تتوالى التطورات في محافظة درعا السورية وتحديداً في أحياء درعا البلد بمدينة درعا بجنوب البلاد، وسط تزايد أعداد الأهالي الذين اختاروا المغادرة جراء اشتداد حصار النظام السوري للمنطقة، وتمسكه بفرض خياراته على المحافظة. وغادر أخيراً حوالي 80 شخصاً غالبيتهم من المدنيين أحياء درعا البلد باتجاه الشمال السوري، في رحلة تهجير قد تكون مفتوحة على مصرعيها، في ظلّ تعنّت النظام والإيرانيين وعدم قبولهم بصيغ الحل المطروحة من قبل اللجنة المفاوضة عن الأهالي، على الرغم من الوساطة الروسية ضمن المفاوضات الجارية، والتي لم تسفر إلى اليوم، وبعد أكثر من شهرين من الحصار والتصعيد، عن نتائج تذكر.
وفي إطار التصعيد، ذكر “تجمع أحرار حوران” المعارض، أن قوات النظام قتلت 4 أشخاص في كمين على “الحاجز الرباعي” الذي تديره المخابرات الجوية التابعة للنظام، بين بلدتي المسيفرة والجيزة شرقي درعا، فجر أمس الجمعة. وحسب التجمع، فإن الضحايا هم طارق زياد الجوفي من بلدة الكرك الشرقي بريف درعا، وهو منشق سابق عن قوات النظام، ومالك كمال خليفة من البلدة نفسها، ورامي رشاد الحريري من بلدة الجيزة شرقي المحافظة وهو قيادي حالي في اللواء الثامن المنضوي تحت الفيلق الخامس التابع للروس، وميسر قطف من بلدة علما بريف درعا، وهو منشق سابق عن قوات النظام، فيما لا يزال مصير شخصين آخرين مجهولاً بعد احتجازهما من قبل عناصر الحاجز.
وحسب ناشطين من محافظة درعا، فإن المخابرات الجوية والفرقة الرابعة تعملان بالتنسيق مع إيران، على إحباط أي جهود للتسوية السلمية في محافظة درعا، فيما تتعاون المخابرات العسكرية مع روسيا لتنفيذ خطط النظام بأقل قدر من القوة العسكرية.
في هذه الأثناء، تزداد المخاوف من إجبار أهالي درعا البلد واللجنة المفاوضة عنهم، على القبول بخيار التهجير إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في كل من إدلب وحلب بشمال البلاد. إذ يدفع النظام نحو هذا الخيار، من خلال عدم التزامه بأي من الاتفاقات الماضية للحل، إلى جانب تضييقه الحصار أكثر فأكثر لإجبار الأهالي على الرضوخ بعد نفاد المؤن في المنازل والمتاجر. كما تسعى إيران عبر مليشياتها، خصوصاً تلك التابعة للحرس الثوري، لإحداث تغيير ديمغرافي كهدف استراتيجي لها في الجنوب السوري، ولا سيما في درعا.
وخرجت أول من أمس الخميس، ثاني قوافل التهجير نحو الشمال السوري من درعا. ففي حين كانت الدفعة الأولى، يوم الثلاثاء الماضي، وأقلّت ثمانية مقاتلين سابقين في المعارضة، بعضهم من المنشقين عن النظام، فإن الدفعة الثانية أقلت 79 شخصاً، خمسة منهم من المقاتلين والبقية من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال. وأشارت مصادر من درعا تحدثت لـ”العربي الجديد”، إلى أن “خروج المدنيين مع الحافلات التي جاءت لنقل بعض المقاتلين الراغبين بالمغادرة، كانت بناء على رغبتهم، وذلك بعد اشتداد حدة الحصار المفروض من قبل النظام على أحياء درعا البلد، والتخوف من التصعيد في الأيام المقبلة، فضلاً عن غياب أي أفق للتوصل إلى حل في محافظة درعا”.
من جهته، أوضح المتحدث باسم لجنة التفاوض عن أهالي درعا البلد، عدنان المسالمة، أن “ما حصل الخميس، هو أن هناك أشخاص ضاق بهم الحصار والجوع والقصف وطلبوا الرحيل، ونحن كلجنة حاولنا إقناع الناس بأن هذا الملف خطير ويجب التثبت بالأرض، لكن الكثير أصروا لأسباب خاصة بهم على المغادرة”. وأضاف: “قبل يومين، كانت لنا جولة تفاوضية مع النظام، رفضنا فيها أي طلب للتهجير ولم نقبل بالسير بهذا الملف”.
وكشف المسالمة أنه أول من أمس الخميس “حضر إلينا مسؤول روسي كبير، واتهمنا بأننا نحتجز الناس ونمنعهم من تحقيق خيارهم بالرحيل الطوعي، وكان ممثل روسيا في مجلس الأمن الدولي قد اتهمنا صراحة بذلك”. وأردف المسالمة: “كما ألمح المسؤول الروسي إلى أن قواعد اللعبة ستختلف في حال إصرارنا على عدم السماح للراغبين بالرحيل بتحقيق مطلبهم، وكان الرأي أن كل شخص حر بتصرفه ورأيه ورحل من أراد ذلك”.
من جهته، استبعد الناشط الإعلامي أيمن أبو نقطة، في حديث مع “العربي الجديد”، حدوث عمليات تهجير واسعة النطاق من درعا باتجاه الشمال، معللاً ذلك بالقول إن “الأمر ليس بهذه السهولة على النظام وحتى على الإيرانيين لتنفيذه”. وعبّر عن اعتقاده بأن “النظام سيدفع نحو تهجير بعض المطلوبين مع عوائلهم، بهدف تحقيق نصر إعلامي بعد كل التصعيد الذي حصل في المحافظة في الآونة الأخيرة”، مشيراً إلى أنّ المعارضة لا تزال تمتلك نقاط قوة للتفاوض عليها، لا سيما بعد الصمود بمواجهة النظام، والتصدي لقواته وتكبيدها مع المليشيات المساندة لها خسائر أثناء محولاتها اقتحام أحياء درعا البلد”.
ولفت أبو نقطة إلى أن “الروس دخلوا بقوة على مسار التفاوض المتعثر إلى الآن، وذلك من أجل فرض رأيهم، بعد أن ضغط الإيرانيون في الفترة السابقة لنقض جميع الاتفاقات بما في ذلك التي تدخّل الروس فيها”. وأكد أن “لجنة التفاوض لا تزال تشدد على عدم القبول بمطالب التهجير القسري، وتسليم السلاح الفردي وإقامة حواجز من قبل قوات النظام في أحياء درعا البلد وعلى مداخلها”، مشيراً إلى أن “تمسك اللجنة برفض هذه المطالب ينبع من تماسكٍ ووحدة في القرار على الأرض”. ولفت أبو نقطة إلى أنّ “اللجنة قد تقبل كحل وسط، بإجراء عمليات تفتيش بوجود عناصر من اللواء الثامن، وهم من أبناء محافظة درعا، وغالبيتهم من العناصر السابقة في فصائل المعارضة”، كما يمكن للجنة، بحسب المتحدث نفسه أن “تقبل بإنشاء حواجز لعناصر اللواء في أحياء درعا، لكن من دون وجود لقوات النظام وتحديداً الفرقة الرابعة والمليشيات الإيرانية”.
وقبل أيام، قدم الروس خريطة طريق للحل في درعا البلد، تتألف من بنود عدة على أن يتم تنفيذها ضمن جدول زمني تدريجي ومحدد. ومما نصت عليه هذه الخريطة تسليم السلاح الخفيف والمتوسط، وعودة المنشقين عن قوات النظام إلى الثكنات العسكرية التابعة للأخير، والتحاق المتخلفين بالخدمة الإلزامية، ودخول قوات النظام والمليشيات إلى أحياء درعا البلد المحاصرة، وتهجير رافضي التسوية إلى الشمال السوري. لكن هذه الخطة لاقت رفضاً شعبياً وكذلك رفضتها لجنة التفاوض، لأنها تتماهى مع شروط قوات النظام.
ومنذ حوالي 65 يوماً، تفرض قوات النظام حصاراً خانقاً على أحياء درعا البلد، مطالبةً الأهالي هناك بتسليم السلاح الفردي، في نقض لاتفاق التسوية المبرم برعاية روسية صيف العام 2018، والذي يضمن لعناصر المعارضة السابقين إبقاء السلاح الفردي والمتوسط بين أيديهم. وصعّد النظام عبر الفرقة الرابعة والمليشيات المدعومة من إيران ضد هذه الأحياء من خلال عمليات القصف اليومي، محاولاً اقتحام درعا البلد، في حين واجه مسلحون وعناصر سابقون في المعارضة قواته والمليشيات ومنعوها من الدخول. لكن الوضع الإنساني يزداد صعوبة، في ظلّ نقص المؤن والأدوية، وتعقد صيغ الحل.
المصدر: العربي الجديد