العراق: تحالف الشام الجديد هل يصمد أمام العواصف الدولية؟

مصطفى العبيدي

جاءت القمة العربية الثلاثية لحكومات العراق ومصر والأردن، كمحاولة لإيجاد مجالات للتعاون المشترك، ومواجهة ظروف اقتصادية وسياسية صعبة تعيشها البلدان الثلاثة، وسط تعقيدات إقليمية ودولية تعصف بالمنطقة.

واتفق قادة الدول الثلاث بحسب البيان الختامي للقمة على «التنسيق الأمني وضرورة تعزيز مشروع الربط وتبادل الطاقة الكهربائية بينها وربط شبكات نقل الغاز وإتاحة منفذ لتصدير النفط العراقي عبر الأردن ومصر من خلال المضي باستكمال خط الغاز العربي وإنشاء خط نقل النفط الخام البصرة- العقبة». كما أكدوا على «ضرورة التعاون في مختلف مجالات مشاريع الطاقة الكهربائية والطاقة المتجددة والبتروكيميائيات وبناء القدرات وتبادل الخبرات، والعمل على تهيئة مناخ الاستثمار لدعم شركات القطاع الخاص لتنفيذ المشاريع في الدول الثلاث».

وعقب اللقاء أكد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أنه «تم الاتفاق على إقامة سكرتارية دائمة لتنسيق العمل بين الدول الثلاث، في الملفات الإقليمية الرئيسية، كالملف السوري والليبي واليمني وفلسطين، وأن نبلور تصوراً مشتركاً تجاه هذه القضايا، كي نساعد إخوتنا في هذه البلدان على عبور التحديات والأزمات».

وإذا كان الجانب الاقتصادي، هو المهيمن على اللقاء الثلاثي، فإن الجوانب السياسية وقضايا المنطقة كان لها حضور في العلاقة الجديدة. حيث أكد البيان الختامي للقمة، ضرورة مواصلة التنسيق بين الدول الثلاث في إطار ما يسمى «بمشروع الشام الجديد» بما يحقق مصالحها ويعزز استقرار المنطقة، ليشير إلى محاولة ضم العديد من دول المنطقة لهذا المشروع، وخاصة النظام السوري الذي يكاد يخنقه حصار عربي ودولي بسبب سياساته القمعية المدمرة تجاه شعبه، وهو استكمال لسعي بعض الحكومات العربية مؤخرا لإعادة دمج النظام السوري في الجامعة العربية، بدعم ايراني روسي.

وقد كشف وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، أن «القضية السورية نوقشت أيضاً في مؤتمر القمة الثلاثي» وأن الحل في سوريا «يجب أن يكون سياسياً لتخليصها من الإرهاب» من دون ان يحدد طبيعة الحل وما المقصود بالإرهاب وهل يشمل المعارضة السورية. كما أضاف أنه «يجب تحييد العراق عن أي خلافات وتداعيات إقليمية» مع ملاحظة تجنب البلدان الثلاثة الإشارة إلى الإصرار الإيراني على جعل العراق ساحة لصراعها مع الولايات المتحدة وما تترتب عليه من تأثيرات سلبية خطيرة على استقلال البلد.

كما انتشرت تسريبات بان الملك الأردني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يسعيان لدعم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وانفتاحه على الدول العربية، بما يوحي بمنح غطاء من بعض الزعماء العرب لدعم بقاء الكاظمي في السلطة، رغم ان المتحكم بهذا الأمر في العراق معروف جيدا للجميع. ولذا لم تكن مصادفة قيام الملك عبدالله الثاني، وقبيل عقد القمة، بزيارة لمقامات الصحابة من آل البيت، بالمزار الجنوبي في محافظة الكرك والصلاة في مسجد جعفر بن ابي طالب، ليرسل إشارات السعي لكسب رضا، أصحاب النفوذ الأقوى على حكومة بغداد.

وفي الوقت الذي حظيت به القمة الثلاثية بدعم الجامعة العربية والولايات المتحدة، وروسيا وأوروبا ، فإن العديد من الإجراءات والخطوات كانت تجري على الأرض لتعزيز التعاون بين البلدان الثلاثة وتطبيق الاتفاقيات التي تم عقدها في اللقاءات السابقة. وأعلنت وزارة التجارة العراقية، حجم التبادل التجاري مع مصر والأردن عام 2020 إذ بلغ «حجم التبادل التجاري بين العراق والأردن نحو 440 مليون دولار أمريكي» فيما ذكرت ان «حجم التبادل التجاري بين العراق ومصر بلغ نحو 386 مليون دولار أمريكي».

وفي الوقت الذي تركز حكومة الكاظمي، هذه الأيام، على تحسين قطاع الكهرباء في العراق ومحاولة إيجاد مصادر جديدة للطاقة، خصوصا مع تجاوز درجات الحرارة 50 درجة، ومع تزايد الحاجة الملحة لإيجاد حل لهذه الأزمة المزمنة ، فإن شكوكا قوية لدى المراقبين، من قدرة التعاون الثلاثي على حل هذه القضية التي تعتبر سياسية بامتياز، لأن خيوط اللعب فيها ليست محصورة بيد بغداد فقط.

وبهذا السياق، فقد انطلقت تظاهرات حاشدة ومواجهات مع القوات الأمنية وإغلاق طرق في بعض المحافظات بسبب أزمة الكهرباء التي أدت إلى استقالة وزير الكهرباء، وسط حرب حرائق محطات توليد الطاقة وتعرض أبراج نقل الكهرباء، إلى عملية تخريب واسعة ومنظمة، إضافة إلى تعمد إيران قطع الكهرباء عن العراق للضغط عليه لتسديد الديون، وهو ما عزز قناعة المطلعين، بان أزمة الكهرباء في العراق تندرج ضمن أجندات قوى سياسية وإقليمية لخلق أزمات وضغوط على الحكومة.

ولم تكن بعيدة عن هذا الإطار، تداعيات تبادل القصف بين الولايات المتحدة والفصائل الولائية في العراق، كمؤشر على تدهور العلاقة بين واشنطن وطهران وخاصة مع تعقد مفاوضات النووي الإيراني، ومواصلة إدارة جو بايدن لسياسة فرض العقوبات والضغوط على إيران، وبعد مجيء رئيس إيراني متشدد، بما يترتب عليه من نتائج سيئة على العراق.

وتبقى ثمة تساؤلات أثارتها القمة الثلاثية حول مدى امكانية ان يكون العراق الغارق بالأزمات والخاضع كليا للقوى الولائية، صانعاً أو فاعلاً في صياغة القرارات الإقليمية، وهل يمكن أن يكون له دور يتجاوز موقع الوسيط لتحقيق أهداف بعض هذه القوى؟ ومنها محاولة تشكيل توجه عربي لفك الحصار عن النظام السوري، في وقت تلوح واشنطن بقانون عقوبات قيصر ضد سوريا والدول الداعمة له. وبالتالي فالمتوقع ان مصير الحلف الثلاثي سيكون كمصير مجلس التعاون العربي بين العراق ومصر والأردن واليمن، ويبقى في حدود التعاون الاقتصادي الذي يعتمد على استفادة بعض الحكومات من الامكانيات الاقتصادية الكبيرة للعراق، لفك أزماتها، مع توقعات ببروز معوقات من القوى الولائية للمشروع كون انفتاح العراق عربيا سيخصم من رصيد طهران اقتصاديا، وهو ما لن تسمح به أبدا.

المصدر: »القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى