يسود الترقب والحذر مدينة شهبا، الواقعة في ريف السويداء الشمالي، والتي تبعد عن العاصمة السورية دمشق نحو 85 كم، بعد سقوط خمسة قتلى ووقوع أضرار مادية، في حين ما تزال الأسواق في المدينة مغلقة بشكل تام، مع اقتصار الحركة على مجموعات مسلحة محلية.
وبدأ الخلاف، السبت الماضي، بعد نشوب إشكال بين راني غرز الدين، الأخ غير الشقيق لأحد متزعمي العصابات في شهبا، ويدعى وليم الخطيب، مع شاب جامعي يدعى تحسين الطويل، جراء “الإزعاج الذي تسببه حركة دراجاته النارية في الشارع الذي يقطن فيه الأخير”، ليتطور من شجار بالأيادي إلى استخدام الأسلحة النارية مع تدخل الخطيب وأحد أفراد عصابته.
وأصيب 3 شبان من عائلة الطويل برشقات نارية من بندقيته الحربية، اثنين منهما لم يمض على وجودهما في المدينة أكثر من شهر، بعد قدومهما من السويد في زيارة عائلية، إذ جرى ملاحقتهما بعد نقلهما إلى المستشفى والإجهاز عليهما، فيما توسع الاشتباك ليُقتل الخطيب وأحد أفراد عصابته.
هذه الأحداث تبدو للوهلة الأولى شجارا عائليا، إلا أنها في الحقيقة تعبر عن انفجار ما بين العصابات التي يرعاها ويديرها الأمن العسكري وأمن الدولة، وهي عبارة عن شبكات تقوم بالخطف والسلب والاتجار بالسلاح والسيارات المسروقة والمهربة من لبنان، وكذلك الاتجار بالمخدرات التي يتهم “حزب الله” اللبناني بالمسؤولية عنها في المنطقة الجنوبية، وبين المجتمع الذي يصبر منذ سنوات على انتهاكات تلك العصابات.
وسبق أن طُلب من الأجهزة الأمنية رفع الغطاء عن هذه العصابات وسحب البطاقات الأمنية، وكذا تفعيل الضابطة العدلية المغيبة منذ سنوات عن مهامها في حفظ القانون، حتى يتاح للمجتمع وقياداته المجتمعية عزلهم، حيث تستمد تلك العصابات سلطتها وسطوتها من علاقاتهم مع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، إلا أن جواب الأخيرة كان أن هؤلاء هم “أصدقاء” ويقومون بتنفيذ مهمات توكل لهم.
ويبدو أن الاعتداء الأخير للعصابات على شباب عائلة الطويل، المعروفين اجتماعيا بحسن السيرة والسلوك ومساهماتهم الخيرية الكبيرة، قد وحّد العائلات في المدينة، حيث عقد اجتماع عام في مقر “مضافة المدينة”، أول من أمس السبت، وقرر المجتمعون اجتثاث أفراد العصابات وتطهير المدينة من نشاطاتهم، بغض النظر عن انتمائهم العائلي.
وأحرقت مجموعات من العائلات نحو 10 منازل و3 سيارات تعود ملكيتها لأعضاء العصابات، كما جرى مصادرة كمية من المخدرات المتواجدة فيها، إضافة إلى وثائق تثبت ملكية عدد من السيارات التي تستخدمها العصابات لإدارة أمن الدولة، فيما فر أفراد العصابات من المدينة إلى مناطق مختلفة من المحافظة، حيث يتواجد بها عصابات تشاركهم الأعمال الخارجة عن القانون.
وبحسب ما أفاد به مصدر محلي، فضل عدم الكشف عن هويته، لـ”العربي الجديد”، فإن الأجهزة الأمنية غائبة بشكل تام عن الأحداث التي شهدتها مدينة شهبا، فيما بثت وسائل إعلام النظام أخبارا كاذبة عما يحدث في المدينة، حيث جرى تسويق أخبار عن وجود دعوات من الأهالي لتدخل قوات النظام ووضع حد للأحداث الأخيرة، في حين أعلن الكثير من أبناء المحافظة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن هذه الأخبار عارية عن الصحة، وأن “المجتمع أخذ على عاتقه تطهير مناطقه من دون تدخل القوات النظامية”، محذرين من نتائج أي تدخل لها، وسط توجس من أن يصب التدخل في مصلحة العصابات.
وبين المصدر أن “عائلة الطويل رفضت إقامة مراسم العزاء لأبنائها، إلى أن يتم السداد من أفراد العصابات”، فيما أعلنت العائلة رفض استقبال أي ضيوف رسميين أو ممثلين عن السلطة في مضافتهم.
ولفت المصدر إلى أن اجتماعًا ثانيا عقد صباح اليوم الأحد لأهالي المدينة، “قرر إزالة جميع (منشآت الصفيح) التي كانت تتعامل مع العصابات أو تعود ملكيتها لهم، حيث كانت تستخدمها لتجارتهم بالمخدرات والأعمال غير المشروعة، وذلك ضمن حزمة إجراءات أمنية سيتم تنفيذها خلال الأيام القادمة، لمنع عودة نشاط تلك العصابات، وسط مطالبات أفراد العصابات الفارين بتسليم أنفسهم، حيث ستتم ملاحقتهم في جميع أرجاء المحافظة”.
يشار إلى أن السويداء عانت خلال السنوات الأخيرة من وجود عصابات امتهنت أعمال الخطف والسلب والاتجار بالمخدرات، في وقت يحملون بطاقات أمنية ويقومون بمهام بسياراتهم المسروقة، ما تسبب في تشويه سمعة أهالي المحافظة لدى السوريين، الأمر الذي أثار امتعاض الأهالي واعتبروه عملا منظما لإثارة النعرات الطائفية بين المجتمع السوري.
المصدر: العربي الجديد