مانجو ماو: ثمرة خلود زعماء الصين

علي أبو مريحيل 

دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ، في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي، إلى تعزيز قيم الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وعقائد الشباب عبر حثهم على الارتباط بمبادئ الحزب المرتكزة على نهج الماركسية اللينينية. وأعقبت خطاب شي سلسلة إجراءات اتخذتها الحكومة لتثبيت هذا التوجه ودعمه من أجل تحقيق الأهداف المنشودة منها، وبينها تشديد الخناق على شركات ألعاب الفيديو في البلاد، باعتبارها “إحدى وسائل اللهو الأساسية ذات التأثير الكبير على انحراف الشباب عن المسار الذي حددته الدولة”. وبين الإجراءات أيضاً تقديم حوافز لتسهيل ما يعرف بـ”السياحة الحمراء” في الصين، التي تعني زيارة مناطق ومواقع ذات ارتباط وثيق بتاريخ الحزب الشيوعي. أما الإجراء الأكثر تطرفاً فيتمثل في إدراج ما يعرف بـ”عقيدة شي” في مناهج الدراسة، “من أجل رفع قيمة العمل الحزبي والحشد القومي داخل المجتمع”.
ودفعت هذه الإجراءات المندرجة ضمن محاولات الحشد الحزبي مراقبين إلى مقارنة عهد شي بحقبة الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ، الذي استند إلى رمزية الشعارات الحزبية ووسائل رفع قيمتها وتأثيراتها المعنوية على الشعب، وتعزيز تغلغلها في عقولهم وممارسات حياتهم اليومية، لحشدهم وتعبئتهم في منعطفات ومحطات مهمة في تاريخ البلاد. وبين هذه الشعارات: “القفزة الكبرى إلى الأمام” عام 1958، والثورة الثقافية التي بدأت في منتصف ستينيات القرن العشرين. ولعل أبرز ما تحفظه الذاكرة قصة “تقديس” ثمرة المانجو، واعتبارها إحدى ثمار الخلود الخاصة بالزعماء.

سلة المانجو الباكستانية
دأب القادة الصينيون على استخدام الرموز لنشر أفكارهم وتسويق عقائد الحزب الشيوعي. واعتبر ارتداء ماو بزة رمادية اللون، والحرص على الظهور بها على الدوام في كل المناسبات واللقاءات المحلية والدولية، رمزاً ماركسياً لمناهضة الإمبريالية. لكن تبقى “عبادة” المانجو إحدى أكثر القصص غرابة وطرافة في تاريخ الصين الحديث.

بدأت القصة حين تلقى ماو، خلال الثورة الثقافية، هدية من وزير الخارجية الباكستاني شریف الدین بیرزادہ، شملت سلة احتوت 40 حبة من ثمار المانجو. وفيما كانت الصين تشهد اضطرابات داخلية وانتشار للفوضى وأعمال العنف، قرر ماو إرسال الهدية إلى لجان الثورة في مدن ومناطق عدة لمكافأتهم على دورهم في تعبئة الجماهير، وجهودهم في الحفاظ على الحضور القوي للحزب وسط الشعب رغم التحديات الميدانية الكبيرة. وحين نشرت الصحف الرسمية الخبر خرج الناس في تجمعات كبيرة لاستقبال الهدية تعبيراً عن امتنانهم وولائهم للقائد. ولم تمر أيام قليلة حتى عمّ الخبر أرجاء البلاد، وبدأت ثمار المانجو تطوف المدن والمزارع والمصانع، وسط مراسم استقبال رسمية لها في كل محطة.

حينها، كان ناس قليلون قد رأوا المانجو في حياتهم، فنظروا إليها باعتبارها ثمرة نادرة وخاصة بالنخبة السياسية وصورها النمطية المحاطة بالعظمة. وكان لافتاً أنه لدى تعفّن قشرة المانجو كانت تزال وتغلى في وعاء، ثم يتسابق الناس للفوز برشفة من مائها. ودفع ذلك إحدى اللجان الثورية إلى صنع نسخة طبق الأصل من الشمع للمانجو، وعرضتها باعتبارها قطعة قيّمة في متحف. كما طُبعت ملايين الصور لثمرة المانجو حينها، وعُلقت في المؤسسات والدوائر الحكومية.
وفي مدينة تشنغدو، عاصمة مقاطعة سيتشوان (وسط)، خرج أكثر من نصف مليون صيني لاستقبال ثمار المانجو لدى وصولها إلى المدينة. وتداول الصينيون قصة طبيب سخر حينها من لهفة السكان وشغفهم بثمرة المانجو التي شبّهها بمجرد بطاطا حلوة، فأدين بتهمة “التشهير برمز للدولة”، وحكم عليه بالإعدام، والذي نُفذ على مرأى من الناس ليكون عبرة للآخرين.
وفي الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 1968، حضرت ثمرة المانجو بقوة إلى جانب ملصقات دعائية خاصة بالحزب الشيوعي احتفالاً بذكرى تأسيس الجمهورية الشعبية. واستمرت هذه الحال حتى خفّ شغف الناس تدريجياً بالثمرة بعد انتهاء الثورة الثقافية، ووفاة ماو عام 1976.

ابحث عن ماو
يعلّق عميد كلية الدراسات التاريخية السابق في جامعة سوتشو غوانغ يوان على هذه الظاهرة، في حديثه لـ”العربي الجديد”، بأنها “فترة من تكريس العقائد شهدت تفريغ عقول عامة الشعب وتجريدها من المنطق، وإعادة تعبئتها وفق مزاج الحزب ومن أجل خدمة أجندته السياسية وتطلعاته في الحكم”. يضيف: “بالتأكيد ليست المانجو ثمرة من الجنة. والهالة المقدسة التي أحيطت بها، نتجت من استعداد ذهني لدى الشعب لتقبل أي شيء وتصديق أي رواية ينشرها الحزب في صحفه ودورياته، خصوصاً إذا اقترنت مباشرة بالقائد الملهم ماو”.

ويلفت إلى أن “هذا الاستعداد النفسي والذهني لم يأتِ من فراغ، فهو ثمار جهود متواصلة بذلها منظرو الحزب في الأرياف والقرى للتأثير على الناس وربطهم بعقائد مستوردة من الاتحاد السوفييتي. ومثال على ذلك، ما أشيع حول قدرات ماو الخارقة في السباحة، وتصويره على أنه إله عصي على الانكسار والموت. والحقيقة أن ملايين الصينيين كانوا في خمسينيات وستينيات القرن العشرين مستعدين لتقبل حتى فكرة أن ماو يستطيع الطيران”.
ويعتبر الباحث في معهد الجنوب للدراسات جيانغ تسي أن “تعلّق الناس بالمانجو أثناء الثورة الثقافية، لم يكن تقديساً للثمرة في حدّ ذاتها بقدر ما كان تعبيراً عن الامتنان للقيادة والالتفاف حولها في ظل الظروف والتحديات التي واجهتها البلاد”.
ويتابع في حديثه لـ”العربي الجديد”: “لا شك في أن ماو نجح في استخدام الرمزية لحشد الطلاب، وكوّن ما سمي بالحرس الأحمر الذي لعب دوراً أساسياً في الثورة على البرجوازيين ومظاهر الرأسمالية داخل الحزب الشيوعي. واليوم يتمتع الرئيس الحالي شي بكاريزما وقوة شخصية كافيتين تجعلانه أحد أكثر الرؤساء شبهاً بالزعيم الراحل ماو، خصوصاً أن الاثنين يتقاسمان الإيمان المطلق بقيم الاشتراكية، ودورها في بناء ونهضة الأمة الصينية”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى