منذ أكثر من أسبوع والمدن العربية في جنوب غرب إيران تعج بالمتظاهرين وذلك على إثر قطع المياه الزراعية وتردي الأوضاع المعيشية والخدمية مثل الكهرباء ومياه الشرب والبطالة المتفشية، وكذلك المطالبات السياسية التي طال تحقيقها لعقود من الزمن، حيث لا يرى المواطن العربي في تلك المنطقة الغنية بالنفط والغاز والتي تؤمن 80 في المئة من ميزانية إيران السنوية، حسب وكالة «تسنيم» الإخبارية التابعة لحرس الثورة، لا يرى حلا في الأفق.
واشتعلت الأحداث بعد ما فشلت مساعي عدد من السياسيين والوجهاء العرب عبر التواصل مع السلطات الإيرانية بغية فتح مياه الأنهر لسقي مزارعهم وتأمين حياة المواشي في أهوار الحويزة والونج والفلاحية، الأمر الذي يزيد من المخاطر البيئية التي تحيط بهذا الإقليم.
وسقط حتى يوم الجمعة الماضي عدد كبير من الجرحى و12 قتيلا في مدن الأحواز عاصمة الإقليم ومدن الخفاجية والفلاحية والسوس وغيرها، حسب نشطاء حقوق الإنسان. ونشرت صور ومقاطع على مواقع أحوازية وعلى منصات التواصل الاجتماعي تؤكد الحدث. واستمرت المظاهرات حتى الليلة الماضية في مدن السوس والأحواز ودزفول والصالحية والمحمرة وعبادان وتستر ومعشور ومسجد سليمان وبهبهان والجراحي والحميدية وإيذج والحويزة والبسيتين وبلدات عبدالخان وشاوور وكوت عبدالله والعين والملاشية وكوت سيد نعيم والرفيع وغيرها.
وامتدت انتفاضة الأحواز نحو المدن غير العربية حيث تم قطع الطريق بين مدينة خرم أباد ومدينة بروجرد. وتظاهر عدد غفير من شباب خرم أباد وأليكودرز حيث سقط ضحايا في هذه المدينة وعدد كبير من الجرحى. واستمرت المظاهرات وشملت الأحوازيين المقيمين في مدينة مشهد شرق إيران وكذلك تظاهر الأحوازيون المهجرون في مدينة يزدانشهر بمحافظة أصفهان.
كما جمدت السلطات الإيرانية العمل في طهران عاصمة البلاد وكذلك مدينة كرج حيث أعلنت الدوائر المعنية تعطيل العمل حتى أجل غير مسمى على إثر انتشار فيروس كورونا حسب وزارة الداخلية الإيرانية، الأمر الذي فسره سكان تلك المدن على أنه كذبة ويؤكدون أنه تم تعطيل مدنهم لدواع أمنية ناتجة عن انتفاضة إقليم الأحواز وخوف الإدارة الإيرانية من أن تسري الانتفاضة للمدن الكبرى في إيران.
وكان عدد من السياسيين والبرلمانيين والمختصين بشؤون المياه والصحافيين قد حذروا السلطات الإيرانية قبل عقود من عواقب نقل المياه من أعلى مصادرها في جبال زاجروس نحو الهضبة الإيرانية، حيث استحدثت وزارة الطاقة الإيرانية ستة سدود في شمال الأحواز ونحو 69 سدا في المحافظات الفارسية والكردية تمنع المسار الطبيعي لنزول المياه نحو هضبة الأحواز مما تسببت بجفاف غير مسبوق في المنطقة. كما استحدثت إيران 36 قناة أسمنية تنقل مياه كارون من روافده في جبال زاجروس وتضخه نحو محافظة أصفهان وزادت من ضخ مياه كارون في أنهر زاينده رود وزرينه رود وباغ بهادران. وتعطلت زراعة الرز وسقي مزارع النخيل والمزارع الصيفية في إقليم الأحواز مما تسبب بتفشي البطالة وموت عدد كبير من الحيوانات البرمائية ونفوق أطنان من الأسماك في الأهوار، ونشرت المئات من مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي وتؤكد ذلك منظمات حقوقية إيرانية وغربية أيضا.
وحسب قاسمي نجاد أحد مسؤولي دائرة الزراعة في الأحواز فإن 43 ألف هكتار من بساتين النخيل في الأحواز تعيش الموت البطيء.
وقالت فاطمة ظفر نجاد، الباحثة في المياه والتنمية المستدامة إن «إدارة المياه في البلاد بعيدة جدًا عن معايير التنمية المستدامة. لذلك، أدى عدم الاستقرار في جميع السهول والأنهار إلى إلحاق أضرار جسيمة بأكثر من 30 حوضًا مائيًا في البلاد وخلق ظروفًا غير متوافقة للغاية مع الوضع البيئي».
كما قال القائم بصلاة الجمعة بمدينة رشت بشمال إيران أن تراكم المشاكل في إقليم الأحواز خلال الخمسين سنة الماضية أدى اليوم إلى تردي الوضع هناك، حسب ما جاء بموقع وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا».
ومع انتشار الاحتجاجات في مدن مختلفة في جميع أنحاء البلاد، حذر مكتب المدعي العام في الأحواز، الأربعاء الماضي، المتظاهرين من فصل صفوفهم عن «معادي الثورة» و»الجماعات التابعة للأجانب» الذين يريدون، بحسب مكتب المدعي العام «تعريض أمن وسلم خوزستان للمخاطر».
وتستخدم السلطات الإيرانية تسمية «خوزستان» لأجزاء من مناطق سكنى العرب في جنوب وجنوب غرب إيران والذي يسميه العرب الأحواز أو عربستان.
كما هدد مكتب المدعي العام في خوزستان «بالتعامل مع أي انعدام للأمن وعدم الاستقرار واضطراب بالنظام العام» و»بشدة».
كما وصف قائم مقام دزفول التظاهرات السلمية للشعب ضد الجفاف بـ «الاضطرابات» التي حسب قوله، «لا علاقة لها بالمياه الزراعية». واصفا المحتجين بـ «الشعب الانتهازي» الذين، حسب قوله «يدخلون إلى الساحة بالدعوة لثورة مضادة».
وفي بيان منفصل، دعا الرئيس حسن روحاني أهالي خوزستان بعد ثمانية أيام من بدء احتجاجات نقص المياه وانعدامها في بعض الأمكنة: «لا تسمحوا لأعداء الجمهورية الإسلامية بالفرح والاستفادة من هذه الاحتجاجات». واعتبر الاحتجاج والنقد حق الشعب، بشرط أن يفصل أهل خوزستان صفوفهم عن هؤلاء الذين، حسب قوله، «يهتفون الشعار الخطأ» في إشارة إلى الشعارات التي طالت المرشد الإيراني وكذلك الهتافات العربية التي تطالب بحقوق سياسية للعرب في الأحواز.
وفي حديث مماثل، كتب علي شمخاني، أمين سر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، على صفحته على تويتر، أن «القوات الأمنية أصدرت تعليمات بالإفراج عن معتقلي الأحداث الأخيرة في خوزستان الذين لم يرتكبوا أي أعمال إجرامية». شمخاني، الذي التقى سابقًا، بالرئيس الجديد، إبراهيم رئيسي قال أيضًا إنه «لا ينبغي السماح للمشاكل الداخلية بأن تصبح سببًا لانتهاكات المنشقين».
ووثق مراسلون محليون في إيران أن شرطة مكافحة التمرد تطلق الرصاص الحي على المتظاهرين في المدن العربية. كما أن كراهية الشعب للنظام الثيوقراطي في هذا البلد وصلت إلى لدرجة أن تتحول أقل مشكلة في مجال الخدمات العامة إلى احتجاج سياسي. وتحدث سكان الأحواز عن أن إقليمهم الذي ينام على بحر من النفط أصبح مسروقا من قبل السلطات الإيرانية مما أدى إلى تردي الوضع المعيشي حيث سكان العديد من المدن العربية يعيشون على المساعدات.
وعلق نشطاء سياسيون في مدينة تبريز شمال غرب إيران، لافتات تدعوا سكان مدنهم لمؤازرة المتظاهرين في الأحواز الأمر الذي قد يؤدي إلى انزلاق البلاد نحو انعدام الاستقرار الأمني خلال الفترة المقبلة، إذا ما التحقت المدن الكبرى بمظاهرات الأحواز.
وطالب حقوقيون وسياسيون عبر بيانات منفصلة، ساسة إيران ضبط النفس والسماح للناس بالتظاهر السلمي. وتجدر الإشارة إلى أن الدستور الإيراني يسمح للمظاهرات السلمية شريطة ألا تخل بأسس الإسلام.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، الأربعاء، إن الوزارة تتابع عن قرب التقارير حول التظاهرات في إيران، بما في ذلك التقارير حول إطلاق قوات الأمن النار على المتظاهرين.
وأكدت شبكة «نت بلوكس» العالمية، التي تراقب قيود الإنترنت في جميع أنحاء العالم، يوم الأربعاء الماضي، انقطاع الإنترنت عبر الهاتف المحمول في محافظة خوزستان، بعد احتجاجات واسعة النطاق في المحافظة تطورت نحو مطالبات سياسية في عموم البلاد وما زالت مستمرة.
المصدر: القدس العربي