بدأت أزمة الخبز تتعاظم في سورية، لتمتد إلى مناطق سيطرة نظام بشار الأسد، خاصة في مدينتي دمشق وحلب. أسباب الأزمة متعددة، ولكن أبرزها الضعف الشديد في موسم القمح هذا العام، ووهن النظام في تأمين البدائل بعد تدمير غالبية مقومات الاقتصاد السوري.
حتى “أشباه الأغذية” التي ابتكرتها حكومة دمشق أخيراً مع تشجيع صناعة “شبه الجبنة وشبه اللبن” باتت من كماليات الغذاء، بواقع سعر كيلو الحليب الذي يزيد عن 1200 ليرة وكيلو الجبنة الذي تجاوز 9 آلاف ليرة، ليرضى السوريون فقط بالخبز.
لكن إكسير البقاء هذا، ما عاد ليرتضي بهم بعد موسم قمح هو الأسوأ منذ عقود ومنح حكومة بشار الأسد شركة “تكامل” حصرية توزيع الخبز، على حسب الدفع والولاء.
ويحذر مدير مؤسسة الحبوب في المعارضة السورية حسان محمد المشهد لـ”العربي الجديد” من “حصول مجاعة في سورية هذا العام”.
ويشرح أن التوقعات كانت، قبل الجفاف وتراجع هطول الأمطار، تحقيق أفضل موسم حبوب منذ سنوات، “بل وصفنا عام 2021 بعام القمح وقت زادت توقعات الإنتاج عن 3.5 ملايين طن. لكن النتائج الآن مخيبة، بعموم سورية، بحيث لن يتجاوز الإنتاج 1.2 مليون طن”.
ويلفت إلى أن “حاجة سورية للخبز سنوياً نحو مليوني طن من القمح، إضافة إلى 400 ألف طن من الفريكة والبذار، ونحو 500 ألف طن للصناعات التي تعتمد على الدقيق مثل المعكرونة والسميد”. ويتوقع محمد أن يلجأ نظام الأسد إلى زيادة استيراد القمح من روسيا “ولو عبر القطاع الخاص السوري بسبب أزمة السيولة لدى النظام”، ولا يستبعد تقليل كمية الدقيق التي يتم تسليمها للأفران خلال الفترة المقبلة، “ما يعني عودة الطوابير والتجويع وغلاء الأسعار”.
تفاوت المعروض
وحول غلال القمح للموسم الحالي، يشير مدير مؤسسة الحبوب بالمعارضة السورية إلى أنه “منينا بخيبات من جراء ضعف الموسم، ولن تتجاوز غلة الهكتار الواحد 25 ألف طن”، مبيناً أن “الحد الأقصى لاستلام مؤسسة الحبوب في مناطق المعارضة 70 ألف طن، خاصة وسط انتشار المنظمات الدولية مثل شفق، كير وقطر الخيرية التي تشتري القمح وتطحنه وتقدمه مساعدات للأسر”.
أما في مناطق سيطرة الأسد فيتوقع المتحدث ألا تتجاوز الحبوب المسلمة 400 ألف طن، لتكون حصة قوات سورية الديمقراطية “قسد” الكبرى بنحو 600 ألف طن.
ويشير إلى أن الأسعار التي حددتها “قسد” هي الأعلى هذا العام بقيمة 1150 ليرة لكيلو القمح، في حين حدد نظام الأسد 800 ليرة للكيلو زائد 100 ليرة مكافأة تسويق، أما مناطق المعارضة فحددت سعر 325 دولاراً للطن، ما يعادل 1105 ليرات للكيلو الواحد.
وفي حين بدأت ملامح أزمة قلة الخبز تنتشر في مناطق سيطرة الأسد، يؤكد مدير مؤسسة الحبوب أن مناطق المعارضة “محصنة من ندرة الطحين” بسبب ما تستلمه المؤسسة من قمح وما تقدمه المؤسسات الدولية المانحة على شكل مساعدات.
ويرى المهندس الزراعي يحيى تناري أن موسم الحبوب لهذا العام هو الأقل منذ عقود “لم يمر جفاف وقلة أمطار على سورية، كما العام الجاري، منذ سبعين سنة”، متوقعاً ألا تتجاوز الكميات المسلمة بعموم سورية “النظام، قسد والمعارضة” مليون طن، لأن الجفاف ألغى “بالمطلق” موسم القمح البعل في منطقة الجزيرة التي كانت التوقعات بإنتاجها نحو 300 ألف طن، كما أن الزراعة المروية مكلفة على المزارعين، ربما بما يوازي السعر المعروض أو أكثر.
ويضيف: “سيتم البيع للمنظمات أو تهريب القمح إلى الدول المجاورة”، شارحاً أن كلفة السماد للدونم الواحد نحو 6 آلاف ليرة و300 كلغ بذار والأكثر كلفة هو الري، لأن الجفاف فرض على مزارعي القمح أربع ريّات هذا العام.
ويوضح المهندس السوري من إدلب لـ”العربي الجديد” أن حاجة سورية التي كانت تنتج بين 3.5 و4 ملايين طن من القمح سنوياً قبل عام 2011، هي بأقل تقدير 3 ملايين طن بين خبز وغيره، ما سيلزم نظام الأسد استيراد 200 ألف طن شهرياً بسعر 400 مليون دولار، ليسد العجز بين الإنتاج والاستهلاك.
ولكن حكومة الأسد بحسب تناري “مفلسة”، ما سيزيد من احتمالات التجويع، بواقع الغلاء الفاحش وعودة تدهور سعر صرف الليرة (2300 ليرة للدولار) إن لم يحصل طارئ أو تزيد كمية المساعدات الدولية من الطحين.
التحكّم بقوت الناس
فقد عاد شبح الجوع يحوم فوق رؤوس السوريين مع طوابير الانتظار أمام أفران الخبز.
ولا حلول أو ملامح انفراج، رغم الوعود التي قطعتها حكومة بشار الأسد، قبل إجراء الانتخابات الشهر الماضي، ليقتات السوريون اليوم على وعود الحكومة الجديدة المتوقع تشكيلها، بعد إدلاء بشار الأسد القسم، لولاية وراثية رابعة في 17 تموز/ يوليو المقبل.
وتقول مصادر خاصة من دمشق لـ”العربي الجديد” إن الازدحام عاد أمام الأفران بعد تقليل مخصصات بعضها من الدقيق.
وانتشرت “سوق سوداء للخبز بعشرة أضعاف السعر الرسمي” وفق المصادر. فأمام أفران ابن العميد في منطقة ركن الدين، تباع ربطة الخبز (زنة 2 كيلوغرام) بنحو 1100 ليرة، كما يبيع عدد من الأطفال الخبز خلف أفران قدسيا والمزة بنحو 1000 ليرة للربطة الواحدة، فيما السعر الرسمي للربطة 100 ليرة سورية.
وتكشف المصادر أن “الطرح الحكومي الحالي هو تخفيض حصة الأسرة من الخبز وإعطاء كل أسرة تحمل بطاقة ذكية ربطة خبز واحدة بصرف النظر عن عدد أفراد الأسرة، علماً أن التوزيع حتى الآن محدد بربطة لكل شخصين وربطتي خبز للأسرة المكونة من ثلاثة أو أربعة أشخاص وثلاث ربطات للأسرة المكونة من خمسة أفراد وما فوق، ما يعني أن المجاعة مقبلة”، بحسب وصف المصادر، مع الارتفاع الكبير في أسعار غالبية السلع الغذائية الأخرى.
وتبين المصادر أن شركة تكامل “العائدة لمتنفذين من النظام” موكلة بتوزيع الخبز والمشتقات النفطية والمواد المقننة (سكر وأرز وشاي)، وهي تتحكم بقوت السوريين وتحصل على نسبة عمولة عن كل بطاقة ذكية. وتشير المصادر إلى أنه في دمشق يوجد 473 معتمداً إضافة إلى 108 أفران، تسلم الخبز للسوريين، ولكن وفق البطاقة الذكية فقط.
وطاولت أزمة قلة الخبز وانتشار طوابير الانتظار مدينة حلب التي تستهلك، بحسب مدير فرع المؤسسة السورية للمخابز في حلب، جهاد السمان، نحو 600 طن يومياً.
وتقول السيدة فطينة حسين من حي السكري في حلب، لـ”العربي الجديد” إن أزمة طوابير الخبز عادت أمام الأفران وانتشر البيع خارج الأفران.
وتشير إلى استمرار الغلاء وتجويع السوريين، فالقصة برأيها لا تقتصر على الخبز، بل غلاء جميع السلع الاستهلاكية “لكن الخبز هو ما تبقى للفقراء”. وتؤكد أن مناطق بأكملها في حلب لا يوجد فيها فرن يعمل، ما يدفع المستهلكين للتوجه إلى أحياء بعيدة طلباً للخبز والانتظار لساعات طويلة.
المصدر: العربي الجديد