في هذه الأيام، تمر الذكرى الثامنة لانتشار مصطلحٍ جيوسياسي جديد هو “روجآفا كردستان”، الذي يعني لغوياً “غرب كردستان”، أما جغرافياً فيُطلِقه الكُرد على مناطق شاسعة من شمال، وشمال – شرق سوريا؛ يعتبرونها جزء لا يتجزأ من دولة كردستان، التي يطمحون لإقامتها على أراضٍ تندرج حالياً ضمن جغرافية كلٍ من تركيا والعراق وإيران وسوريا.
ملكية هذا المصطلح الفكرية تعود لـ”حزب الاتحاد الديموقراطي” (الكردي) (PYD) بقيادة صالح مسلم، الذي هو في حقيقة الأمر فرعٌ أو امتدادٌ لـ”حزب العمال الكردستاني” (التركي) (PKK)، بقيادة عبد الله أوجلان.
مع تطور أحداث الثورة السورية، ومع ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي (داعش) وتوَسّعِه في المناطق الشمالية والشمالية – الشرقيه السورية، وانخراط الذراع المسلّح لـ”حزب الاتحاد الديموقراطي” في الحرب على (داعش) ضمن إطارٍ عسكريٍّ شكّلته الولايات المتحدة من فصائل مسلحة محلية، وأطلقت عليه تسمية “قوات سوريا الديموقراطية”، وبعد فشل إقليم كردستان العراق في الحصول على اعتراف دولي باستقلاله، رغم حصول فكرة الانفصال عن العراق على تأييد 92,73 بالمئة من أصوات المشاركين في الاستفتاء، الذي أجري لهذا الغرض بين سكان الإقليم في أيلول /سبتمبر 2017. نتيجة كل هذه العوامل مجتمعة، طوّر الكرد فكرة “روج آفا” لتصبح “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”.
الحديث عن علاقة الكرد السوريين بالثورة السورية، حديث ذو شجون. فعلى الرغم من العلاقة المتوترة – على مدى عقود – بين النظام المتسلط على رقاب كل السوريين – من جهة، ورافعي راية المظلومية الكردية – من جهة أخرى، إلا أن “حزب الاتحاد الديموقراطي” اتخذ موقفاً جدلياً جداً من ثورة الشعب السوري على منظومة الإقصاء والاستبداد والقمع والفساد، التي اتخذت من شعار القومية العربية قناعاً لها. إذ يشير العديد من الأحداث والوقائع إلى وجود نوعٍ من التنسيق بين “النظام” وحزب صالح مسلم، الذي اتخذ على عاتقه مهمة قمع الأصوات الكردية الوطنية السورية. وبترحيب كبير من ذلك الحزب، دخلت الكوادر القيادية لـ”حزب العمال الكردستاني”(التركي) إلى الأراضي السورية، وراحت تشكل ما يسمى بـ”الأمة الديموقراطية” المزعومة، التي وضع أسسَها النظرية عبد الله أوجلان. إن استخدام صفة “المزعومة” هنا لا يهدف إلى تسخيف نظرية أوجلان، بل إلى وصف الأسلوب التعسفي القمعي الإقصائي، الذي تنتهجة “قوات سوريا الديموقراطية” في حكم منطقة “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”.
كان من المؤمّل أن يتمتع كل سوري يعيش في منطقة “الإدارة الذاتية” أو يلجأ إليها، بالمساواة، وبهذا تكون هذه المنطقة مهوىً لأفئدة السوريين الطامحين إلى العيش بحرية وكرامة، ومنطلقاً لتعميم هذه التجربة على كافة التراب السوري. وبعد ذلك، وفي ظل أجواء “صحية” يستطيع كل مكوّن من مكونات الشعب السوري أن يحصل على حقوقه كاملة دون أي تحفظ. لكنّ التفكير الأناني الاستقصائي، الذي تبلور في الجبال، أحبط هذه الآمال وأفشل هذه التجربة.
المصدر: السوري اليوم