درعا البلد تخيّر الروس: ترحيل جماعي أو ردع قوات الأسد

أمين العاصي

تتوالى التطورات في محافظة درعا في الجنوب السوري، عقب تجاوز النظام اتفاقاً سابقاً مرتبطاً بأحياء درعا البلد، في ظلّ نيّته استباحتها والقيام بعمليات انتقامية واسعة بحق أكثر من 50 ألف مدني، طالبوا الجانب الروسي بالسماح لهم بالرحيل إلى “مكان آمن” في حالم لم يتم ردعه. ونقل “تجمّع أحرار حوران” عن مصدر في اللجنة المركزية التي تتولى عملية التفاوض مع النظام والجانب الروسي قوله إنّ “جولة المفاوضات الأخيرة التي انتهت مساء أول من أمس الثلاثاء فشلت بسبب رفع سقف المطالب من قبل ضباط نظام بشار الأسد، المتمثلة بتهجير قسري لأشخاص محددين من أبناء درعا، وإنشاء تسع نقاط عسكرية ومفارز أمنية في المنطقة بخلاف ما تم الاتفاق عليه خلال الأيام الماضية”. وكانت مجموعات تابعة للفرقة الرابعة ذات الولاء الإيراني، والتي يقودها ماهر الأسد، قد دخلت مساء الثلاثاء إلى أحياء في درعا البلد، لم يُحسم مصيرها بعد، وتمركزت في ثلاث نقاط، وهي مخفر العباسية ومبنى الشبيبة وطلعة درعا المحطة، متسببة بحركة نزوح كبيرة، بسبب عدم الالتزام بالاتفاق الذي ينص على دخول عناصر من الفرقة 15 التي يتحكم الروس بقراراتها. وحول هذه التطورات يوضح المتحدث باسم “تجمّع أحرار حوران” أبو محمود الحوراني في حديث مع “العربي الجديد” أن المنطقة شهدت، أمس الأربعاء، اشتباكات بين قوات النظام السوري وبعض الشبان المدافعين عن منازلهم وأحيائهم. ويشير إلى أن المنطقة لا تزال تشهد حركة نزوح من درعا البلد باتجاه درعا المحطة، من خلال معبر السرايا، كاشفاً عن عقد اجتماع بين وفد روسي واللجنة المركزية في بلدة بصرى الشام في ريف درعا الشرقي، مشيراً إلى أنه لم ترشح بعد معلومات عن نتائجه. وتشير مصادر مطلعة لـ “العربي الجديد” إلى أن قياديين سابقين في فصائل المعارضة السورية، منضوين في الفيلق الثامن التابع للروس، هددوا بالعودة إلى قتال النظام في حال اقتحم أحياء درعا البلد.

وتقطن في هذه الأحياء 11 ألف عائلة يبلغ عدد أفرادها حوالي 50 ألف شخص، باتوا اليوم أمام مصير غير واضح المعالم، في ظل خشيتهم من التنكيل بهم من قبل مليشيات النظام. وكانت اللجنة المركزية في محافظة درعا قد توصلت إلى اتفاق مع النظام السوري منذ أيام على أن يُنفذ على مراحل عدة، ونصّ على تسليم أنواع من الأسلحة طالبت بها قوات النظام خلال مدة خمسة أيام، مقابل وقف العمليات الاستفزازية من قبلها، وسحب السلاح من اللجنة الأمنية والقوات الرديفة للأجهزة الأمنية التابعة للنظام، وإيقاف عملها داخل المدينة. كذلك نصّ الاتفاق على دخول لجنة تسوية، بمرافقة لجنة من الأهالي، إلى أحياء درعا البلد لإجراء تسويات لمطلوبين، يبلغ عددهم 135 شخصاً، وفتح المعابر وإنهاء الحصار. ودفع عدم التزام النظام بالاتفاق وجهاء درعا لمطالبة الجانب الروسي بالسماح لهم بالرحيل إلى “مكان آمن” لتجنّب الحرب، في حال أصرّ النظام على اقتحام المنطقة، وهو ما دفع الروس للطلب من قوات النظام التوقف عن العمليات العسكرية. وهدف طلب الأهالي الخروج من منازلهم، إما باتجاه مناطق أخرى في محافظة درعا أو نحو الشمال السوري، إلى وضع الروس أمام مسؤولياتهم كضامن لاتفاقات التسوية. وأظهرت هذه الأحداث فشل الدور الروسي في الجنوب السوري أمام تقدم الدور الإيراني، فضلاً عن بروز موسكو بمظهر العاجزة عن القيام بدور الضامن لاتفاقات سعت إليها منذ عام 2018 لتهدئة المنطقة. ومن جانبه، يريد النظام تكرار سيناريو الترحيل الذي نفذه في العديد من المناطق السورية للتخلص من القوى التي يمكن أن تشكّل خطراً على وجوده، إلا أنه وفقاً للمعطيات يواجه رفضاً روسياً. من جانبه، يكشف القيادي السابق في فصائل المعارضة السورية في جنوب سورية العميد إبراهيم جباوي في حديث مع “العربي الجديد” وقائع عدة حدثت أخيراً، ويشير إلى أن المنسق العسكري الروسي الذي رعى الاتفاق الأول “تواصل مع القوى الثورية في أحياء درعا البلد مساء الثلاثاء”. ويلفت إلى أن المنسق أكد أنه “طلب من قوات النظام التوقف عن أي عمل عسكري باتجاه درعا البلد”، مضيفاً: وصلت رسالة أهل درعا للجانب الروسي والمتضمنة الرغبة بالترحيل الكلي لسكان درعا البلد وتسليمها فارغة للنظام. ويبدي جباوي اعتقاده بأن “هذا الموقف في منتهى الشجاعة من سكان درعا البلد، لأنهم لن يرضوا بأي شكل من الأشكال دخول المليشيات التابعة لإيران إلى أحيائهم”، مضيفاً: هذه مليشيات حاقدة لا تتورع عن القيام بكل الانتهاكات من تصفيات واغتصاب وسرقة ممتلكات وتنكيل بالناس، وهو ما ترفضه عموم محافظة درعا. ويشير إلى أن أهالي أحياء درعا البلد في “حالة ترقب”، مؤكداً أن النظام “أصغر من أن يخوض معركة في سورية”.

ويشير إلى أن مليشيات إيران ومعها حزب الله تتحكّم في الأوضاع في الجنوب السوري. ويضيف أن “الفرقة الرابعة مجموعة من العصابات والإرهابيين، التي تحاول تجاوز الإرادة الروسية في جنوب سورية، وتنفيذ أجندات إيران”. ويرى أنه إذا خرج أهالي درعا البلد من منازلهم ودخلت قوات النظام إلى المنطقة وهي فارغة من سكانها، فسيكون الأمر بمثابة عار على الروس لأنهم ضامنون لاتفاقات الجنوب السوري. في سياق متصل، تفيد مصادر مطلعة لـ “العربي الجديد” أن الفرقة الرابعة الموالية للإيرانيين “هي من أفشلت تنفيذ الاتفاق”، مضيفة أن هذه الفرقة تريد فرض السيطرة بالقوة المفرطة على محافظة درعا. وتؤكد أن ماهر الأسد “رفض انتشار فرق عسكرية تابعة لقوات النظام مركزها جنوب سورية، وفق اتفاق اللجنة المركزية والجانب الروسي”، مضيفة أن: ماهر الأسد يريد السيطرة على جنوب سورية لتنفيذ مخططات إيران والحد من النفوذ الروسي، لذا يرفض انتشار أي فرق ولاؤها للجانب الروسي. وتكشف المصادر أن المليشيات الإيرانية تتخذ من مقرات ومعسكرات قوات النظام في جنوب سورية أماكن تمركز وتدريب، تحديداً الفرقتين الخامسة في منطقة ازرع والتاسعة في منطقة الصنمين. وتنقسم مدينة درعا، وهي مركز محافظة تحمل ذات الاسم إلى منطقتين، هما: درعا المحطة الواقعة تحت سيطرة النظام وتضم الدوائر الرسمية، ودرعا البلد التي تضم عدة أحياء خارجة عن سيطرة النظام عملياً منذ أواخر عام 2011.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى