باتت عبارة «قوى الأمر الواقع» التي تحيل لمجموعات عسكرية تحكم أجزاء في البلاد بقوة السلاح، شائعة جداً في الأدبيات السورية المعارضة، خصوصاً أن استخدامها بكثافة، يُراد منه، نقل المشكلة من المجتمع المنقسم على نفسه، وحصرها بقوى متحكمة فيه، تمنعه من اتخاذ خيارات «وطنية».
مستخدمو العبارة، وسعوا نظرتهم للنظام المفصول عن مجتمعه، والمتحكم فيه بقوة الحديد والنار، إلى باقي مناطق سوريا المجزأة، فصارت قوات «حماية الشعب الكردية»، وجبهة «النصرة» و»الجيش الوطني»، قوى هابطة من الفضاء، تستخدم السلاح لفرض سطوتها على المجتمعات التي توجد فيها.
بديهي أن القوى تلك، ليس ديمقراطية، ولم تأت بالانتخاب، ولديها آليات قمع تتفاوت بين اعتقال ناشطين ومنع تظاهرات، مروراً بفرض أحكام دينية متشددة، وصولا إلى تنفيذ إبادة بحق معارضيها وتهجيرهم وإخفائهم في الزنازين. وتفاوت القمع، المطلوب إدانته مهما كان حجمه، يتعلق باختلاف تركيبات هذه القوى، وطبيعة الدول الداعمة لها، ومدى حساسيتها لمسائل حقوق الإنسان. غير أن القمع وآلياته، لا يكفي كأداة تفسير لعلاقة هذه القوى بالمجتمعات التي تحكمها، واختلاف طبيعة هذه العلاقة بين قوة وأخرى، فالإدارة الذاتية الكردية، تحكم انطلاقا من تأييد واسع لكيانية مستقلة، تضمن للأكراد حقوقهم، والنظام يحكم انطلاقا من تأييد قطاعات نفرت من التغيير بينها، الأقليات وسنّة المدن، في ما «الجيش الوطني» والنصرة»، يحكمان انطلاقا من تأييد سني، يتراوح بين الاستعداد للقبول بسلطة تطبق رؤيتها للدين، وسلطة أخرى تتصل بخارج يغازل تاريخا إسلاميا إمبراطوريا. صحيح أن حزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي، يسيطر ويقمع أي حساسيات مخالفة له، وعلاقته متوترة مع العرب، وصحيح أيضاً أن مناطق النظام تعيش أوضاعا معيشية كارثية، في ما «النصرة» و»الجيش الوطني» باتا يواجهان اعتراضات في بيئتيهما، لكن الصحيح أيضاً أن هذه التجارب نشأت أو جددت نفسها (النظام) تحت تأثير حرب أهلية طاحنة، وعلاقات تكاره بين الجماعات، حيث يتراجع النقد تجاه الذات وتتقدم أولوية البقاء، إضافة إلى ذلك، فإن الحرب الأهلية ترتب نتيجة أهم، تتصل بعلاقة تلك القوى مع الحساسية التي نشأت في ظلها، سواء كانت دولة كردية أو خوفا أقلويا أو تأييدا سنيا لمشاريع إسلامية، إذ إن هذه الحساسيات، حين تعالج في ظل الحرب، لن تكون النتائج أفضل مما هو عليه اليوم. وعليه، فإن مشكلة ما يسمى «قوى أمر واقع» ليس في فرض إرادتها على المجتمعات التي تحكمها، واستخدام القمع والترهيب، هذا الواقع البائس والمرفوض، هو نتيجة لما هو أعمق، أي استغلال هواجس الجماعات ومخاوفها، سواء كانوا سنة هاربين إلى إدلب، أو أقليات تخشى أي تغيير يهدد وجودها، أو أكراداً يجدون في الدولة الكردية ضمانة لهم. إنكار هذا الأمر، يجعل من تكرار عبارة «قوى أمر واقع»، تقليد دائم في أدبيات المعارضين السوريين، حيث منح المجتمعات صكوك براءة، وفصلها تماما عن من يحكمها، مع الأخذ في الاعتبار، أن خيارات المجتمعات محكومة بشرط الحرب، وليس باسترخاء ديمقراطي.
المصدر: القدس العربي