درعا على مفترق طرق: موسكو تصعّد والأهالي يدفعون ثمن مواقفهم من النظام والانتخابات الرئاسية

هبة محمد

لم تتضح ملامح المباحثات والمصير الذي ينتظر مدينة درعا جنوب سوريا، والمحاصرة من قبل قوات النظامين السوري والروسي منذ أكثر من 20 يوماً، لكن، ثمة حراك تفاوضي محموم يجري بين ضباط روس رفيعي المستوى واللجنة المركزية التي تفاوض باسم الأهالي في المنطقة الجنوبية، لإرساء اتفاق ينصف درعا التي تقف على مفترق طرق عدة، غير وارد في أي منها إذعانها للنظام أو الرجوع إلى ما قبل 2011، وهو ما بات مكتسباً يعمل الأهالي على المحافظة عليه من خلال استمرارهم بالمظاهرات السلمية المطالبة برحيل النظام.

وشهدت درعا البلد، الاثنين، اجتماعاً ضم أعضاء من اللجنة المركزية وضباطا من الشرطة العسكرية الروسية لمناقشة أسباب الحصار الذي فرضته قوات النظامين السوري والروسي على المدينة المهددة باقتحام الميليشيات الإيرانية والتوغل فيها. مصادر محلية قالت الاثنين إن الاجتماع الذي شهدته مدينة درعا البلد، جاء بناء على طلب الجانب الروسي في «موقع الملعب البلدي بالمدينة لكن اللجنة رفضت في ظل إغلاق الطرقات وطلبت الاجتماع في درعا البلد».

وذكرت مؤسسة «نبأ» الإخبارية المحلية أن الضباط الروس استمعوا لتقييم عن الوضع الميداني، بينما تقدمت لجنة التفاوض بعدة مطالب أبرزها فتح الطرقات وإنهاء التضييق الأمني على أحياء المدينة، ووفق المصدر المختص بنقل أخبار محافظة درعا فإن «لم يصدر عن الاجتماع أي نتائج لكن ضباط الشرطة العسكرية وعدوا بنقل المطالب إلى القيادة العسكرية الروسية».

وكانت قوات النظام السوري، وبضوء أخضر روسي، قد منعت الأحد برنامج الأغذية العالمي «WFP» من إدخال المساعدات الإنسانية إلى منطقة درعا البلد، والتي فرضت عليها حصاراً خانقاً منذ 24 حزيران الفائت، على خلفية مقاطعتها للانتخابات الرئاسية الفائتة، ورفضها تسليم السلاح الشعبي الخفيف، وتفتيش المنازل فيها دون سبب.

المتحدث باسم تجمع أحرار حوران قال لـ «القدس العربي» إن منع دخول المساعدات إلى درعا البلد، هو إجراء من الإجراءات التي اتخذتها اللجنة الأمنية للنظام في المحافظة مع الجنرال الروسي «أسد الله» لفرض الحصار على أحياء درعا البلد، والتضييق على المدنيين فيها.

إيقاف المساعدات الغذائية

وعزا المتحدث التصعيد والتضييق على المدينة إلى جملة من الأسباب حيث قال «الأسباب واضحة للجميع حيث تعمد قوات النظام والميليشيات الإيرانية الموالية لها، بدعم من روسيا، والتي تحاصر مناطق درعا البلد من أجل إخضاعهم وكسر صمودهم والنيل من هيبتهم، جراء مواقفهم الثورية الثابتة والمتكررة في كل مناسبة ثورية، وآخرها مرحلة الانتخابات الرئاسية حيث أتى هذا الحصار نتيجة لذلك» مبيناً أن المدينة لم تتلق بلاغاً رسيماً من برنامج الأغذية العالمي حول إيقاف المساعدات، «ولكن الهلال الأحمر السوري أبلغ الأهالي بإيقاف المساعدات الإنسانية عن منطقة درعا البلد» مشيراً إلى أن برنامج الأغذية العالمي قام برفقة الهلال الأحمر بإدخال الجزء الأول المخصص للأهالي قبل حوالي الـ15 يوماً، وتم توزيع هذه الكميات على بعض الأحياء من مناطق درعا البلد، وتأخرت باقي الدفعات وحين الاستفسار عنها، كانت المماطلة في كل مرة، بدون أجوبة شفافة وواضحة. وقال الحوراني «عدد العائلات المستفيدة متفاوت حيث يقطن مناطق درعا البلد ومخيمات درعا وأحياء طريق السد، ما يقارب 11 ألف عائلة، تحصل كل 3 أشهر على سلة غذائية واحدة، ولكن لا تستلم هذه العوائل بشكل كامل من اللجنة الإغاثية الموجودة في درعا البلد، فهناك عائلات مسجلة لدى جميعة البر والخدمات التي توجد في حي المطار بدرعا المحطة كون الجمعية تقوم بتوزيع شهري وبدعم من نفس المنظمة».

وتشهد درعا نتائج اختبار الأهالي لمدى التزام النظامين السوري والروسي، ببنود اتفاق التسوية المبرم في أيلول 2018، حيث التزمت المحافظة من جهتها بما فرض عليهم، وخلال ذلك حاول النظام إضعافه الأهالي عبر العمليات الأمنية والاغتيالات والتضييق في تقديم الخدمات.

الباحث لدى المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام، رشيد حوراني تحدث عن أسباب التصعيد وما تعيشه المحافظة الجنوبية من تضييق وحصار وانعدام الثقة بينها وبين النظام السوري وحلفائه، وقال لـ «القدس العربي» «ما تشهده درعا ليس محصوراً بموقفها من الانتخابات فقط، بل موقفها من الانتخابات جاء ليكمل موقفها السابق قبل الانتخابات من النظام».

أما الجانب الروسي، فهو يحاول وفق رأي المتحدث «إيجاد حالة لدرعا تتفق مع أهدافه ومراميه، كما يعمل على إخضاعها وتبعيتها وضبطها بما يتفق مع عمليات تجميلية يحاول النظام الدعاية لها، مثل ادعاءه برغبته بعودة اللاجئين، كما سيعمل على المناورة والالتفاف على كل مطالب الأهالي، لأن الروس لو كانوا صادقين لأطلقوا سراح المعتقلين، والكل يعلم أنه هذا البند هو أحد أهم مطالب الاهالي، ولقدموا الخدمات الصحية والتعليمية…كما أن اجتماع اليوم ليس الأول من نوعه مع الروس».

لذلك فان درعا، وفق ترجمته للمعطيات، تقف على مفترق طرق عدة، غير وارد في أي الرجوع إلى ما قبل 2011.

خيارات

وحول السيناريوهات التي تنتظر درعا، فهي وفق الحوراني، أولاً محاولة الروس والنظام توظيف اللواء الثامن في مواجهة الأهالي بالتدريج ليضعف الطرفين. وهذا الأمر الذي يجب أن يتنبه له العقلاء لتجنبه، والخيار الثاني، هو تصعيد الأهالي ومقاتلي الفصائل السابقين ضد أهداف النظام بشكل غير معلن، ودليله ما حدث اليوم من اغتيال أربعة عناصر من الفرقة الرابعة، أما الخيار الثالث فهو محاولة النظام للاستفراد بكل منطقة على حدة ومحاصرتها وفرض شروطه كما يجري اليوم بدرعا البلد.

وتعيش درعا البلد حالة من تدهور الأوضاع الإنسانية نتيجة الحصار وإغلاق الطرقات والمعابر بينها وبين درعا المحطة منذ نحو 20 يوماً على التوالي. ويقول المتحدث باسم تجمع أحرار حوران إن «الحصار ضرب على المدينة بشكل مفاجئ، كون مناطق درعا البلد تعتمد بشكل رئيسي على مركز مدينة درعا من أجل شراء حاجياتها من المواد الأساسية والغذائية والأدوية الطبية، إضافةً إلى انتشار البطالة وتراجع القدرة الشرائية للعائلات التي توقف أهلها عن العمل».

المصدر:  «القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى