لم يكن “محمد مدلج” (32 عاما) يدرك أن دخوله لمدينة عفرين شمال حلب، التي كانت خاضعة لسيطرة وحدات الحماية الكردية، في عام 2017، سيعرضه لتجربة مروعة من الاعتقال استمرت لنحو خمسة أعوام، قضاها متنقلا بين سجون ومعتقلات الوحدات والنظام السوري.
مدلج الناشط في المجال الإغاثي، غادر مسقط رأسه حلب في أواخر عام 2016 خلال تهجير سكان الأحياء الشرقية، نحو إدلب. وبعد وصوله إدلب بشهور، اضطر وهو يعاني من تبعات إصابة ساقه بانفجار برميل متفجر، ألقته طائرات النظام المروحية على أحياء حلب الشرقية التي كانت تحت سيطرة المعارضة، إلى التوجه نحو تركيا بقصد العلاج.
وللوصول لتركيا، كان لا بد من المرور بعفرين، للوصول إلى معبر “باب السلامة” القريب من مدينة أعزاز.
وفور دخوله عفرين، اعتقل من حاجز الوحدات الكردية، وبدأت تجربته في المعتقلات.
ويقول لـ”عربي21“: “في عفرين حُكم علي بالسجن ثلاث سنوات، قبل أن تسلمني الوحدات الكردية ونحو 700 معتقل للنظام السوري، في مطلع العام 2018، بعد نحو عام من اعتقالي، مع بدء الجيش الحر معركة “غصن الزيتون” بالتنسيق مع الجيش التركي”، ما يعد تأكيدا للتعاون والتنسيق بين النظام السوري والوحدات الكردية، ومسمياتها الأخرى “قسد” والوحدات الكردية.
معتقلات النظام
بعد تسليمه للنظام السوري، تنقل مدلج بين أفرع المخابرات في مدينة حلب، قبل أن يتم نقله إلى إدارة فرع “أمن الدولة” في دمشق.
وبعدها أمضى مدلج نحو نصف عام من التحقيق والتعذيب في سجن فرع “المخابرات العامة”، انتهى به المطاف في “سجن صيدنايا”، أو ما يطلق عليه بـ”المسلخ البشري”
وروى: “في سجن صيدنايا، التعذيب لا يوصف، لكن أكثر معاناتنا كانت من الجوع، حيث يُخصص للمعتقل ربع رغيف خبز على مدار اليوم كاملا”، مضيفا: “الجوع كان يحرم غالبية المعتقلين من النوم، أما التعذيب ووسائله، فلا يمكن أن تُحيط بشرحه على مدار أيام من الحديث المتواصل”.
ولا يعرف مدلج أسماء حامية السجن، لكنه يؤكد أن “طبيب العصبية في السجن، كان المسؤول الأول عن تصفية المعتقلين، بالحقن السامة في الرأس”.
مشفى تشرين العسكري
بعد تفاقم وضعه الصحي في صيدنايا، تم تحويل مدلج إلى مشفى “تشرين العسكري” بدمشق، يوضح: “في المشفى كان يتم تصفية الجزء الأكبر من المعتقلين، خنقا أو بكسر عظم العنق”
وبما يشبه المشاهد الإجرامية في أفلام الرعب والعنف، يؤكد مدلج أن عنصرا واحدا، قَتَلَ في غضون ساعة 6 معتقلين، خنقا.
وعاين مدلج في فترة اعتقاله وفاة أكثر من 150 معتقلا في سجن صيدنايا، ومشفى تشرين العسكري.
ويسترسل مدلج، في المشفى كان يتم تكبيل المعتقل المريض وريطه في السرير الحديدي، دون مياه وغذاء لثلاثة أيام متواصلة، يعلّق: “طويل العمر فقط يبقى على قيد الحياة”.
إلى الحرية مجدداً
قبل أيام، تم الإفراج عن مدلج، “من صيدنايا توجهت لدمشق، وهناك أبلغت أكثر من عائلة عن مصير أبنائهم المعتقلين، بطلب من المعتقلين؛ لأن عائلاتهم تجهل مصيرهم تماما، وبعدها توجهت لحلب، ومنها إلى مدينة عفرين حيث تقطن عائلتي وأولادي”، يضيف مدلج: “عند دخولي السجن كان عمر طفلي الصغير بضع شهور، والآن هو في سن الخامسة”.
وختم مدلج حديثه لـ”عربي21“، بمناشدة المنظمات الدولية والأمم المتحدة، بالتدخل لإطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام، وخصوصا في سجن صيدنايا.
وفي أعزاز، بعد أيام من وصول مدلج، نظم رفاقه احتفالا في المدينة، فرحا بعودته إلى الحرية مجددا.
قضية المعتقلين
وتُقدر “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أعداد المعتقلين في سجون النظام السوري بما يزيد عن 100 ألف معتقل ومغيب قسري، وتؤكد مقتل أكثر من 14 ألفا تحت التعذيب منذ اندلاع الثورة في العام 2011 وحتى آذار/ مارس الماضي.
ولفت الصحفي ميلاد شهابي، إلى أن إنكار النظام لوجود آلاف المعتقلين في سجونه، مضيفا لـ”عربي21“، أنه “مقابل كذب النظام، هناك صمت مستغرب من المجتمع الدولي، الذي يمتلك الأدلة الكافية، ومن أهمها الصور التي سربها المصور العسكري الذي كان يعمل في الطبابة الشرعية لدى النظام”، المدعو بـ”قيصر”.
وأردف، أن المجتمع الدولي فشل حتى الآن، في فتح هذه القضية رغم أهميتها وتداعياتها المأساوية، وخصوصا أن كل معتقلات النظام، هي بمنزلة المسالخ البشرية.
وأشار شهابي إلى صعوبة توثيق كل الانتهاكات التي ترتكب في سجون النظام، وقال: “يشكل خروج أي معتقل على قيد الحياة فرصة لتوثيق جزء يسير من هذه الجرائم”.
ولذلك، وفق شهابي، يحرص النظام السوري على عدم إطلاق سراح من تبقى من المعتقلين على قيد الحياة، تجنبا لفضح الجرائم والمجازر التي تسجل داخل السجون.
ويتمنى الصحفي أن تشكل شهادة مدلج وغيره من المعتقلين الذين يخرجون على قيد الحياة- على قلتهم- عامل ضغط من المجتمع الدولي على النظام، حتى يجبر الأخير على السماح للمنظمات الدولية بالدخول إلى السجون، لمعاينة المجازر.
ويختتم شهابي حديثه لـ”عربي21“، بالإشارة إلى أن اثنين من أشقائه هم من المعتقلين في سجون النظام، قائلا: “نجهل مصيرهما كما هو حال الآلاف، ونأمل أن نشاهد تحركا دوليا في هذه القضية الإنسانية، وكذلك يجب أن تقتصر عمليات تبادل الأسرى التي تجري من وقت لآخر بين النظام والجيش الحر، على المعتقلين السياسيين”.
المصدر: عربي 21