أظهرت التطورات المتتالية مؤخرا في الجنوب السوري، سواء على الصعيد الميداني أو الإقليمي مفارقات عن تلك التي شهدتها مناطق سورية أخرى، باستثناء خروقات جيش الأسد لاتفاقيات التهدئة والتفاهمات الدولية فيها، وهي سياسة ليست جديدة على النظام الذي عودنا طيلة السنوات الماضية تعمد التحركات التخريبية، فيما اتبعت روسيا طريقا مغايرا للسيطرة على الأوضاع، وبعيدا عن استخدام الطائرات الحربية التي لم تتوان سابقا عن استخدامها، بل وتجريب الجديد من أسلحتها على بقية الجغرافية السورية.
إلا أن الحدث الدولي الأبرز في محافظة درعا، كان الحراك الأردني المكثف لإيجاد مخرج مناسب لكل الأطراف لضمان مصالح المملكة الاقتصادية، بعد التخلص من هواجسها الأمنية المتعلقة بالتمدد الإيراني نحو حدودها، ومنع التغيير الديموغرافي للسكان في محافظة درعا، ولعل هذه الغايات والأهداف هي ما حملت الملك عبد الله الثاني لزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وطرح خريطة طريق، ومن ثم زيارة موسكو ولقاء الرئيس الروسي وامتداح الدور الروسي في استقرار الأوضاع في سوريا وعموم المنطقة.
مصادر إعلامية، أشارت إلى أن العاهل الأردني عرض على الرئيس الأمريكي الانضمام إلى فريق عمل يسعى للاتفاق على خريطة طريق للحل في سوريا، فيما أشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن الفريق يضم كلا من روسيا والأردن وإسرائيل ودولا أخرى، وأن خريطة الطريق التي تحدث عنها ملك الأردن تهدف إلى إيجاد حل في سوريا، وتضمن وحدتها وسيادتها، وأن المقترح الأردني يتطلب تعاونا أمريكيا روسيا مع رئيس النظام السوري بشار الأسد.
الاستثمار في الجنوب السوري
تحمل زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، إلى موسكو أسبابا مشابهة لتلك التي طار من أجلها إلى واشنطن، وهو الاستثمار في الجنوب السوري، من خلال تعهد الأمريكيين والروس بالعمل على منطقة مشابهة للشمال السوري إدارتها من أبناء محافظتي السويداء ودرعا.
وبالتالي الولوج في إعادة الإعمار عبر الأردن، وهذا ما يوفر للمملكة مبالغ كبيرة تنعش اقتصادها، وفي الوقت نفسه، تعيد اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
التصريحات الرسمية الأخيرة لكل من الأردن وروسيا، قرأها السياسي السوري درويش خليفة على أنها تتعامل مع الملف السوري من بوابة الحالة الإنسانية التي يعاني منها السوريون، ولكن الموضوع أعقد وأبعد من ذلك، فالمصالح الدولية تتجاوز معايشة الأوضاع الإنسانية، وتركز على الجوانب الأمنية والاقتصادية بالدرجة الأولى.
كما أن زيارة الملك عبد الله الثاني إلى البيت الأبيض كأول زعيم شرق أوسطي، ولقائه الرئيس الأمريكي جو بايدن تُعدُّ أولى الخطوات العربية من أجل إيجاد حل لزحف النظام وحلفائه كميليشيا حزب الله والحرس الثوري الإيراني، بسبب محاصرتهم درعا البلد والمناطق المحيطة.
في ذات الوقت، إيران تسعى بحسب ما قاله خليفة لـ «القدس العربي» تسعى لإيجاد تمركز طويل الأمد بالقرب من الحدود الشمالية لإسرائيل، يمنحها هذا الأمر نقاط قوةٍ في تشكيل طوق صاروخي من الجنوب السوري وجنوب لبنان وصولا إلى قطاع غزّة.
ولكن الأمر لا يتعلق بأمن وسلامة المنطقة الجنوبية من سوريا فحسب، هناك تخوف من تمركز الميليشيات الإيرانية بالقرب من الحدود الأردنية وبالتالي تصبح الأردن آخر قطع الدومينو، وسقوطها يعني وصول حلفاء إيران إلى مشارف المملكة السعودية.
من الواضح، أن الأردن لديه طموح تمثيل دول الهلال الخصيب ورعاية مصالحها، لأنه البلد الوحيد الذي لم تهتز أغصانه، كما هو الحال عند جيرانه في سوريا، ولبنان، وفلسطين، والعراق.
إعادة العلاقات مع الأسد
المملكة الأردنية تشكل اليوم موقعا واستراتيجيا، لذلك بدأت بلعب أدوار مهمة ليس في حدودها فحسب أو بجوارها السوري، بل توسعت إلى عموم المنطقة، فهي شريك ببرنامج نقل الغاز المصري إلى لبنان مرورا بسوريا، والمملكة لديها اليوم مصالح تتعدى الحالة السورية أو تقفز عنها، فهذه المصالح من شأنها ترتيب الملف السوري.
لكن زيارة الملك الأردني إلى روسيا، لا تعني، بحسب مدير مركز جسور للدراسات محمد سرميني، إعادة إنتاج النظام السوري، إنما التحدث مع الفاعلين المسيطرين على قرارات الأسد، والذين يقومون بضبط سلوكه.
أما إذا تحدثنا عن التصريحات الإعلامية الأردنية حول النظام السوري، فهي ليس من الضرورة أن تنعكس حقيقة الواقع، وهذه الحقائق تقول لا أحد يريد إعادة إنتاج النظام في سوريا، ولا أحد يريد التعامل مع دمشق بشكل مباشر.
فقد كانت هناك محاولات داخل البيت الأردني لمحاولة إعادة العلاقات مع الأسد، ولكن تلك المحاولات اصطدمت بقرار حاسم من الملك عبد الله الثاني، بأنهم غير معنيين بإعادة العلاقات مع بشار الأسد بشكل مباشر.
تحييد الإيراني وتفعيل الروسي
سرميني رأى أن ما جرى ويجري في الجنوب السوري درس مهم للأردنيين بأن النظام وإيران لا يلتزمان بالتعهدات التي تم الاتفاق فيها مع روسيا، من أجل تمرير المشاريع الاقتصادية المتعلقة بخط أنابيب الغاز والنفط وصولا للكهرباء والخدمات اللوجستية، فكل هذه المشاريع لا يمكن أن تتم مع وجود حالة عدم استقرار في الجنوب السوري.
إضافة لذلك، فإن الوجود الإيراني وانتشار الميليشيات الموالية لطهران، هي جهات مهددة للمملكة، إضافة إلى وجود أطراف إقليمية تحاول إرسال رسائل مع الأردن، واليوم يحاول الملك الأردني لعب هذا الدور بشكل فاعل من خلال زيارته إلى واشنطن ومن ثم التوجه إلى موسكو، علاوة عن اللقاءات الإقليمية الأخيرة للمملكة مع تركيا والإمارات.
دول المنطقة على العموم بحاجة إلى سوريا مستقرة في الوقت الراهن من أجل تمرير مصالح تلك الأطراف، حتى لو كانت سوريا على الحالة أو الشكل التي هي عليها اليوم، أي ليس بالضرورة الذهاب نحو حل سياسي شامل، وهنا تكمن أهمية الاستقرار في هذه المرحلة من أجل تمرير صفقات الطاقة، والنظام السوري غير مؤثر في هذه المعادلة، لذلك نرى الحديث اليوم عن تحييد الدور الإيراني وتفعيل الدور الروسي، والجميع شاهد المماطلة الروسية في حسم ملف الجنوب السوري، وكان هدف موسكو من ذلك هو إبرام تفاهمات مع الجهات المعنية.
إدراك روسي لأهمية الدور الأردني
موسكو الحاضرة بقوة في سوريا والداعمة للنظام السوري منذ بداية الثورة السورية في عام 2011 تدرك أهمية الدور الأردني في حسم الملف، وخاصة في القطاع الجنوبي، لذا فإن اتصالات القادة والمسؤولين من البلدين لم تنقطع طيلة السنوات الماضية، وفق «الأناضول».
وفي الأعوام الماضية، اجتمع الرئيس بوتين مع ملك الأردن عبد الله الثاني، وبحث معه معظم ملفات المنطقة، وكان آخرها على هامش مشاركة الأخير في أعمال منتدى «فالداي» للحوار في سوتشي الروسية عام 2019.
ومع اشتداد الأزمة في درعا، واتخاذها بعدا دوليا واسعا؛ لما تفرضه قوات النظام السوري من حصار على أهالي المحافظة، مهد الثورة في بلادهم، وما ترتب عليه من قتل وتجويع، فإن روسيا تسعى لإيجاد حل يرضي جميع الأطراف ويزيل «نقطة سوداء» من سجلها، وفق ما يراه مراقبون.
لا تطبيع أردني مع الأسد
استبعد القيادي في المعارضة، العقيد فاتح حسون، حصول تطبيع بين المملكة الأردنية الهاشمية والنظام السوري، معللا ذلك بالموقف الرسمي أو الشعبي الأردني الداعم لقضية الشعب السوري وحقوقه المشروعة، ومشيرا في ذات الوقت إلى أن زيارة العاهل الأردني إلى موسكو ليست بالضرورة لإعادة تعويم النظام السوري أو إعادة تدويره من جديد، بل تأتي في إطار التنسيق مع الدول الفاعلة في المنطقة والمسيطرة على قرارات الأسد.
يسعى الأردن لتحسين واقعه الاقتصادي الهش وهو جوهر زيارات العاهل الأردني للولايات المتحدة وروسيا، فيما تتعامل عمان مع القضية السورية ببراغماتية بسبب الضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، في حين أن الأردن يسعى إلى هدفين في الجنوب السوري، وهما:
الجانب الاقتصادي: الأردن يتطلع لعملية إعادة الإعمار في الجنوب السوري، والتي ستتم حتما عبره، وهذا ما يوفر للمملكة مبالغ كبيرة وستُصبح الموانئ الأردنية المركز الرئيسي لاستيراد أي بضائع قد تحتاجها عمليّات إعادة الإعمار.
كما إنّ الشركات الدوليّة ستتخذ من عمّان مقرّا لها وستفتح أسواق العمل أمام الأردن الذي تعاني نسبة كبيرة من مواطنيه من البطالة، ما يساهم في إحياء الاقتصاد المتهاوي، وفي الوقت نفسه، تعيد اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
الجانب الأمني: هناك تخوف لدى الأردن من سيطرة الميليشيات التي تدعمها إيران على المنطقة الجنوبية وتمركزها بالقرب من الحدود الأردنية، وبالتالي ستصبح مرتعا لتجار الحشيش والمخدرات عبر حدودها إلى دول الخليج وأن يكون نظام الأسد قادرا على ضبط هذه الميليشيات.
الأردن لوحده غير قادر على إحداث فرق في الملف السوري عامة، وملف الجنوب السوري خاصة، لكن القائد في المعارضة السورية، العقيد فاتح حسون، رأى بأن الدعم الذي ستتلقّاه المملكة من واشنطن والدول الخليجيّة رُبّما سيُمكّنها من ذلك، خصوصا وأنّ مبلغ الملياري دولار الذي وعدت واشنطن بتأمينه من حلفائها من شأنه أنّ يُنعش اقتصادها.
المصدر: القدس العربي