يكاد لا يمضي أسبوع حتى تخرج قصة أو مقال عن الأويغور (التركستان بالعربية) في الولايات المتحدة. أحياناً، الوتيرة يومية. قضية هذه الجماعة المسلمة في إقليم شينجيانغ شمال غربي الصين، باتت مكوناً أساسياً من الأخبار وأيضاً بين انشغالات الرأي العام الأميركي، إذ تضعها جمعيات ومؤسسات حقوقية بين سُلم أولوياتها.
مسألتان لافتتان في هذه القضية وتحولها الى مسألة رئيسية في العلاقات الأميركية-الصينية. الأولى هي سياسة الإدارة الحالية بقيادة الرئيس جو بايدن، والثانية على ارتباط بالمقاتلين التركستان وتشكيلهم في الشمال السوري.
في ما يخص السياسة الأميركية (الشق الأول)، من اللافت أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لم تتراجع عن إعلان إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب قضية الأويغور في شينجيانغ، “إبادة”، أو رفع اسم “الحزب الإسلامي التركستاني” عن قائمة المنظمات الإرهابية. وهذا يشي بأن هناك سياسة أميركية عابرة للانقسامات السياسية، حيال الصين وقضية الأويغور (التركستان) في إقليم شينجيانغ (أو تركستان الشرقية كما يسميها الانفصاليون الأويغور).
والحقيقة أن الإدارة الحالية تضع القضية الأويغورية في صُلب أولوياتها، وتتخذ إجراءات بشكل متزايد في هذا الخصوص، كما حصل أخيراً في قمة الدول السبع في المملكة المتحدة في حزيران (يونيو) الماضي، أو في فرض عقوبات. ذاك أن إدارة بايدن تنوي فرض عقوبات على 10 شركات صينية هذا الأسبوع نتيجة دورها المزعوم في استغلال العمالة الأويغورية مجاناً ضمن معسكرات أنشأتها الحكومة الصينية لـ”تثقيف” مئات آلاف المواطنين في إقليم شينجيانغ.
السياسة الأميركية التصعيدية في خصوص مسألة الأويغور تُرافقها تغطية إعلامية واسعة للانتهاكات في الإقليم وللمعسكرات، رغم اعلان الصين إغلاقها وسط موجة شكوك حول ذلك. مجلة “ذي ايكونومست” نشرت يوم الاثنين مقالة تعريفية عن الأويغور وقضيتهم والانتهاكات الصينية بحقهم. من اللافت حجم الاهتمام بهذه القضية، وهو مماثل لتغطية الانتهاكات بحق سكان إقليم التيبيت، والتي حازت على اهتمام اعلامي وثقافي من دون أن يُترجم ذلك بحجم واسع سياسياً. قضية الأويغور مغايرة، والسياسة فيها تسبق الاعلام.
لهذا السبب، يحوز “الحزب الإسلامي التركستاني” على اهتمام على المستوى السياسي. التنظيم على ارتباط وثيق بهيئة تحرير الشام في الشمال السوري، وبالتالي فإن رفع اسم الأخيرة عن قائمة المنظمات الإرهابية عامل مساعد للتركستاني وقضيته. ودور “التركستاني” يُعطي ورقة ثمينة لتركيا (للمساومة مع واشنطن وبكين وبالوكالة مع روسيا أيضاً)، وكذلك للنظام السوري وموسكو من ورائه.
مطلع هذا العام، وقبل رحيلها بيوم واحد، رفعت إدارة ترامب “التركستاني” عن قائمة المنظمات الإرهابية. بعدها، شن النظام السوري سلسلة عمليات في سهل الغاب (ريف حماة) حيث يتمركز مقاتلون للحزب الإسلامي التركستاني، وسط غارات على مواقعه في إدلب وجبل التركمان في جبال اللاذقية.
ومحاولات النظام مستمرة، إذ ترد تقارير عن تحذيرات من الهيئة للحزب الاسلامي التركستاني حيال النوايا ضده مع ورود مساعدات من الصين للنظام السوري. ذلك أن الرئيس الصيني شي جين بين كان وعد الشهر الماضي بتعزيز التعاون الصيني-السوري “إلى مستوى جديد” في سياق برقية هنأ فيها الرئيس بشار الأسد بـ”انتخابه”.
تزامن هذا الوعد والتقارير عن ورود مساعدات الشهر الماضي، مع اغتيال “الشيخ جودت” مدير المكتب الاقتصادي (في التركستاني) في انفجار سيارة مفخخة في مدينة سلقين. النظام السوري يقتنص الفرص، ويرى فيها وسيلة لجذب دعم ضروري لبقائه. لا بد من ترابط بين الضربات ضد “التركستاني”، وبين “المساعدات” الصينية، وقد نرى محاولات خفية على الجانب الآخر من تركيا لمنع محاولات التصفية الكاملة أو الحؤول دونها.
من الصعب تخيل نهاية سريعة لهذه المواجهة، إذ أن لحظة “التركستاني” لم تحن بعد في سوريا، وقد تستدرج تدخلات كثيرة، رغم أن أفغانستان حيث للتنظيم وجود محدود، تبدو ساحة أكثر قابلية وجاذبية، وعلى حدود الصين أيضاً. هذه معركة بدأت للتو ولن تنتهي سريعاً.
المصدر: المدن