بـيــن الـكـتــابــة والـيــأس

  عبد الناصر طه

الكتابة فعل ايمان وتفاؤل، ‏وتعبير عن واقع محسوس، أو مبعث احلام مبعثرة بين الماضي والحاضر والمستقبل. ‏عدا أنها تواصل مع الناس، لا يحدها زمان أو مكان؛ وبالتالي، فهي إيحاءات وينابيع حروف تجتمع وتتآلف حسب موضوعها.

‏وللكتابة دوافع، لا يقف في طريقها إلا اليأس المعبر عن الموت، وحين يكون اليأس جماعيًا فهو يوازي الموت، ‏وهنا بيت القصيد، حيث اعتدنا على سماع عبارات لم تطرق مسامعنا من قبل، ‏بل صارت جزءًا من حياتنا اليومية، فلا كهرباء ولا بنزين ولا مازوت ولا غاز ولا دواء؛ والأموال المنهوبة موزعة بين الدولة والمصرف ‏المركزي والمصارف المتعددة، ولا شيء من مقومات الحياة الأساسية إلا الهواء، الذي لا تستطيع سلطة مهما علا شأنها أن تقطعه عن الناس.

ألا يدعو للياس، أن يصنف لبنان، دولة ثانية على مستوى تقنين الكهرباء عالميا بعد الكونغو، حيث تصل نسبته إلى 22 ساعة ‏يوميًا، بينما تصل في جمهورية الكونغو إلى 23 ساعة.

‏أما البنزين، فحدث ولا حرج، والواجب أن يحصل عليه المواطن بسعر مدعوم، يكلّف الخزينة مئات الملايين من الدولارات، ‏فترى طوابير الذلّ في المناطق اللبنانية، عموما، وفي حالات متشابهة: أسعار سوق سوداء تتجاوز ضعف السعر الأصلي، وتصل إلى عدة أضعاف عند بعض التجار، وقتلى وجرحى نتيجة التزاحم على محطات الوقود.

‏والمازوت، الذي بلغت الكميات المخزنة منه أضعاف.. أضعاف.. ما يحتاج له السوق المحلّي، انتظارًا لرفع الدعم عن المحروقات، لبيع الكمية المخزنة بالسعر الجديد، الذي يوفر لهم ‏أرباحا طائلة؛ وما يرتبط بالمازوت من أفران ومستشفيات ومصانع وشركات، تمسّ حياة المواطن اليومية ولقمة عيشه.

وتتبع سلعة الغاز، ما سبقها، لتكتمل صورة احتكار السلع الأساسية، وإذلال المواطن للحصول على الحد الأدنى منها؛ ونرى الشوارع خالية من المواطنين، إلا الباحثين عن سلع ‏تتطلبها ضرورات الحياة اليومية.

‏أما الحديث عن مافيات الدواء فيطول، في أزمة تاريخية يتقاسم المسؤولية عنها أقطاب معروفين، شاركوا في مراكز المسؤولية الصحية أو السياسية ذات النفوذ، وعلى رأسهم وزارء صحة ومدراء عامون ورؤساء ‏كتل نيابية وازنة.

‏والأخطر من هذا وذاك، ما حصل في لبنان، بعد 17 تشرين الأول 2019، حين اجتمعت السلطة السياسية مع مصرف لبنان، والمصارف المتعددة، على نهب أموال المودعين في المصارف وتهريبها إلى الخارج، ما روّج بعد ذلك أن لبنان، اصبح بلدا مفلسًا، وهو في الحقيقة بلد منهوب مسروق ‏في عملية نهب منظمة غير مسبوقة، إذا سطت الدولة على أموال مواطنيها، وحجزت لهم ما تبقى مع شركائها من اصحاب المصارف.

‏تلك السلطة ذاتها، التي ساهمت في انفجار أربعة آب 2020، الذي أصاب جزءًا مهمًا من ‏العاصمة بيروت، فقتل البشر ودمر الحجر؛ ‏إلى كوارث الحرائق المتنقلة من منطقة إلى أخرى، إلى انفجار بلدة التليل/ عكار، جرّاء تهاون السلطة ‏أمام جبروت المهربين وتجار الدم، وبعض نواب الشعب المشاركين في عمليات التخزين والتهريب.

لذلك، ‏فالشباب اللبناني، ينتظر أول فرصة للهروب من جحيم لبنان، والمغترب يصلّي ويدعو كي يخفّ هول المآسي اليومية، والتجار والسياسيون ينتظرون فرصهم في استغلال الناس، والإمعان في عمليات ‏احتكار السلع الأساسية، وتهريب بعضها، في شراكة أشبه ما تكون بالمافيا، ويصح أن نطلق عليها: تجارة الدم.

‏التجار، ينتظرون إشارة من السياسيين، أولئك بدورهم، يخلقون الفرص بين الحين والآخر، ولا تؤثر فيهم الحرائق ‏ولا الدم ولا الموت المتنقل، بل هم يتمادون في ‏استغلال الطوائف، بحثا عن حصة من هنا أو غنيمة من هناك. ‏وكأني بهم قد استبدلوا مهنة الشحاذة والتسوّل على أبواب الدول إلى اقتناص المساعدات الإنسانية القادمة إلى الشعب اللبناني وتقاسمها، ‏ناهيك عن تربصهم المغتربين القادمين ‏لزيارة وطنهم وسرقتهم بطرق شتى.

‏أمام موت الإحساس، وفقدان الضمير، وسيطرة الشرّ على الخير، في أبشع استغلال للأديان والطوائف، لن يجد الإنسان مكانًا له ليعيش في أمن وأمان، فالأهوال ‏أمامه تصيب أبناء بلده وجيرانه وأخوته وعياله؛ وأمام زعماء وقيادات أعمى الجشع بصرها، وعطل بصيرتها؛ أرى الكثيرين يقفون عاجزين عن الفعل، وهنا تصبح الكتابة ردة فعل يائسة.

المصدر: “المدارنت”..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى