواها أنها تطبق الشريعة الإسلامية، فالشريعة الاسلامية لا تتحقق في سلطة مستبدة و ظالمة تقود الحكم لمصالحها الخاصة.
يؤكد الكاتب أن الحكم في الدولة الديمقراطية يمارسه الأكفأ المنتخب شعبيا، وان النجاح والانتاجية هما معيار دوام الحاكم او المسؤول في دوره، لانه محكوم عبر الديمقراطية لإعادة شرعيته مجددا ودوما. بعكس الحاكم المستبد وحاشيته الذين لا يحكمهم إلا مصلحة الحاكم الذي عينهم. الولاء لا الكفاءة تحكم الحكم المستبد. على عكس الديمقراطية التي تجعل المنتخب شعبيا في المنصب وتجعله مجددا تحت الملاحظة والمحاسبة والإقصاء وعدم تكرار انتخابه أن فشل أو أساء.
يقف الكاتب كثيرا عند موضوع تطبيق الشريعة وأنه يحكم فكر الاسلاميين عموما، ويؤكد ان تطبيق الشريعة من النظام المستبد يتناقض مع جوهر الشريعة ومقاصدها، لان تجارب التاريخ أكدت ان الحكم المستبد يوجه الحكم لمصلحته، وادعاء الحكم المستبد أنه يطبق الشرع الإسلامي ليس إلا غطاء كاذبا لواقع استغلال مزدوج للدين وللمجتمع لصالح المستبد وأعوانه. كما أنه يحاجج في موضوع خيارات الناس ديمقراطيا ؛ بانهم قد يختاروا ما يناقض الشرع الاسلامي – جدلا-. يجيب ان ذلك نادر الحدوث لأن مجتمع السعودية الذي ركز عليه في كتابه والعربي عموما، ينظرون الى الشريعة وتحكيمها في حياتهم بشكل ايجابي، مع ذلك يرى أنه عبر الديمقراطية ومداومة المطالبة بتعديل تلك المواد القانونية للوصول لنفي التناقض بين نص قانوني ما وبين الشريعة الإسلامية. لا طريق الا الديمقراطية نفسها لتعديل الخطأ، والانتصار للشرع الاسلامي، يرفض الكاتب بالمطلق استعمال العنف في مواجهة الحاكم، كما تفعل كثير من الجماعات الاسلامية وخاصة الجهادية، ويراها توغل في الاساءة للدولة والمجتمع والشرع الاسلامي، وتزيد الفرقة والحساسية بين الحكم والاسلاميين عموما.
ناقش الكاتب مفهوم أهل الحل والعقد وأنهم إن وضعوا بطريقة التعيين فهم على أحسن الأحوال مجرد أدوات دعائية للحاكم، يتستر بهم على حكمه المستبد وتحقيق مصالحه على حساب الشعب، أما المفهوم الديمقراطي سواء لانتخاب الحاكم او البرلمان مع فصل السلطات كما ذكرنا مع تداول السلطة زمنيا كل فترة محددة ومتفق عليها شعبيا وعبر الدستور والقانون، سيكون هذا الحال هو الأقرب لروح الإسلام ومصلحة المسلمين وللشرع الاسلامي الذي جاء للحفاظ على العباد ومصالحهم.
كما حرر المؤلف مفاهيم العلمانية والليبرالية كما حرر مفهوم الديمقراطية، العلمانية بصفتها تتحدث عن حكم لا ديني. وإنها متناقضة مع حكم الشرع الإسلامي كما يرى الاسلاميين، وكذلك الليبرالية بصفتها فلسفة تنطلق بحق الحرية وان كان لها ضوابطها لكن قد تتناقض مع الشرع الاسلامي. هذا مع كون أغلب الإسلاميين قد ربطوا بين الديمقراطية والعلمانية والليبرالية، ليصلوا الى رفض الديمقراطية ضمنا على أنها مرتبطة عضويا مع العلمانية والليبرالية. يؤكد الكاتب أن العلمانية والليبرالية مفاهيم مختلفة عن الديمقراطية وغير مرتبطة بها عضويا. مدافعا عن الديمقراطية بصفتها ادوات ووسائل وآليات ممارسة الحكم على افضل طريقة لما تطورت اليه الخبرة الإنسانية، وأنها الاكفأ لتحقيق حكم الشرع الإسلامي.
يؤكد الكاتب على كون الديمقراطية هي أفضل الطرق لتحقيق الحرية والعدل في المجتمعات، وهي بذلك تحقق ضمنا مقاصد الشريعة الإسلامية. كما رصد الذين يقفون في وجه الديمقراطية في الدولة والمجتمع، وهم الحاكم المستبد وحاشيته والمستفيدين منه والمنظرين له، وإن اي نقض للديمقراطية دون طرح البدائل يعني ضمنا الدفاع عن الاستبداد ودوامه، بصفته منظومة كاملة للضرر بالدولة والمجتمع والحقوق ولصالح الحاكم وعصبته. كما يوضح أن الديمقراطية محكومة بكونها تجربة توالد ذاتي دائم تجدد ذاتها وتتجاوز اخطاءها ولا ديمقراطية خالدة منزّهة.
هناك من يرفض الديمقراطية بصفتها تصنع (دينا) بدل الشرع الاسلامي وان مرجعية الشرع هي الله، بينما مرجعية الديمقراطية هي الناس. يزيل الكاتب الالتباس بأن المجتمع المحكوم ديمقراطيا، مضبوط بفصل السلطات والقوانين والبرلمان والانتخاب وفوقهم الدستور الذي هو فوق القانون ويعتبر ضابطا للعقد الاجتماعي، وهذا غالبا يكون محكوما بعقائد الناس الذي هو الإسلام عندنا. وان الدستور لن يكون وفق ذلك متناقضا مع الشرع الإسلامي بل على العكس سيكون مضبوطا بمعايير الإسلام بصفته المرجع الأول لأغلبية الناس في مجتمعاتنا.
أخيرا : نرى أن الكتاب على صغر حجمه وتركيزه الشديد، يناقش وبكثير من الدقة والتمكن أهم ما نعانيه في عالمنا العربي والإسلامي في العقود الأخيرة. وأهمها الإسلام والديمقراطية، على أهمية هذين الموضوعين و الحاحها الشديد. فعند التحدث عن الإسلام والجماعات الجهادية وآخر تطورات واقعها وتحولها الى مركز اهتمام العالم ووصم اغلبها بصفة الإرهاب وتجييش الجيوش واعلان الحرب عليها. هي بأمس الحاجة إلى التحرير والتنوير والوعي بها وكيفية التعاطي معها. أليس من الأسلم النظر لموضوع الشرع الاسلامي وتطبيقة بصفته مهمة بشرية تتعلق بمقاصد الشرع المدركة علميا، في حال المجتمعات العربية والاسلامية والممكنة المعرفة والمعالجة والممارسة وفق الآليات الديمقراطية، ونغادر الى غير رجعة أي أرض يقف عليها أي أحد سواء كان حاكما او جماعة اسلامية ليقول انه يحكمنا باسم الله وليس علينا الا الطاعة او القتل ، هذه مهمة ملحّة.
أليس من الأجدى أن ننقل ممارستنا للسياسة ولحقنا في أن يكون لنا دور في مجتمعاتنا من حيز التمني والوهم إلى حيّز العلم، وأن نتصرف وفق قراءة دقيقة لواقع حياتنا ومصالحنا كشعوب ودول ضمن العالم. ان نغادر الى غير رجعة الاستبداد الذي اكل المجتمعات وجعلها خاوية من الكرامة والحقوق والعدالة والثروات. اليس الربيع العربي الذي بدأ في ٢٠١١م وتمت تصفيته بشكل وحشي، من قبل الأعداء المتحالفين الناهبين البلاد والعباد، الانظمة المستبدة والقوى الدولية والعدو الصهيوني. اليس تجدد الربيع العربي في الجزائر والسودان هو عودة للمربع الأول للمطالبة بحقوق الشعوب العربية . بالحرية والكرامة الإنسانية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل. وان مهمة الناشطين والسياسيين والمفكرين تركيز الجهود لتقوية الشعوب للوصول الى حقوقهم اسوة بكل الشعوب التي سبقتنا الى جنة الدولة الديمقراطية الارضية بكل عيوبها، متجاوزين جهنم الاستبداد القاتل المتوحش الممتد على بقاع ارض العروبة والاسلام.
نعم يجب أن نعمل كل منا وبقدر امكانياته لتنتصر قضية الحرية والعدالة والديمقراطية لأجل إنساننا العربي.