لماذا درعا الآن؟

عمر الشيخ

هددتْ قاعدة حميميم الروسيّة، من الساحل السوريّ، أخيرا، مناطق جنوب سورية، التابعة إداريّاً لمدينة درعا، بإدخال مليشيات إيرانيّة، مثل حزب الله اللبناني و”الحرس الثوريّ” الإيرانيّ؛ إلى المناطق التي رفضت تسليم سلاحها الفرديّ. وتفيد الأنباء من المدينة الحدودية بأنّ لجان المصالحة بين النظام والفصائل العاملة هناك صدمتها التصريحات الروسيّة بعد أن عزلوا مناطق عن بعضها؛ بقصد الحصار وتقنين الخدمات وإضعاف التأثير الاجتماعي على السكان، مما بقي من فصائل معارضة مسلحة هناك.

وكانت القوّات الروسيّة هي الضامن للنزاع بين قوّات النظام (ومليشياته الطائفيّة) وفصائل المعارضة في درعا، إلا أنّ أمراً ما قد حدث؛ فالطيران الحربيّ لا يهدأ تحليقه منذ أيام فوق معظم المناطق التي وقّعت على “الضمانة الروسيّة”، وسلّمت السلاحين الثقيل والمتوسط، وها هي اليوم تدفع لتسليم السلاح الخفيف أيضاً. وتعلم الفصائل المعارضة والأهالي في معظم مناطق درعا، والتي لا تزال تتظاهر ضد بشار الأسد؛ أنّ تهديد قاعدة حميميم ينطوي على إشارة خضراء لتوريط المدينة بالصراع الإسرائيلي الإيراني فوق أرضٍ سوريّة؛ إذ ما إن تدخل مليشيات إيران وتبني نقاطها العسكريّة، حتى تتحرّك صواريخ الاحتلال الإسرائيليّ نحو تلك النقاط؛ لقصفها وتحويل المنطقة إلى أرض حرب عصاباتٍ للنفوذ الإيرانيّ.

ودانت فعالياتٌ ثوريّة تهديدات القوّات الروسيّة، وتحوّلها من “ضامن إلى مستخدم لأساليب الحصار والترهيب والتهديد وبث الرعب في قلوب المدنيين، مما أدى لخروج الضمان الروسيّ عن وظيفته في اتفاق التسوية جنوب سورية، ومخالفته القرارات الدوليّة ذات الصلة”، حسب وصف بيان أصدرته اللجنة المركزيّة في درعا البلد وفي المنطقة الغربيّة، ومجلس أعيان المنطقة الغربيّة وأحرار الريف الشرقيّ ومنطقة الجيدور، وكناكر.

ويرى مراقبون أنّ روسيا كانت قد ضمنت، العام 2018، أمام دول إقليميّة؛ منها أميركا ومن خلفها إسرائيل، اتفاق التسوية في درعا والقنيطرة، خصوصاً بمنع القوات الإيرانيّة ومليشياتها من الاقتراب من المحافظتين، مقابل مساندة قوات النظام برّاً وجوّاً للسيطرة على المناطق الواقعة تحت يد فصائل المعارضة آنذاك. وبحسب المعطيات، جاءت هذه الخطوة الروسيّة بالتزامن مع تعنّت الدبلوماسيّة الروسيّة في المحفل الدولي، من أجل تحويل مسار المساعدات الإنسانيّة الداخلة إلى سورية، وخصوصاً إدلب، وما حولها من الحدود التركيّة السوريّة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة إلى جنوب سورية، بالتحديد قرب طريق الجمرك القديم في درعا، الذي تهيمن عليه ثلّة من العناصر الذين جنّدهم النظام؛ نظراً إلى عدم قدرته على الدخول إلى هناك وفق اتفاق 2018 الخاص بالتسوية. وبالتالي، يتيح إسقاط السلاح الخفيف والهيمنة المعارضة جنوب سورية على الحدود لروسيا إعادة تفعيل عمل المعبر الجمركيّ القديم، وتأمين طريقه القريب للغاية من مدينة الرمثا الأردنيّة. وهكذا سوف تكون فرصة تحويل المساعدات آمنة، بعيداً عن يد قوات النظام وتحت السيطرة الروسيّة أمام المجتمع الدوليّ.

وفي قراءة أكثر عمقاً لهذا التحوّل أمام تسوية درعا، نجد أنّ نظام الأسد يصفّي حساباته العسكريّة بتحويل المدينة التي انطلقت منها شرارة الاحتجاجات قبل عشرة أعوام، إلى صفر القيمة، ويبرّر، عبر مندوبيه، سواء أمام المنظمات الدوليّة أو في المجتمع المحلي؛ أنّ تلك “التسوية لم تكتمل بعد، وخطوات تسليم السلاح عبر الروس تجعلها عادلة”، حسب مسؤول بعثيّ لدى النظام، إلا أنّ الحصار بسواتر إسمنتيّة وأكياس رمال حربيّة لا يدلّ على خطوة إكمال لتهدئة ما، بقدر ما ينبّه إسرائيل إلى أنّ ادخال مليشيات إيران إلى درعا هو تهديد حدوديّ لها أيضاً، وبذلك يمكن أن يضغط كيان العدو على حلفائه في المجتمع الدولي لتمرير الأجندة الروسيّة بالسيطرة على المساعدات، وتجويع إدلب وما بقي من مناطق معارضة للسيطرة عليها.

جاء الرد الدوليّ عبر المؤتمر الوزاريّ لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي اختتم أخيرا، وعلى لسان وزير الخارجيّة الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي أكد من روما أنّ الولايات المتحدة سوف تقدم 436 مليون دولار مساعدات إنسانيّة إضافيّة للشعب السوريّ، وهذا التمويل الجديد المقدّم من خلال وزارة الخارجيّة والوكالة الأميركيّة للتنمية الدوليّة “سيوفّر مساعداتٍ حيويّة إضافيّة للأسر المحتاجة في سورية، واللاجئين السوريين، والمجتمعات المضيفة في البلدان المجاورة”، حسب بلينكن الذي لمّح إلى أنّ هناك أكثر من عشرة آلاف مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية في مخيم الهول شمال سورية، والذي تسيطر عليه “قوّات سوريا الديمقراطيّة” حليفة واشنطن. بعبارة أدقّ؛ ربما تريد واشنطن أن تختصر الطريق على موسكو في خطوتها بشأن المساعدات وتحريك المليشيات الإيرانيّة، بقولها إذا كان لديكم ورقة هذه المليشيات جنوباً، والتي هي أصلاً تحت مرصد القصف الإسرائيلي المتكرر في مواقعها السوريّة، نحن لدينا ورقة “داعش” شمالاً؛ والتي إذا حُرّكت ستستنزف مزيدا من الوقت والجهد للإمساك بالجغرافيا السوريّة وهم تحت يدنا؛ يد “قسد” وهاكم بضعة ملايين من الدولارات لحلّ أزمة المساعدات، سوف يبقى لتركيا دور في الملف السوريّ “إغاثيّاً وعسكريّاً”، ولدينا رغبة لتمديد تفويض الأمم المتحدة عمليّات الإغاثة الإنسانيّة عبر الحدود السوريّة.

في كلّ الأحوال، يختبر التوتر الإقليمي في سورية القوى العسكرية وأوراقها على الأرض، وتسجل الحالة المعيشية اعترافاتها بالتدنّي يوماً بعد الآخر، بانتقام متعدّد من معظم أطراف الصراع، فهذه المرّة ستكون خريطة درعا وأهميتها الثورية هي غاية التفاوض الحالي، الإجباري، لعلّها تخضع لسيطرة النظام بأي ثمن، حتى لو سرّبوا إليها قوات من “داعش” أو إيران، وبدأ حريقها! فالآن رمزية الثورة السورية، تاريخياً، هي أولوية مخطط السحق في منافسة نظام الأسد والمعارضة، لمحو كل أيقونةٍ يمكن أن تدلّ على أن الشعب قال يوماً: حرية إلى الأبد.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى