منذ تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة اللبنانية، يعيش لبنان صدامات سياسية، فالرئيس المكلف يعمل على نشر الأجواء الإيجابية منذ اليوم الأول لتوليه المسؤولية، أمام تصعيدات أبرزها تشبث ميشال عون بوزارتي العدل والداخلية.
وكشفت مصادر دبلوماسية فرنسية لـ”عربي بوست” أن “برنار ايمييه، دخل مباشرةً على خطّ حل عقدة تسمية وزير الداخلية، العالقة بين عون وميقاتي، باقتراح مجموعة أسماء، أبرزهم اسم وزير الداخلية السابق زياد بارود”.
ويحرص ميقاتي، وفق العديد من المراقبين، على تشكيل الحكومة اللبنانية بسرعة قصوى، كما أنه لا يريد فتح مشكلة منذ البداية مع الرئاسة؛ إذ يُعتبر ميقاتي قد استجاب للنصيحة الفرنسية، والتقى برئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل على عشاء، على عكس ما رفض فعله الحريري.
عون يرفع بطاقة التعطيل: أريد الداخلية والعدل!
بدأت تتضح معالم الأزمة بين عون وميقاتي حول وزارتي الداخلية والعدل، اللتين أعطاهما ميقاتي في تشكيلته للطائفة السُّنية، ورفضه عون بشكل قطعي، كما رفض عون مقترح أن يكون نائب رئيس الحكومة من دون حقيبة وزارية، لتسند إليه مهمة التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
كشفت مصادر سياسية لـ”عربي بوست” أن نجيب ميقاتي بدأ اتّصالاته السياسية مع مختلف القوى السياسية في لبنان لتسمية أسماء الوزراء في تشكيلته الحكومية، شريطة أن يكونوا اختصاصيين وغير فاعلين حزبياً.
وضع عون أمام ميقاتي شروطًا لتشكيل الحكومة (أرشيف)
وأضافت المصادر ذاتها أن ميقاتي لن يُلزم نفسه بمهلة لتشكيل الحكومة اللبنانية، لأنه يريد النجاح بالتشكيل بأي شكلٍ من الأشكال؛ إذ سيعمل على وضع تصورٍ كاملٍ أوليّ للحكومة، ويسلّمها لعون يوم الاثنين 2 أغسطس/آب 2021.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن عون تشبث بوزارتي العدل والداخلية، على عكس ميقاتي الذي يسعى إلى تسمية اسمين مستقلين للوزارتين، خاصة أنهما الوزارتان اللتان تشرفان على الانتخابات النيابية.
كشفت مصادر من الثنائي الشيعي (حركة الأمل وحزب الله) لـ”عربي بوست” أن “ميقاتي، وبعد خلافه مع عون على وزارتي الداخلية والعدل، عرض في لقاء جمعه مع المعاون السياسي لأمين عام حزب الله، حسين الخليل، والمستشار السياسي لرئيس البرلمان، نبيه بري، أن يعطي الثنائي الشيعي وزارة الداخلية بدلاً من وزارة المال، التي يعتبرها الفريقان من المقدسات، فكان جوابهما الرفض، لأنهما لا يريدان الدخول بهذه المسألة، وهذا الأمر ما أعاد الحوار إلى نقطة الصفر في هذه المسألة.
فرنسا تعود بقوة، والسعودية تنتظر
بالموازاة مع ذلك، كشفت مصادر دبلوماسية أوروبية أن الفرنسيين يضغطون لتشكيل الحكومة اللبنانية من جديد بحماسة عالية هذه المرة، خاصة أن نجيب ميقاتي هو مرشح الفرنسيين وصديقهم، ويفضلونه عن غيره من المرشحين.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن رئيس المخابرات الفرنسية، برنار ايمييه، ورئيس خلية لبنان في الرئاسة الفرنسية، باتريك دوريل، يجريان اتصالات مع كل الأطراف، بمن فيهم حزب الله، للذهاب نحو حكومة سريعة.
ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن “مسؤولين فرنسيين أبدوا لرئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، انزعاجهم من فرضه لشرط الحصول على وزارتي الداخلية والعدل، ما يعني عودة أجواء التعطيل”.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن حركة دبلوماسية أوروبية مُوازية تواصل نشاطها لدفع كل الأطراف في لبنان إلى تشكيل حكومة مهمات سريعة، تسعى إلى وقف الانهيار الاقتصادي، وبدأ التفاوض السريع مع صندوق النقد الدولي، والتحضير للانتخابات النيابية، التي تعوّل على إجرائها القوى الدولية.
وأشار المصدر ذاته إلى أن تعطيل تشكيل الحكومة اللبنانية يعني أن حزب الله لا يريد إجراء انتخابات؛ لأن حكومة تصريف الأعمال لن تستطيع تنظيم هكذا استحقاق.
أمريكياً، يؤكد المصدر ذاته أن القوى السياسية اللبنانية على اختلافها بُلّغت أن واشنطن تدعم جهود تشكيل حكومة برئاسة نجيب ميقاتي، وتفوّض باريس للقيام بكل ما يلزم من ضغوطات لتشكيل الحكومة لتمرير إصلاحات سريعة، وأن هذا الموقف أبلغته السفيرة الأمريكية في لبنان، دوروثي شيا لأطراف سياسية معنية بتشكيل الحكومة.
أما سعودياً، فيؤكد المصدر ذاته أن المملكة ليس لديها فيتو على شخص نجيب ميقاتي مثل سعد الحريري، لكنها استدعت سفيرها في لبنان، وليد البخاري للتشاور، وأبلغت الأمريكيين والفرنسيين أنها لن تعرقل مسارات التشكيل، لكنها في الوقت نفسه ستقرر موقفها النهائي بعد تشكيل الحكومة.
ووفقاً للمصدر ذاته، فإن السعوديين، وعبر سفارتهم في بيروت، لم ينقطعوا عن التواصل مع ميقاتي على عكس الحريري، وأن هناك ترقباً لعودة السعودية للبنان، وذلك بالمشاركة في مؤتمر دعت إليه فرنسا يوم الأربعاء 4 أغسطس/آب 2021 لدعم لبنان، وهذه المشاركة مؤشر على عودة السعودية بعد غيابها عن كل المؤتمرات المخصصة للبنان طيلة السنوات الأخيرة.
المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي/ رويترز
القاهرة تتفق مع باريس
عربياً وبعيداً عن السعودية، لا يُخفي المصريون دعمهم للموقف الفرنسي، فالقاهرة التي دعمت سعد الحريري بقوة، رغم الموقف السعودي الرافض له، مستمرة في موقفها الداعم لنجيب ميقاتي.
وكشفت مصادر دبلوماسية لـ”عربي بوست” أن “مصر لمست من وزير خارجيتها سامح شكري التواصل مع ميقاتي قبيل تكليفه بأيام، أن القاهرة تدعم ترشيحه، وتتبناه بنفس الزخم الذي حصل عليه الحريري”.
ويرتكز الموقف الموفق المصري، حسب المصادر ذاتها، بالتنسيق القائم والمستمر بين باريس والقاهرة حول لبنان منذ انفجار مرفأ بيروت ويستمر لهذه اللحظة.
ولا تُخفي المصادر ذاتها أن ميقاتي تواصل مع جهات عربية عدة بينها الأردن وقطر والإمارات، وحريص على تأمين دعمٍ أكبر لدفع السعودية عقب تشكيل حكومته لدعمه، كما أن مصر تجري اتصالات مع جهات لبنانية من بينها حزب الله للدفع لتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن.
ويقول عضو كتلة الوسط المستقل البرلمانية- الذي يتزعمها ميقاتي- النائب علي درويش لـ”عربي بوست” إن “ميقاتي يحظى بدعم ٍعربيٍ وإقليمي ودولي لإنجاز مهمة تشكيل حكومة وفق المبادرة الفرنسية”.
ويؤكد درويش في حديثه أن “هذه الإيجابية ستترجم يوم الأربعاء القادم في مؤتمر دعم لبنان؛ إذ ستشارك مصر والعديد من الدول العربية في المؤتمر”.
ووفقاً لدرويش، فإن “المصريين ومعهم دول عربية أخرى حريصون على مساعدة لبنان، ومنع سقوطه، والدفع لدعم الجيش اللبناني والمؤسسات الأخرى التي تحظى بدعم دولي”.
ميقاتي ومؤتمر باريس
قبيل مؤتمر باريس بأيام كان متوقعاً الموقف الأوروبي المشترك والذي شككت بإمكانية حدوثه أطراف سياسية؛ إذ أعلن الاتحاد الأوروبي، الجمعة 30 يوليو/تموز 2021، إنه أقر إطاراً قانونياً لنظام عقوبات يستهدف أفراداً وكيانات لبنانية، بعد أزمة مستمرة منذ عام، جعلت لبنان يئن تحت وطأة انهيار مالي، وتضخم هائل، ونقص في الطعام والوقود.
وأشار الاتحاد الأوروبي إلى أن العقوبات تستهدف أولئك الذين يعرقلون عملية تأليف الحكومة، والمسؤولين عن التعطيل السياسي في البلاد، وعن تقويض الديمقراطية وحكم القانون.
المحلل السياسي، جورج شاهين اعتبر أن إشارة الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي إلى الأطراف الذين سيشاركون في مؤتمر باريس لدعم لبنان يهدفون لإعطائه زخماً كبيراً ولحكومته، وأن هذه الإشارات أرادها الفرنسيون، ومن خلفهم قوى دولية أخرى، بدفع من الفاتيكان، لتوجيه آخر الرسائل إلى المسؤولين اللبنانيين، بغية فهم خطورة المرحلة والتراجع الفوري عن الشروط التعجيزية قبل فوات الأوان.
ووفق شاهين، فإن هامش المناورة ضاق إلى الحدّ الأقصى على المسؤولين اللبنانيين، وإنّ ما بات مطلوباً هو التزام الحدّ الأدنى من المبادرة الفرنسية، قبل إطلاق برامج العقوبات على أكثر من مستوى، على خلفية ما يُقال: “إنّ آخر الدواء الكي”.
دور حكومة ميقاتي
وفقاً للمحلل السياسي جوني منير، فإن هذه المرحلة السياسية تشبه إلى حدٍ بعيد مرحلة ما بعد العام 1990، والتي أنهت الحرب الأهلية باتفاق الطائف، ولكن مع فارق أساسي، وهو معارضة المجتمع الدولي للذهاب إلى جمهورية ثالثة، مقابل الاكتفاء بتعديلات على بعض الفجوات في الدستور الحالي.
ويرى منير أن “القاسم المشترك بين المرحلتين هو الرئيس ميشال عون، الذي أفضى خروجه العام 1990 من القصر منفياً لفرنسا باتفاق الطائف”.
ويرى منير أنه من “المفترض أن تملأ حكومة ميقاتي مرحلة الوقت الضائع، وذلك من خلال البدء بوضع ركائز الورشة الإصلاحية التي ستحصل بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، وبالحدّ من سرعة الانهيارات التي تكاد تمزّق المجتمع اللبناني، لجهة الكهرباء والمشتقات النفطية والاستشفاء والسلع الغذائية، وأيضاً، بالتحضير للانتخابات النيابية، التي من المفترض أن تشهد تبدّلات أساسية في المشهد اللبناني، ولكن وفق إيقاع مدروس، يمهّد للتسوية الكبرى المنتظرة.
وأشار المتحدث إلى أنه من المفترض، وبعد هذه الاستحقاقات المنتظرة، إعادة بناء السلطة اللبنانية، وفق أسس تُحاكي التسويات والتطورات التي ستشهدها المنطقة، وبالتالي، فإنّ صورة رئيس الجمهورية القادم لا بدّ أن تكون ترجمة للدور الذي ينتظره لبنان؛ انسجاماً مع خريطة النفوذ السياسية الجديدة.
المصدر: عربي بوست