الكوفة… المصادفة أم اللعنة!

جمعة الدبيـــس العنــــزي

جرحوا الحسن، وقتلوا الحسين، هكذا باختصار هي الصورة عن الكوفة، والكوفة مدينة عراقية ومركز قضاء تتبع إداريا إلى محافظة النجف في منطقة الفرات الأوسط جنوب العاصمة بغداد، وتبعد عنها بنحو 156 كم و10 كم شمال شرق النجف، أسسها فاتح العراق وقائد معركة القادسية (فتح الفتوح) سعد بن أبي وقاص كمعسكر للجند عام 638م، بعد معركة القادسية زمن خلافة عمر بن الخطاب بالقرب من مدينة الحيرة، حاضرة المناذرة.

كانت المدينة “عاصمة للخلافة الإسلامية في زمن الخليفة الرابع علي بن أبي طالب” والمركز الرئيسي لوجود الكثير من العلماء المسلمين اتخذها الخليفة علي بن أبي طالب عاصمة لحكومته بعد الانتقال من المدينة إليها.

كذلك اتخذها العباسيون أول عاصمة لهم قبل أن ينقلوا العاصمة إلى الأنبار ثم إلى بغداد دار السلام…

باستعراض بسيط للوقائع الكبرى المؤثرة في التاريخ الإسلامي لاحظت تكرار اسم (الكوفة) في كثير من المواضع التي نجم عنها شقاق وفتن كبرى في صفوف المسلمين ما زال تأثيرها باقياً إلى يومنا هذا، وقد يكون لبعض معاني اسم هذه المدينة (كوفان بمعنى البلاء والشر) نصيب من ذلك، أو أنها المصادفة المحضة.

وأنا هنا لا أعني بالضرورة أن سكان الكوفة الحاليين ينتسبون إلى أولئك الذين كانوا منذ نحو 1400 سنة خلت، ولا شك بأن الكوفة تعرضت لتحولات كبرى تاريخية وسياسية واجتماعية وتعرضت لغزوات وحروب وحركة نزوح وتبدل في بنية النسيج السكاني بحيث يغدو من الصعب أو المستحيل حتى بقاء سلالة واحدة من الناس على مدى هذه القرون الطويلة، علاوة على أن الكوفة بذاك العهد كانت مدينة حديثة العهد ونرجح أن جل سكانها كانوا وافدين من الجزيرة العربية واليمن من جهة، ومن بلاد فارس وما وراء النهر من جهة أخرى، مع توسع الفتوحات الإسلامية، ويؤكد ذلك نسب أغلب من يرد ذكرهم بالحوادث المرتبطة بالكوفة.

كذلك سأورد هنا الوقائع التاريخية بتجرد كامل ما أمكنني ذلك بعيداً عن الإشارات الطائفية أو العنصرية فنحن في غنى عن ذلك والدخول في هذا المسار أمر شائك ومعقد وغير ذي جدوى فالخلاف مستمر منذ قرون وإلى إشعار آخر.

وهنا ايضاً سنحاول استعراض أهم الأحداث المرتبطة بالكوفة وبالتأكيد لن نحيط بكل ما يرتبط بالكوفة من أحداث وشخصيات مؤثرة فلسنا هنا في معرض التأريخ بل بصدد التركيز على نقطة معينة بالذات وهي المقصود من سياق التسلسل الزمني الآتي:

  • كان أهل الكوفة رأس الفتنة الكبرى التي أدت إلى مقتل الخليفة الراشدي الثالث (عثمان بن عفان) أحد المبشرين بالجنة والسابق بالإسلام وذي النورين رضي الله عنه سنة ٣٥ هجرية، هذه الفتنة التي لم تنته حتى اليوم.
  • خذل أهل الكوفة الخليفة الراشدي الرابع الإمام (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه قبل معركة صفين التي وقعت سنة ٣٧ هجرية ورفضوا الخروج معه فدعا عليهم.                                                    – فيها وقعت حادثة الغدر الآثمة سنة ٤٠ هجرية؛ حيث اغتال الآبق الخارجي عبد الرحمن بن ملجم المرادي المذحجي، الإمام (علي بن أبي طالب) رضي الله ابن عم الرسول محمد بن عبد الله وصهره، من آل بيته، وأحد أصحابه، هو رابع الخلفاء الراشدين  وأحد المبشرين بالجنة.
  • خدعوا (الحسين بن علي )رضي الله عنه سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسلوا له أربعون ألف رسالة يؤكدون فيها مبايعته وطلبوا منه القدوم من المدينة المنورة لمبايعته على الخلافة في زمن يزيد بن معاوية “رضي الله عن معاوية” وقد حدث ذلك سنة 60 هجرية.
  • في نفس السنة خذلوا (مسلم بن عقيل بن أبي طالب) سفير الحسين رضي الله عنه وابن عمه؛ عندما قدم إلى الكوفة وساروا معه لمحاصرة مقر الإمارة بوعد نصرته ثم تركوه وحيداً حتى قتله والي الكوفة والبصرة حينها عبيد الله بن زياد.
  • مرة أخرى خذل أهل الكوفة الحسين بن علي ابن بنت رسول الله وغدروا به سنة 61 هجرية واستشهد في موقعة (ألطف) قرب كربلاء على يد جيش أرسله (عبيد الله بن زياد) والي العراقيين حينها (البصرة والكوفة) وكان قتلته من حيث النتيجة هم أهل الكوفة.
  • فيها ظهرت ثورة التوابين وهي أول ثورة قامت بعد واقعة كربلاء بهدف الثأر للحسين وأصحابه الذين قتلوا هناك، وقد كانت بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي عام 65 هـجرية.
  • ظهر فيها أشهر رؤوس الفرقة الإسماعيلية: أبو الخطاب، وهو محمد بن مقلاص الأسدي الكوفي، يُكنى بـ ” أبي الخطاب ” و ” أبي الضبيان ” و ” أبي سماعيل ” وقد سار هذا الرجل في أفكار الغلو حتى قُتل على يد عيسى بن موسى والي الكوفة سنة 143 هجرية.
  • في الكوفة وفي عام 258 هجرية ولدت حركة القرامطة على يد حمدان قرمط وهو حمدان بن الأشعث الأهوازي الملقب (قرمط) وهو بالأصل من الأحواز (المحتلة حاليا من إيران) ويكفي أن نذكّر بأن القرامطة عاثوا في الأرض فساداً وهاجموا الكعبة في يوم التروية بقيادة (أبو الطاهر الجنّابي) وقتلوا آلاف الحجاج وردموا بئر زمزم بالجثث وهدموا الكعبة وأخذوا الحجر الأسود إلى عاصمتهم (هجر) شرق الجزيرة العربية.
  • في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان حدثت ثورة عبد الرحمن بن محمد الكندي (ابن الاشعث) وكان قائداً عسكرياً أموياً من أهل الكوفة وأشرافها وصاحب أعنف الثورات ضد الدولة الأموية بسبب كرهه للحجاج بن يوسف الثقفي واعتداده بنفسه.

هذه نبذة مختصرة عن بعض الوقائع التي وقعت في الكوفة وكانت مؤثرة جداً في التاريخ الإسلامي، وقد حاولنا سرد هذه الأحداث كما هي من مصادرها وتجنبنا –قدر الإمكان- الخوض في الجدل التاريخي المستمر بين المسلمين من الشقين السني والشيعي حول مسببات وآثار هذه الحوادث، ولا شك بأن للكوفة مكانة خاصة في الذاكرة العربية تأخذ منحى آخر خلاف هذه الحوادث المؤلمة، ويندرج في هذا السياق قائمة طويلة من العلماء والأدباء والشعراء الكوفيين في شتى المجالات، وليس أخيراً. الخط الكوفي البديع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى