نحن السوريون لماذا ثُرنا؟

  أحمد العربي

اليوم ونحن على أبواب السنة العاشرة على قيام شعبنا السوري بثورته، هل يحق لنا أن نتساءل لماذا ثرنا نحن السوريون… ؟  نعم كان لدى كل سوري منا أسبابا خاصة وعامة للثورة على النظام المستبد الطائفي القمعي الفاسد. طبعا ما عدا أبناء النظام والمنتفعين منه فقد كان بالنسبة لهم الحامي والضامن؛ منه يستفيدون وعليهم يعتمد النظام كأدوات؛ سواء في الأمن والجيش وبقية قطاعات الدولة المنهوبة على كل المستويات…

انا الطالب السوري اتابع دراستي، والدي يقطع اللقمة من فمه ليؤمن مصاريفي. دعاء والدتي لا ينقطع لي بالنجاح والتوفيق. حصلت على علامات جيدة في البكالوريا. لم ادخل الفرع الذي احب لان الاولوية كانت لابناء المسؤولين ممن قاموا بدورة هبوط مظلي او كانوا بعثيين او اولاد مسؤولين… المهم دخلت الجامعة استطعت ان انتهي من دراستي الجامعية التي تتطلب أربع سنوات، طالت دراستي الى ست سنوات، لم استطع ان أرشي بعض دكاترتنا ولم اكن من اتحاد الطلاب البعثيين ومن طائفة النظام، استحي ان اقول العلويين. والله العظيم لست طائفي، لكن واقع الحال انهم مسيطرين على كل شيء في البلد. وبعد تخرجي من الجامعة انضممت الى طابور العاطلين عن العمل، لا مكان لي مدرسا لأن الحاجة للمدرسين قليلة عند الدولة، وأبناء المسؤولين والبعثيين يستحوذون على الفرص، إن وجدت… ما العمل الآن وقد تجاوزت العشرين بسنوات، اصبحت استحي من ابي وامي وانا آخذ منهم مصروفي اليومي، كما انني يجب ان اتزوج الفتاة التي أحبها قد يأتي من يطلبها وقادر على الزواج… الحل علي ان اعمل بأي شيء لأعيش واصنع مستقبلي. عملت في ورشة بناء، مع غيري ممن ترك الدراسة باكرا. ما اذكاهم؟! ؛ اختصروا الطريق على أنفسهم. أعود كل يوم من عملي منهكا. انام باكرا وأعود للعمل في اليوم الثاني.. المهم انني احصل على مصاريفي واساعد اهلي على مطالب الحياة.. أما مستقبلي فالله أعلم…

عندما انطلق الربيع العربي وانتقلت عدواه لسورية. خرجت في بلدتي مع آخرين نطالب بحقوقنا ان نعيش بكرامة وحرية وعدالة. ان نعيش كبشر من بني الانسان…

نعم هذه ثورتي واعتز بها… قد أُقتل في التظاهر أو اعتقل وأعذب لكنني لن أتراجع لأنني الآن أحسست بإنسانيتي…

أنا فلاح ولدت فلاحا أبي قبلي وكذلك جدي فلاحين. لدينا أرض صغيرة، لم تعد تكفي لورثة جدي الكثر. بعضهم باع حصته وعمل في مهن اخرى. والدي استمر فلاحا، كانت وسائله بدائية، يفلح على الحمار ويذهب الى الحقل راكبا عليه. يجني بعض القمح والشعير، يربي بعض الاغنام في الحوش المجاور للمنزل، حاول ان يدفعني للتعلم، لم استجب، المعلمين يعودون للعمل بالأرض. بعد أن تسد طرق الحياة في وجههم. لكن السماء شحت بأمطارها، والينابيع خفت مياهها، واصبح الموسم عاجزا عن أن يكفينا العيش. حاولنا أن نحصل على قروض زراعية لعلنا نتوسع بالزراعة، لم يعطوا والدي لأنه غير بعثي وليس مدعوما. قرر ابي بيع الارض وأن يفتح دكانا بجوار البيت يعيش مع الأسرة من واردها، وانا ماذا افعل يا والدي؟  نصحني أن أعمل في مزرعة المسؤول الكبير الذي اشترى مساحات واسعة في البلدة. ظهر هذا المسؤول وهو ضابط  في الجيش مثل القدر. اشترى أراضي، حفر آبارا، ممنوع على غيره حفرها. نصب محركات تضخ المياه، واستأجر الكثير من المزارعين، يزرع الأشجار المثمرة و المواسم الصيفية والشتوية. نضح المياه الجائر اثّر على نبع القرية وبدأ يجف، ناقشه الناس، طردهم وهددهم إن كرروا زيارتهم له ان يعاقبهم. استسلم الفلاحين لأقدارهم وتركوا الزراعة وذهبوا للمدينة المجاورة يعملون عمال مياومين، ليؤمنوا قوت عيالهم. اما انا ومن معي الذين نعمل في مزرعة المسؤول. اكتشفنا ان كثير من عمال المزرعة هم جنود في وحدات هذا الضابط. وكانوا يأتون له الأعطيات ليحصلوا على إجازات لزيارة اهلهم. كنا ننزف تعبا حتى نحصل على لقمة عيشنا…

عندما خرج الناس في الثورة خرجت معهم. فقد وجدتها دواء للمرض الذي اعاني منه شخصيا… انا المظلوم ومثلي كثير نريد حقنا بالعيش والكرامة والعدل والحياة الأفضل.

انا العامل اعترف لكم انني من بيئة فقيرة جدا. ما إن كبرت حتى التحقت بالعمل في مهنة النجارة. كان صديقا لوالدي ذلك النجار الذي عملت عنده. أعلم أنني إن لم أعمل واساعد والدي فإن لقمتنا تصغر. مع ذلك كنا نقول الحمد لله. لكن غلاء المعيشة يذبحنا. ملاحظتي لاختلاف المستوى بين الفقراء والأغنياء كبير. نحن في بلدنا كلنا مثل بعض. لكن المسؤولين خاصة الذين نسميهم بحرف القاف، نسبةً للهجتهم و طائفتهم العلوية، اخاف ان اسميهم. لهم سيارات الجيش لخدمة عائلاتهم. ولهم المساكن المبنية على حساب الدولة بجوار البلدة. لهم المناصب البلدية والحكومية في بلدتي. وفوق ذلك ننافقهم ونتقرّب منهم، ونقدم لهم الرشاوى للحصول على أي مطلب حق لنا… احسست انهم يسرقون لقمتي انا الفقير من فمي…

لذلك عندما قامت الثورة كنت منها ومعها حتى الشهادة او النصر…أحسست أن إنسانيتي تعود لي…

انا الفتاة أعلن إلتحاقي بالثورة… والدي مظلوم في عمله. واخي مظلوم بعدم معرفته كيف يحقق حياته الافضل. وانا ان لم اكمل دراستي اكون عالة على عائلتي في مجتمع ليس لديه فرص للعمل. وان اكملت علمي فمصيري أن انضم لطابور العاطلين عن العمل. اصمد شهادتي على حائط غرفتي واتحسر. انتظر خطيبي ان يستطيع تأمين منزل بالإيجار وقبل ذلك في الحصول على عمل، أو يسافر الى دول الخليج لسنوات ليعود لنتزوج. وانا اعمل مع أهلي إن كانوا مزارعين. او احاول تعلم مهنة الخياطة. فقط لاشغال الوقت… هكذا احس ان حياتي تهرب مني الى العدم دائما… لذلك عندما حصلت الثورة كنت منها على كل المستويات…

وانا المعارض للنظام القمعي المستبد، انخرطت في بداية نضجي في حزب معارض للنظام، القمعي المستبد الطائفي الفاسد، حصدت سنوات من الاعتقال والاضطهاد الكثير، بعض المناضلين استشهدوا والبعض هرب من البلاد وغادر، أصبحنا من الندرة وبقينا شاهد على القمع الذي يميت الإنسانية في الإنسان. عندما حدثت الثورة احسست والآخرين مثلي إنها ثورتنا الشخصية، التحقنا بها بكل كياننا، هاهي حقوقنا الانسانية بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية قد أطلّت ونحن من روادها..

انا وانا وانا…كلنا نحن السوريون أبناء الثورة نعتز انها قامت واننا شاركنا فيها بدور مهم كان متواضعا…أما عن الثمن الذي دفعناه… لا يهم…لقد أسسنا لعصر جديد…

16/2/2021م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى