شعبان عبود روائي سوري، هذا أول عمل روائي أقرأه له. والرواية ملكة الفوعة… تلميذ بنّش؛ تتحدث عن الواقع السوري مركزة على ما بعد الربيع السوري والثورة التي انطلقت أوائل عام ٢٠١١م، والسنوات التي تلتها، وما حصل مع الشعب والدولة السورية عموما. تعتمد الرواية أسلوب المتكلم من الراوي ذاته، متابعة ما يعيشه بالمباشر وما يعود إليه عبر ذاكرته، يمثل الراوي مركز الرواية و محدد مسار تطور أحداثها.
تبدأ الرواية من الراوي الذي يتحدث عن نفسه أنه صحافي سوري مستقر في أمريكا منذ ما قبل الثورة السورية بسنوات، وأنه متزوج ومستقر هناك، وحصل على الجنسية الأمريكية. لا يخفي معارضته للنظام المستبد السوري منذ القديم. يعود في أصوله الى بلدة بنّش من الريف الإدلبي. يتابع شأن الثورة السورية بالتفاصيل، ويعتبر نفسه ابنها. ويعمل بشكل دائم لتسليط الضوء عليها أمام الرأي العام الغربي والأمريكي خاصة. يعود إلى طفولته وبداية شبابه في بلده وأنه تعلم في مدرسة ثانوية تقع بين بلدتين مجاورتين هما بنّش بلدته ذات الأغلبية السنية و الفوعة ذات الأغلبية الشيعية. يتحدث عن التعايش المجتمعي الكامل بين البلدين وغيرهما في المنطقة، وأن الاختلاف الطائفي لم يمنع التعامل وتبادل المصالح والزيارات، ولا حتى تبادل مشاعر الحب بين طلاب المدرسة من البلدين. كان صاحبنا قد أحب فتاة منذ أيام مراهقته تلك، اسمها سلمى، لم ينساها ولم ينسى حبها الذي استوطن قلبه، رغم كونه تزوج وانجب اربعة اولاد وهو الآن في سن الخمسين من العمر. كان للحصار على الفوعة من قبل الثوار اولا ثم من ِقبل جبهة النصرة، وقعا سيئا على نفسية صاحبنا. فالثورة يجب أن تبقى نظيفة ويجب أن لا تظلم أحدا. عاد بذاكرته إلى أيام الدراسة قبل ثلاثين عاما، والى محبوبته سلمى، والى التعايش الرائع بين أهل البلدين بنّش والفوعة، وأن هذا الصراع ونتائجه الكارثية على البلدين غير مفهوم وغير مبرر. حاول وهو في أمريكا عبر وسائل التواصل الإجتماعي البحث عن حبيبته تلك ومعرفة ما حصل معها ومع أهل بلدتها في مواجهة الحصار الذي استمر ثلاث سنوات ونصف. عاشوا فيه النقص والعوز في كل شيء، ولولا تدخل إيران وحزب الله -بعد ذلك- وعبر الطيران المروحي حيث ألقوا إليهم المواد الغذائية حتى استطاعوا التحمل، ليخرجوا أخيرا بصفقة كان أطرافها النظام المجرم ودول خليجية وإيران، دُفع فيها ملايين الدولارات. كانت صفقة ترحيل اهل كفرية والفوعة الشيعيتين الواقعتين تحت حصار جبهة النصرة، مقابل ترحيل أهل الزبداني ومضايا الواقعتين تحت حصار النظام المجرم السوري. هجّر أهل الزبداني ومضايا للشمال السوري المحرر. وهجّر أهل الفوعة وكفريا الى مناطق النظام في كل سورية حيث يريد أهل البلدين أنفسهم. لم يتوسع صاحبنا في الحديث عن ما حصل بجانبه العام. اكتفى بالحديث عن مصاب حبيبته ابنة الفوعة. التي استمر لسنوات يبحث عنها. وصل لقريبتها، ثم وصل اليها. علم أنها متزوجة ولها أربعة أولاد وأن ابنها الثاني كان مقاتلا في صفوف مناصري النظام ضد الثورة السورية في الدفاع عن بلدته الفوعة، وأنه قتل في إحدى المواجهات. وصل صاحبنا إلى حبيبته سلمى المفجوعة بولدها القتيل عبر وسائل التواصل الاجتماعي في النت. تحدث معها تذكرته. حافظا على مسافة الإحترام المتبادل بينهما؛ أنهما متزوجون ولهم أُسر، لكنهما عادا إلى فترة دراستهما، واعترفا بحبهما لبعضهما، حيث كان الحب وقتها مجرد مشاعر غير مُعبر عنها. وأنهما لم ينسوا بعضهما منذ ذلك الوقت. تعمق التواصل وحصل ادمان على الحديث، وبوح بكل شيء. هو في أمريكا وهي في اللاذقية مع أسرتها بعدما خرجوا من الفوعة بعد الحصار. اتفقا على اللقاء في لبنان. جاء صاحبنا إلى احدى الدول الأوربية حيث التقى بأقربائه. أخيه وأولاده. أخاه الذي استشهد له طفل وطفلة كانا يلعبان في فسحة البيت الكبير لعائلته جراء قصف النظام الدائم لهم، البيت الذي كان قد بناه والده. تعرّف على تفاصيل حياة الأسرة التي عانت ماعانته في بنّش والتي لم تجد من حل لها إلا بالهروب واللجوء إلى تركيا. ثم حيث إلى إحدى الدول الأوروبية. تحدثوا له عن البلدة المدمرة والمهجورة. وعن الشهداء من العائلة ومن أهل البلدة، وعن فعل النظام التدميري والقتل المتعمد للناس. كما التقى هناك ببعض الشباب والعائلات من أهل الفوعة الذين انضموا للثورة السورية، وشاركوا في عملها السلمي ايام التظاهر. وشارك آخرون في العمل الثوري المسلح. وكيف اضطروا أخيرا للمغادرة وترك العمل مع الثوار عندما سيطرت جبهة النصرة وداعش بعد ذلك حيث أصبحوا مطلوبين؛ أنهم كفار لانهم شيعة؛ هكذا ادعت جبهة النصرة، رغم كونهم من الثوار ويقاتلون معهم. وجاء بعد ذلك الى لبنان ليلتقي بحبيبته سلمى، على أمل أن يصنع معها فيلما وثائقيا عن حبهما وعن بلديهما بنش والفوعة. تحدث عن الاختلاف الطائفي الذي لم يكن مشكلة لسنين سابقة، وكيف أصبح وسيلة مستخدمة في حرب النظام على الشعب السوري، وتتوج ذلك بتدخل الإيرانيين وحزب الله، عبر تحشيدهم ودفعهم للحرب و حمايتهم ودعمهم أخيرا. التقى صاحبنا وسلمى لأيام محدودة تمكنا من إعادة إحياء ماضيهما المشترك. الحب الذي انتظر ثلاثين عاما للبوح به. الحب الذي بقي عذريا. كانت سلمى مجروحة لموت ابنها. استطاع أن يخرجها بعد أيام من سوداوية تعيش بها. ويعيد لها الق انوثتها وجمالها. لم يتجاوزوا حد البوح واحترام كونهما متزوجون ولهم عائلة وأولاد. انتهت استراحة العمر بحب اعيد إنعاشه بعد عقود وعاد كل منهما الى حيث حياته. هو الى امريكا وعائلته. وهي إلى اللاذقية وعائلتها.
تنتهي الرواية عند صاحبنا وهو يتذكر طفولته وشبابه وطموحه أن يكبر ويسافر بعيدا جدا عن سورية، وهذا ما حصل معه. لكنه الآن وهو في سن الخمسين من العمر يتمنى لو يعود الى سن المراهقة والطفولة ويعود الى الوطن ولا يكبر متجاوزا ذلك العمر، ولا يغادر إلى أي مكان ابدا.
في تحليل الرواية أقول:
نحن أمام رواية أخرى تتحدث عن الثورة السورية، من منظور مختلف لكاتبها. انها تتحدث عن المسكوت عنه في العقل الجمعي السوري. التعدد والتنوع، الاختلاف الطائفي والديني السوري. الذي كان يغطيه النظام بأننا كلنا أبناء البعث وتحت سلطة الدولة الباطشة. أما حقيقة الوضع في سورية أننا كشعب سوري كنا ندرك تنوعنا بين مسلمين سنة وعلويين ودروز وشيعة و اسماعيليين، مع تنوع عربي وكردي الخ، ومسيحيين بطوائفهم المختلفة، وأننا كنا متعايشين تاريخيا مع بعضنا كأبناء وطن واحد متجاورين ومتفاعلين في كل شيء. وأننا وإن اختلفتا يوما فكان ذلك يعود لفعل الأنظمة الحاكمة، ولم يكن يعيش الشعب أي حساسية بسبب تنوعه الذي كان يتقبله بكل صدر رحب. لكن الرواية تومئ إلى واقع فعله النظام عبر خمسين عام حيث حول الكثير من الطائفة العلوية ليكونوا أدوات قهر وظلم واستغلال للشعب السوري. في الجيش والأمن وعبر الهيمنة على البلد والإقتصاد والفساد وكل شيء. عندها تحرك الشعب بمكوناته ليواجه. طائفية النظام ولكن بالمنطق الوطني الديمقراطي. كما توضح الرواية أن الثورة السورية لم تكن ثورة المكون السني السوري بكونهم الأغلبية، بل كان كل المكونات جزء من الثورة والثوار، خاصة في المرحلة السلمية. كما أن الكثير من مكونات الشعب الاخرى التحق بالثورة من العلويين والدروز والشيعة والإسماعيليين. ولو دون أن ينطلقوا من منطق طائفي، بل كان الانتماء الوطني الديمقراطي السوري دافعهم الأهم وانتصارهم للحقوق مطالبين بالحرية والعدالة فوق كل اعتبار. لكن التدخلات الخارجية و عسكرة الثورة وطائفية النظام حرفت بعض الثوار ليكونوا نواة عمل طائفي يرفع الشعار الديني نموذجه النصرة وداعش. ولا ننسى استقطاب القاعدة من الخارج بحيث أصبحت سورية ساحة حرب.
نعود للرواية يحاول الراوي أن يبرر -ضمنا- انحياز اهل الفوعة للنظام لأنهم وجدوا نفسهم تحت نيران الثوار. رغم أن الشعب كله كان تحت نيران النظام اولا. وأن خيار أهل الفوعة كان طائفيا، وهو الإنحياز للنظام الإيراني المدّعي أنه حامي الشيعية وأداته المجرمة حزب الله الذي ساهم في قتل الشعب السوري. كما برر انحياز هؤلاء للنظام لما حصل لديهم من قتل وتشريد. ورغم أننا لا نقبل أن يظلم أي فرد سوري ولا يشرد أي مكون، حتى العلويين. لكن واقع الحال كان مظلومية كبيرة على الشعب السوري بمكونه الأكبر -السنة-، نأسف للتحدث بهذه الصيغة، لكننا نحلل واقع ولا نصطنع موقفا طائفيا. كان نتيجة فعل النظام المجرم وحلفائه :هو سقوط أكثر من مليون شهيد وضحية من الشعب السوري المظلوم، ومثلهم مصابين ومعاقين، وأكثر من نصف الشعب السوري المشرد بالملايين في اقطاب الارض، وبعضهم في المخيمات داخل سورية يعيشون حياة هي أقرب للموت. مع ذلك نحن ننتصر لرسالة الرواية في الأصل الإنتصار للتعايش بين مكونات الشعب السوري. نعم سورية لنا كلنا شعب متنوع كمواطنين متساوين بالحقوق والواجبات في الدستور وأمام القانون. نعم لكن لنسقط الاستبداد اولا ونخرج المحتل الأجنبي من بلادنا. روسيا وإيران وأمريكا. ولنخرج الب ك ك حزب العمال الكردي الانفصالي من سورية ونمنع مشروعهم التقسيمي لسورية. ونعمل كلنا للحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل. لكل السوريين.