الحراك الشعبي في إقليم الأحواز

د. مخلص الصيادي

حينما “اتسع الخرق على الراتق”، وبات تجاهل ما يحدث في إقليم الأحواز غير ممكن، وامتدت الاحتجاجات على ظهران ومدن إيرانية عديدة، صار تشويه عرض “المشكلة/ المأساة”، وإظهارها على غير حقيقتها، هو السبيل في التعاطي الرسمي معها، وصار الحديث عن شح المياه باعتباره السبب في هذه الاحتجاجات هو الحديث الذي تكرره وسائل الاعلام الإيرانية، وتستند إليه تصريحات كل المسؤولين الإيرانيين على اختلاف طبقاتهم ومسؤولياتهم.

هل صحيح أن تظاهرات واحتجاجات ” الناس في هذا الاقليم جاءت كما قال المرشد الإيراني نتيجة شح المياه؟!.

وهل “شح المياه”، واقعة طبيعية؟، أم أنها فعل من أفعال نظام طهران الطائفي العنصري الموجه ضد السكان في الإقليم ذي الأغلبية العربية؟!.

هل الاحتجاجات التي غطت الكثير من المدن الإيرانية واستدعت تدخل المرشد جاءت نتيجة عوامل طبيعية؟!

عشرات القتلى والمصابين سقطوا في هذه الاحتجاجات، ومئات المعتقلين، وما زالت موجة الاحتجاجات تمتد، وبالمقابل يتصاعد قمع السلطات الإيرانيين لهذا الحراك الشعبي.

الحدث في ايران جد خطير، ويكفي للدلالة على خطورته أن يعترف على خامنئي مرشد الجمهورية بالمشكلة مصرحا ان من حق الإيرانيين ان يحتجوا على نقص المياه، ويطلب  من الوزير المختص أن يذهب الى هذا الإقليم، وذلك للتعرف على الوضع الذي تفجر بوضوح في الخامس عشر من يوليو الجاري، ومن ثم يتوجه رئيس الحرس الثوري الإيراني “حسين سلامي” اليوم السبت 24 يوليو إلى منطقة الأحواز بدعوى التعرف ميدانيا على الوضع، وفي مؤشر إضافي على خطورة ما يحدث أعلن الرئيسان الايرانيان السابقان محمود احمدي نجاد، ومحمد خاتمي تأييدهما لهذه الاحتجاجات، داعين السلطات الى الاستجابة لمطالب المواطنين في الأحواز، ودان أحمدي نجاد إطلاق النار على المحتجين.

ومعلوم أن مرشد الجمهورية لا يتدخل بمجريات الوضع الداخلي إلا إذا بات هذا الوضع مهدٍدا بالفعل للوضع الداخلي، سواء بفعل عوامل داخلية او خارجية، وما دون ذلك فهو متروك للحكومة وأجهزتها، وهذا الامر يحكم أيضا مستوى تدخل الحرس الثوري.

وقد كان امتداد الاحتجاجات إلى خارج  إقليم الاحواز وكذلك وصولها إلى طهران ورفع شعارات تنادي ب “موت الجمهورية الإسلامية” مؤشر على مستوى الخطر الذي باتت تمثله هذه الاحتجاجات من حيث اتساعها وعمق شعاراتها.

وليس جديدا ان يلجأ المسؤولون الإيرانيون إلى اتهام “السعودية وأمريكا وبريطانيا وإسرائيل” بأنهم وراء هذه الاحتجاجات، كما أعلن أمس الجمعة “أبو الفضل شكارتشي” الناطق باسم القوات المسلحة الإيرانية، لكن مثل هذه التصريحات لا يمكن ان تغطي شمس الاحتجاجات الحارقة، ولا يمكن أن تغطي الطبيعة الطائفية العنصرية والمستبدة لنظام ” ولاية الفقيه” الإيراني التي تمثل المحرك الرئيس لكل الاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ عدة عقود.

وقد كان ملفتا على نحو خاص ومميز تصريح الأمين العام للأمن القومي الإيراني على شمخاني أمس الجمعة عبر تويتر “أن الشعور بالتمييز هو أكثر إيلاما من الجفاف وشح المياه”.  وأبدى شمخاني أسفه لأن سكان المحافظة لم يستفيدوا ” من الشركات النفطية والوحدات الصناعية الكبرى ” الموجودة فيها.

مهم أن نستحضر ونحن نتابع الحراك الشعبي لأهالي إقليم الأحواز / الأهواز  أن هذا الإقليم إقليم عربي منذ القديم وقد ذكر في مختلف كتب التاريخ العربي الإسلامي بصفته العربية القائمة وجاء في لسان العرب “الاهواز سبع كور بين البصرة وبلاد فارس لكل منها اسم وجمعها الاهواز أيضا”، وبقي عربيا بهذه الصفة كان حتى العام 1925، وأن سكانه البالغ تعدادهم اليوم ثمانية ملايين نسمة عربا كانت لهم إمارتهم المستقلة  ومثلت الدولة الأسدية التي أقامها بنو أسد أولى إماراتها في العهد الإسلامي، ثم كانت الدولة ” المشعشعية”، التي اعترفت باستقلالها الدولتين الصفوية والعثمانية منذ بداية القرن السادس عشر ثم الدولة الكابية وصولا الى الدولة البوكاسي التي كان آخر أمرائها الأمير خزعل الكعبي حيث قام النظام الفارسي بأسره مخادعة في العام 1925 منهيا بذلك هذه الامارة العربية بتواطؤ مع البريطانيين.

ومن المهم ان نستحضر أن هذا الاقليم يمتاز بثروته النفطية حيث يستخرج منه نحو 70% من النفط الإيراني على أقل تقدير، وفيه كبرى شركات النفط والصناعات والطاقة.

كما يمتاز بغزارة ثروته المائية، وهو منتج رئيسي لمحاصيل قصب السكر والذرة. وفيه مصادر مياه غزيرة ومهمة وعددها خمسة أنهار ولعل من أهمها نهر “كارون” الذي ينبع من جبال زاغروس ويمتد لنحو 950 كيلو متر ليصب في الخليج العربي مشكلا دلتا جزيرة عبدان، وكذلك نهر الكرخة الممتد لمسافة 900 كيلو متر، وقد أقيم عليه سد الكرخة، وأقامت السلطات الإيرانية على نهر كارون  ثلاثة سدود. وعملت على نقل مياه النهر عبر هذه السدود إلى نهر “زانده رود” في أصفهان مما أدى الى تجفيف هذا النهر العظيم وإلى خلق حالة الجفاف وتفاقم الكوارث البيئية.

ويعاني هذا الإقليم منذ احتلاله تمييزا عرقيا وثقافيا ونهضويا، واشتد هذا التمييز بعيد ثورة الخميني على الرغم من أن الاحوازيين أيدوا هذه الثورة بداية، تطلعا لخلاصهم من حكم الشاه العاتي العنصري، وكان هذا موقف زعيمهم الشيخ الخاقاني الذي استبشر بولادة نظام حكم إسلامي شعبي عادل حسبما كان يروج له الخميني.

مهم ان نستحضر هنا ان نظام الحكم الإيراني في عهديه: عهد الشاه، وعهد ولاية الفقيه، قام  بمحاولات لم تهدأ لتغيير طبيعة هذا الإقليم  العربية، وذلك من خلال تغيير أسماء المدن والمعالم، ومن خلال محاربة اللغة العربية، ومن خلال قطع أواصر العلاقات بين أبناء هذا الإقليم وإخوانهم في العراق والخليج العربي. وكذلك من خلال محاولات تغيير الطبيعة الديموغرافية للإقليم بالتهجير القسري لسكانه العرب، وبنقل السكان من أصول فارسية  للسكن لى الإقليم.

مهم ان نستحضر الطبيعة الدينية والمذهبية للمواطنين العرب أهالي هذا الإقليم، حيث جميعهم مسلمون والكثير منهم شيعة، ويعاني أهالي الإقليم” الشيعة والسنة ” على السواء من نظام الملالي التي تحارب مساجد السنة، وتتصدى للطبيعة العربية للسكان فتحارب اللغة العربية، وتمنع تعليمها، كما تمنع وجود صحف أو مطبوعات باللغة العربية ، ومثل هذه الحقيقة تظهر أن التمييز الذي يواجهونه من نظام الملالي ليس تمييزا “طائفيا”، وإنما هو تمييز عرقي، باعتبارهم عربا، وهذا أمر يفضح الطبيعة العنصرية لنظام الملالي،  حيث يستخدم هذا النظام “الطائفية” لتقسيم المجتمع حيث تفيده هذه الطائفية، ويستخدم ” العنصرية” لتفتيت المجتمع حيث تفيده العنصرية.

للحقائق التي عرضناها فإننا أعطينا أهمية خاصة لتصريح شمخاني لأنه يحمل اعترافا صريحا وواضحا بأن القضية الأكثر إيلاما من الجفاف وشح المياة هو “التمييز”، وهو “عدم استفادة أبناء الإقليم بثروات الإقليم”.

لم يستطع شمخاني أن يتحدث صراحة عن العنصرية مكتفيا بالحديث عن التمييز، لكن ما قاله يحمل في طياته كل معاني السياسة العنصرية ضد الإقليم وأهله، ضد الحجر والشجر والبشر والتاريخ.

بالتأكيد ليست هذا الحراك الثوري الذي يشهده إقليم الأحواز هو الأول، فتاريخ هذا الإقليم هو تاريخ مفعم بالنضال ضد الهيمنة الفارسية العنصرية، تاريخ تطلع مستمر نحو “التحرر”، ونحو استرداد الحقوق والهوية، السياسية والثقافية والروحية، وعلى هذا الطريق قدم الاحوازيون الكثير جدا من الشهداء، ومنذ احتلاله لم تكن تمر خمس سنوات الا ويشهد الإقليم ثورة أو اكثر،  وشهدت الأحواز تحركات شعبية مهمة في عهد نظام “ولاية الفقيه” وأيضا بعدما كشف النقاب عن وثيقة اعتمدها الرئيس خاتمي عام 2005 لتغيير الطبيعة الديموغرافية للإقليم، وفي أوائل ابريل من  العام 2011 شهدت الأحواز ثورة شعبية تم قمعها بعنف لا هوادة فيه، ولم تتوقف مقاومة الأحوازيين، ولم يتوقف مشوار الشهادة في هذا الإقليم.

ولا شك فإن قضية الأحواز شعبا وأرضا تمثل قضية يجب على كل عربي وعلى كل مسلم، وعلى كل إنسان  مؤمن بحقوق الانسان، أن يقف إلى جانبها وإلى جانب نضال شعبها، كي يستعيد حقه في التعبير عن نفسه، وفي امتلاك حقوقه السياسية والثقافية، وحقوقه في ثروات وخيرات أرضه وإقليمه.

وإذا كان جبروت نظام ” ولاية الفقيه ” العنصري الفارسي يمثل التحدي ويمثل الخطر الأكبر على قضية الأحواز، فإن تعامل النظام العربي وخصوصا الدول المحيطة والمؤثرة بإقليم الأحواز يمثل تحديا وخطورة لا تقل أثرا عما يمثله تحدي نظام طهران وخطورته.

فهذه الدول تعاملت منذ أمد بعيد وما زالت مع هذا الملف تعاملا “وظيفيا”، بما يخدم مصالحها والمراحل والتحديات التي تمر بها، دون النظر إلى مبدئية هذه القضية، وإلى مصلحة الأحوازيين وحقوقهم التاريخية الوطنية والإنسانية.

كانت هذه النظم تدعم وترفع راية الأحوازيين كلما رأت في ذلك مصلحة لها، ثم حين ينقضي الأمر تتجاهل هذه القضية، بل قد تقدم على التعاون مع أجهزة الأمن الإيرانية في تبادل المعلومات الأمنية الحساسة الخاصة بنشاطات الأحوازيين، ولم تتغير هذه الطريقة في التعامل مع هذا الملف في زمن ولاية الفقيه، عما كان زمن الشاه.

ومن أسف أيضا أن كل التعاطي الإعلامي العربي مع هذه القضية يصعد ويهبط وفق احتياجات تلك النظم، فنرى هذا الاعلام يصدح بالمسألة الأحوازية حينما تطلب تلك الدول الداعمة لهذا الاعلام ذلك، ويخفت صوته في المرحلة اللاحقة.

وإذا كان هذا شأن الدولة العربية المتصلة مباشرة بهذا الملف فمن الطبيعي أن يكون تعاطي الدول الغربية ذات المصلحة والعلاقة مع إيران “وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا” وفق مصلحتها، مرحلة إثر مرحلة، “وهي الآن مشغولة بمعالجة الملف النووي”، ولأن مصلحة هذه الدول أساسا مع النظام الإيراني، ولأن هدفها أن تدفع هذا النظام الى الحدود التي تريدها لا أن تعمل على تغييره، فإنها تعمل على استغلال قوى المعارضة الاحوازية في مسارها هذا.

هذه الطريقة في التعامل مع المسألة الأحوازية كانت لها نتائج جد سلبية على قوى المعارضة في الخارج إذ باتت هذه عرضة للاختراق من القوى المعادية على اختلاف أنواعها ومسمياتها، وعرضة للانقسامات، وعرضة لتشويه الرؤية والأهداف المعلنة وخصوصا باتجاه تضخيم هذه الأهداف بأكثر مما يحتمله واقعها، بحيث تضيع فرص تحقيق التقدم خطوة خطوة سواء في اتجاه الوصول إلى وضع يحقق فيه الأحوازيون أهدافهم تباعا، أو في اتجاه بناء قوة معارضة داخلية حقيقية وقوية تجمع كل المتضررين من سياسات نظام “ولاية الفقيه” الفاسدة والمستبدة والطائفية، من كل التكوينات العرقية والمذهبية في مختلف أنحاء ايران، أي بناء جبهة وطنية عامة داخل ايران تعمل على مواجهة هذا النظام وتعمل على استخلاص حقوق كل الناس في ايران على قاعدة من العدل والمشاركة السياسية والتنمية الحقيقية وصون حقوق الانسان.

** مطلوب منا جميعا ـ من كل من يستطيع، وبأي شكل يستطيع ـ أن نعري عدوانية نظام “ولاية الفقيه” على أهلنا في الأحواز أولا، ومن ثم على الإيرانيين جميعا.

 ** مطلوب منا أن نساعد وندعم بناء جبهة نضال شعبية في الداخل الإيراني للتصدي لهذا النظام، وللمساعدة على إقامة نظام ديموقراطي عادل وإنساني.

** مطلوب منا أن نجري حوارا فعالا ومتصاعدا مع القوى السياسية الأحوازية         ـ وخصوصا في الخارج ـ بهدف دفعها إلى الوحدة، وإلى تحديد دقيق وواع لأهداف نضالها، ولشعاراتها وتحالفاتها على المدى القريب والبعيد، حتى يثمر عملها، وحتى تتجنب أن استغلال لنضالها ولآلام شعبها.

** مطلوب منا أن ننظر إلى ملف الأحواز باعتباره ملفا من ملفاتنا الوطنية التي نتابعها بالتزام ولا تغيب عن بؤرة اهتماماتنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى